«حلف بغداد» الجديد
محمد صادق الحسيني –
ستثبت الوقائع والاحداث وحركة التاريخ وموجبات التحول الجيوسياسي التي حصلت خلال السنوات الاربع الماضية على الارض السورية بشكل خاص، وفي محيطها الجغرافي « الشامي « او الهلال الخصيبي بشكل عام بان ساكني البيت الابيض الامريكي لم يعد بمقدورهم الدفاع الاستراتيجي عن حاملة طائراتهم الاكثر تسلحا على اليابسة والتي اسمها “اسرائيل”.
لا برا ولا جوا ولا بحرا سيتمكنون من ذلك، ناهيك عن عجزهم التام في خوض اي معركة «دفاع استراتيجي» عن هذا الكيان في عالم «حرب الارادات» الذي بات هو الرادع الاكبر في منع بدء اي مواجهة جديدة مع محور المقاومة المتمثل بالمشهد الدمشقي الشهير.
هي المراوحة اذن، ومعارك الكر والفر، ومحاولات الالتفاف والاحتيال والمراوغة والهروب الى الامام وسائل واساليب بالية متبقية لدى جماعة محور نيويورك الذين ورثوا هذه الزعامة الانكلو ساكسونية للفكر الهيمني الاحادي.
لم يربحوا الحرب علينا عند بوابات الشام رغم تجييشهم لحرب كونية ضدنا، ما اضطرهم لشرب كأس السم على اسوار قصر الشعب السوري.
لم يفلحوا في تصفية القضية الفلسطينية رغم كل معارك واساليب الخداع والحيلة والطرائق الانكليزية التقليدية المشهورة في نخر اجسام الخصم من الداخل وصولا الى الحرب المكشوفة والوحشية والبربرية على طريقة حروب الابادة التي استعملت ضد شعوب امريكا اللاتينية الاصليين، ومع ذلك تكسرت اضلاعهم على اسوار غزة واضطروا للتراجع وابتلاع جرعة سم جديدة او اضافية ….
حاولوا اسقاط اللاعب الجديد الذي كان يتحضر للالتحاق بالمشهد الدمشقي من خلال «غزوة احزاب» الموصل والاقتراب من حلم استعادة عاصمة العباسيين، كما يحلو لهم تسميتها لكنهم اضطروا لتجرع العلقم على تخوم بغداد رغم كل الجراحات التي اصابتنا بالسياسة والديبلوماسية والاعلام وترتيب بيت العراق الحزين والكئيب منذ ايام دستور بريمر وبطانة احتلاله البائسة.
معركة «امير علي» كانت وستظل المؤشر الاهم والعلامة المضيئة التي ظهرت في سماء العراق ليس فقط لتمكن رجال الله من كنس ما تبقى من آثار غزوة الموصل التتارية المغولية، بل و ستكون البداية التي ستفضي الى كنس ما تبقى من صدأ عالق امام بيوت العراقيين من ميراث الغزو الامريكي المشؤوم.
معركة «امير علي» هي بمثابة معركة القصير اللبنانية السورية التي كما استطاعت الاولى قلب المعادلات الاقليمية واخراج دول وامارات من دائرة التأثير ستكون الثانية فعل ما هو اكبر هذه المرة.
لقد ظن الامريكيون الصغار للحظة ان بامكانهم استرجاع ما خسروه عند بوابات الشام لاول على اسوار غزة وللمرة الثانية على تخوم بغداد…. غير ان اصرار اطراف المشهد الدمشقي على المضي قدما في التحضير الدؤوب ليوم «المنازلة الكبرى» وفتح فصول جديدة في حلبة المصارعة او الملاكمة معهم وهذه المرة على ارض اليمن العزيز والفوز عليهم بالنقاط هناك، قلب موازين القوى في الاقليم و خلط اوراق حساباتهم الاستراتيجية من جديد.
«مازاد في الطين بلة» هو ما بدأ يتدحرج في اليمن العزيز المليء بالتطورات والمفاجآت المنظورة وغير المنظورة والتي قد تبدأ بسقوط صنعاء بيد محور المقاومة من خلال صعود تيار انصار الله الميال لمحور طهران دمشق الضاحية الجنوبية لبيروت وتحالفاته اليمنية الداخلية.
هذه هي خلفية كل ما يقومون به من تحركات ومحاولة خلق اصطفافات تحت مسمى ما بات يعرف بـ «التحالف الدولي ضد داعش» فيما المقصود الواقعي لكل ذلك هو السعي لـ « حلف بغداد « جديد.
حلف بغداد الذي يفترض ان بمقدوره وقف التوسع المستمر والنفوذ المتزايد للمدى الحيوي لجبهة المقاومة والممانعة في الاقليم.
حلف بغداد الذي يفترضون ان بمقدوره ان يمنع تساقط الانظمة الضعيفة والمعرضة لموجات التحول والتغيير الذاتية والموضوعية المتسارعة، ويبقي بذلك برأيهم على الحد الادنى من تماسك معسكر «الاعتدال» … حلف بغداد الذي يمنع تمدد القوتين العظميين الجديدتين روسيا والصين كماردين سياسيين اقتصاديين تتهيأ كل الظروف الذاتية والموضوعية لهما لوراثة امبراطورية الشر المطلق التي باتت مصابة بمرض الشيخوخة المبكرة.
حلف بغداد الذي ينبغي عليه تقليص اظافر البعبع الهوليودي الذي تربى في حضنهم وتم تسمينه لاهداف محددة ولوقت محدد، لم يتمكن من تحقيق كامل اهدافه وبعد ان صار او يكاد ينقلب الى ضده فوجب اعادة رسم حده. كل ذلك ويزيد في عالم السينما الامريكية الهوليودية الا الحرب على داعش او مكافحة الارهاب وهي الشعارات التي تثير السخرية والشفقة على كتلة متربصة بنا من الحمقى الذين اضاعوا بوصلتهم في التكتيك كما في الاستراتيجيا.
هذا هو واقع ما تعيشه واشنطن عشية انتخابات الكونغرس النصفية وعشية سعي الثنائي اوباما – كيري لربحها من الجمهوريين.
هي في الواقع جزء من تداعيات ونتائج حرب عالمية ثالثة لم يتم خوضها بالطريقة الانكلو ساكسونية تماما هذه المرة لكن نتائجها الالزامية ستكون تغيير نمط العلاقات العالمية كما معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ونهاية الاحادية الامريكية، بل واسدال الستار على رواية «نهاية التاريخ» الامريكية الشهيرة والأهم من ذلك كله كتابة الحكاية الحقيقية للعالم على يد امة لديها جدارة الحياة وتستحق ليس استمرار بقائها فحسب بل وستكون لديها اليد العليا في صناعة عالم جديد خير ينهض ويقوى ويكبر على انقاض عالم شرير يتهاوى وينهار ويسير الى الانحطاط .