التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

سوريا وعربدة الكاوبوي الإمريكي 

ماجد الحاتمي –

“سوف نضرب داعش في سوريا دون التنسيق مع السلطات السورية ، وسيتم تدمير الدفاعات الجوية السورية في حال استهدفت الطائرات الامريكية التي تجوب سماء سوريا ، كما سيتم استهداف الجيش السوري نفسه في حال حاول التقدم في المناطق التي تنسحب منها “داعش” تحت وقع الضربات الجوية الامريكية ، فهذه المناطق سيدخلها مسلحون “معتدلون” تقوم امريكا بتدريبهم في السعودية” ، هذه كانت خلاصة الاستراتيجية الامريكية الخاصة بالتصدي ل”داعش” في سوريا وقالها اكثر من مسؤول سياسي وعسكري امريكي.

لا يحتاج المرء للكثير من الثقافة السياسية لكي يضع هذه الاستراتيجية الامريكية في التعامل مع “داعش” في سوريا ، في خانة الاستراتيجيات الامريكية المبنية عادة على مبدأ “القوة هي الحق” ، ويمكن تعريف هذا المبدأ امريكيا بانه “منطق الكابوي” ، وهذه الاستراتيجية وجدت اولى تطبيقاتها في امريكا ذاتها وعلى السكان الاصليين هناك ، عندما اباد المستعمر الابيض الملايين من الهنود الحمر.

يبدو ان مبدأ “القوة هو الحق” او “منطق الكاوبوي”  الامريكي لم يتغير منذ ان وطأت امريكا المسرح الدولي ابان الحرب العالمية الثانية ، ولا تاثير لشرعة دولية او غيرها ، على هذه الاستراتيجية ، التي طالما تجاهلت هذه الشرعة او اي مرجعية دولية  ، التي من المفترض ان تكون صاحبة القول الفصل في حل الازمات التي تواجه العالم، وتسببت هذه الاستراتيجية الامريكية بكوارث انسانية مازال العالم يدفع ثمنها وينزف بسببها حتى اليوم ، ويبدو ان جرح الانسانية النازف جراء هذه السياسات ، لن يندمل قريبا بسبب اصرار امريكا على التمسك بهذه السياسات التي ثبت عقمها في افغانستان والعراق والصومال واليمن وغيرها من دول العالم.

الساحة الجديدة التي اختارتها سياسة الكاوبوي الكارثية الامريكية هذه المرة ، هي سوريا ، حيث اعادت امريكا ذات السيناريو الذي طبقته في افغانستان هناك  ، والقائم على ايجاد تنظيمات متطرفة تحمل لواء الدين لاستخدامها في مقارعة نظام ترى امريكا ان من الضروري ان يختفي لتعارضه مع السياسة الامريكية ، وبعد ان يُستنزف الجانبان ، عندها تتدخل امريكا كعادتها بوصفها “المنقذ” للعالقين بين المتحاربين.

 

هذه المرة يبدو ان الامر مختلف ، فالاستراتيجية الامريكية في سوريا ، فشلت قبل ان تجد طريقها الى التطبيق ، فسوريا ليست افغانستان ، والارض السورية ستبتلع هذه الاستراتيجية لاسباب تعود لذات الاستراتيجية ، واخرى سورية ، واخرى اقليمية ، ويمكن الاشارة الى اهمها:

1-فطنة وذكاء وحنكة الشعب السوري ازاء ما يحاك ضده وضد جيشه و بلده.

2-قوة وتماسك الجيش السوري رغم كل الضغوط العسكرية والنفسية التي مورست ضده خلال السنوات الاربع الماضية.

3-انكشاف امر التنظيمات المسلحة للشعب السوري ، والتي حاول الغرب والدول الخليجية على مدى اربع سنوات تسويقها لهم على انها معارضة سورية مسلحة تسعى لاقامة نظام ديمقراطي تعددي في سوريا ، فاذا بها  فروع للقاعدة ، وتنظيمات تكفيرية اسوء من القاعدة ك”داعش”.

4-وقوف الشعب السوري على حقيقة اهداف الانظمة التي كانت تذرف الدمع على الديمقراطية في سوريا ويمدون المسلحين بالمال والعتاد وبكل اسباب القوة ، وكذلك وقوفه على حجم حقد وكراهية هذه الانظمة لسوريا ككيان ، وهي في اغلبها انظمة استبدادية دكتاتورية قبلية رجعية.

5-الممارسات الوحشية للتنظيمات التكفيرية في سوريا ، كشفت حقيقة ما يجري في هذا البلد للراي العام العالمي رغم كل عمليات التجميل التي خضعت لها في الاعلام الخليجي والغربي.

6-انقلاب مواقف الكثير من الحكومات الاحزاب والتنظيمات والشخصيات العربية والاسلامية والعالمية ازاء ما يجري في سوريا ، لصالح الشعب السوري وضد فظائع التنظيمات التكفيرية.

7-سوريا ليست وحدها ، فمعها محور المقاومة ، الذي اثبت صلابته امام المؤامرة الكبرى التي دبرت في مطابخ امريكا واسرائيل والرجعية العربية منذ اربعع اعوام لسوريا والمنطقة.

8-لسوريا حلفاء على المسرح الدولي كروسيا والصين ودول البريكس ، وقفت امام محاولات امريكا الاستفراد بالمحافل الدولية واستخدامها ضد سوريا.

9-عدم اقتناع الراي العام العالمي ولاسيما السوري والعربي والاسلامي بتركيبة التحالف الدولي لمكافحة “داعش” ، لوجود اكبر مناصري وداعمي “داعش” في هذا التحالف، هو ما انعكس سلبا على صورة هذا التحالف.

10-رفض ايران وروسيا الانضمام الى التحالف الدولي ، القى ظلالا من الشك لدى الكثيرين حول الاهداف التي شكلت من اجله.

11-تضارب وتنافر مصالح ومواقف وسياسات الدول المنضوية في هذا التحالف ، ازاء الازمة السورية والكثير من القضايا الاقليمية الاخرى ، جعل هذا التحالف عملا استعراضيا لا يملك اية قدرة على تغيير الموازين على الارض ، وهو ما بدا واضحا من تصريحات المسؤولين في السعودية ومصر وتركيا ، وهم اكبر حلفاء امريكا في المنطقة.

13-رفض الشعب الامريكي التورط في حرب اخرى في منطقة الشرق الاوسط ، وهو مابدا واضحا من المزاج العام الامريكي.

14-عدم وجود ارادة سياسة لا في داخل الادارة الامريكية ولا في الكونغرس للدخول في حرب برية في سوريا.

15-دخول الكيان الصهيوني على خط الازمة في سوريا لصالح التنظيمات المسلحة جعل صورة الاوضاع في سوريا اكثر وضوحا للسوريين وغيرهم.

 

هذه الحقائق وغيرها الكثير ستكثف معنى العدوان لدى الراي العام العالمي ، على اي اجراء امريكي يستهدف الاراضي السورية تحت ذريعة الحرب ضد “داعش” ، وسيشجع سوريا على الرد بقوة ، بعد ان تاكد وجود دفاعات جوية متطورة حصلت عليها من روسيا.

من المؤكد ان الحقائق المذكورة سوف لن ترجح كفة احتمال ان تقوم امريكا بمغامرة غير محمودة العواقب لا لها ولا للمنطقة في سوريا ، لاسيما بعد ان كشفت مجلة «ديفنس نيوز» الأميركية النقاب عن وجود اتفاق عسكري بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني حول التنسيق بينهما في حال اصطدمت امريكا مع القوات السورية ، الامر الذي يؤكد خوف امريكا من تداعيات عدوانها ، كما سيجعل في المقابل السوريين ومحور المقاومة والراي العام العالمي اكثر مقاومة للعنجهية الامريكية الصهيونية.

يبدو ان هذه الحقائق قد فرضت نفسها  ايضا على وزير الخارجية الامريكي جون كري الذي اعلن مؤخرا ، ان لايران دورا في مكافحة “داعش” بعد ان ظل لاسابيع يستبعد اي تعاون مع ايران في هذه الحرب  ، وهو ما يعكس ايضا مدى الخوف الامريكي من تداعيات مغامرته في سوريا ، فالوزير كري يعرف قبل غيره ، ان سوريا وايران ومحور المقاومة ، كانوا هم اول من حذر من خطر ارهاب التنظيمات التكفيرية في سوريا ، وتصدوا لها.

اما ما قيل عن اقامت معسكرات في السعودية لتدريب الالاف من المسلحين المعتدلين باشراف امريكي لارسالهم بعد ذلك الى المناطق التي ستنسحب منها “داعش” ، بعد الضربات الامريكية ، فهو اجراء استعراضي لاقيمة له على الارض مطلقا ، وقد اثبتت تجارب الاعوام الماضية فشله ، فهو لايعدو سوى فخ نُصب للسعودية لاستنزاف خزينتها ، وجعلها اكثر كرما على الاتحاد.

على عكس مما تعتقد الادارة الامريكية ، فإن نقطة الضعف الكبرى والمزمنة في الاستراتيجية الامريكية  ، وكلفت امريكا والعالم اثمانا باهظة ، تكمن في اعتمادها على مبدأ القوة المجردة ، او منطق الكاوبوي ، في علاقاتها الدولية ، فهذا المبدا او المنطق لم يكن فاعلا في الماضي ، وهو اليوم اكثر عقما من الامس ، و يرتد سلبا على الجميع.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق