لماذا لايعترض العرب على أمريكا كما تعترض تركيا و “إسرائيل”
سامح مظهر –
لا يمكن وضع العلاقة التي تربط بين بعض الحكومات العربية وخاصة الخليجية وبين الولايات المتحدة الامريكية، في اي صيغة من صيغ العلاقة المعهودة بين الدول، فاكثر التعاريف سلبية لا يمكن ان توضح هذه العلاقة التي تدنت حتى من كونها علاقة تبعية او عمالة، فمواقف هذه الحكومات ازاء مختلف القضايا الاقليمية مثار سخرية واستهجان للقاصي والداني.
ففي اشارة بسيطة من السيد لامريكي ترى الملوك والامراء والمشايخ العرب يقفون على أهبة الاستعداد لتنفيذ ما يؤمرون به ليس فقط دون نقاش بل و بدون تفكير ايضا، فعندما يأمر هذا السيد اغراق سوريا بالارهابيين، نرى هذه الحكومات تقوم بدور منظمات ارهابية لتجنيد الالاف من التكفيريين والارهابيين من مختلف انحاء العالم وارسالهم الى سوريا ومدهم بالمال والسلاح والعتاد، وعندما يرى السيد الامريكي ان من مصلحته تأديب الارهابيين الذين تجاوزا الخطوط الحمراء، نراه يعطي الاوامر للملوك والامراء والمشايخ لمعاقبة الارهابيين، فاذا بهم يغيرون مواقفهم 180 درجة دون ان يكلفوا انفسهم عناء التفكير في فلسفة هذه الاستدارة، فيصبحون اكثر حماسا من اقرب حلفاء امريكا من البريطانيين والفرنسيين والاستراليين، فيشاركون في اول هجوم شنه التحالف على مواقع “داعش” في سوريا ودمروا هناك ما بنوه باموالهم.
هذه المواقف لملوك وامراء ومشايخ العرب تكررت سابقا، امتثالا لاوامر السيد الامريكي، لاسيما من غزو العراق، ومن العدوان الصهيوني المتكرر على لبنان وغزة، ومن افغانستان، وهي مواقف كلفت الدول التي يحكمها هؤلاء الملوك والامراء والمشايخ المليارات من الدولارات، الامرالذي يثير تساؤلات عن العلاقة التی تربط هذه الحكومات بشعوبها، وهل حقا تقيم هذه الحكومات اي وزن لشعوبها او الرأي العام في بلدانها؟، ام ان هذه الحكومات ترى نفسها في حل من اي تبرير لمواقفها ازاء شعوبها، لانها تتعامل مع الشعوب من منطلق سياسة شيخ القبيلة الذي اذا اراد شيئا يفعله ولا يملك افراد القبيلة الا السمعة والطاعة؟
الغريب ان بعض الحكومات غير العربية مثل الحكومة التركية ورغم دورانها في الفلك الامريكي، الا انها لا تطيع واشنطن طاعة عمياء كالدول العربية الخليجية، وتحتفظ لنفسها بهامش من المناورة حفاظا على كرامتها الوطنية، وخوفا من الراي العام لديها، وهو رأي تاخذه هذه الحكومات بنظر الاعتبار ولا تتعامل معه من منطق شيخ القبيلة، ومن خلال ذلك يمكن فهم موقف تركيا من التحالف الامريكي ضد “داعش”، ورفضها الدخول في هذا التحالف دون قيد او شرط، لسبب بسيط وهو ان انقرة ساهمت مساهمة لا تقل عن مساهمة السعودية وقطر في ايجاد “داعش” و “النصرة” واخواتهما في سوريا، وجازفت بمكانتها من اجل ذلك وانفقت كذلك اموالا طائلة، ولا يمكنها الان ان تدمر ما بنته لمجرد ان السيد الامريكي طلب ذلك، ومازالت تتمرد، رغم ان هذا التمرد لن يطول كثيرا، ولكنها تمردت على كل حال، وقالت لا للسيد الامريكي، حتى ولو بشكل غير مباشر.
الكيان الصهيوني الذي يدين بوجوده لامريكا، نراه يتمرد ايضا على اوامر السيد الامريكي في بعض الاحيان، بل و يستفز امريكا في بعض المواقف، ويتعرض حتى للرئيس الامريكي وينتقده، عندما يرى ان من مصلحته القيام بذلك، و لهذا السبب يبدو، ولو بالظاهر، ان العلاقة الان ليست على مايرام بين الرئيس الامريكي باراك اوباما ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.
مشکلة الملوك والامراء والمشايخ العرب وشذوذهم في العلاقة مع امريكا، يعود سببها الى طبيعتهم وكيفية تعاملهم مع معارضيهم وشعوبهم، فهم لا يتحملون سماع اي صوت معارض حتى لو كان خافتا، فيسعون الى اسكاته باي وسيلة، اما من ينتقدهم فينتقمون منه شر انتقام، لذلك يرون في الاعتراض امرا لا يمكن العيش معه او تحمله، ومن اجل ذلك لا يعترضون على من هو فوقهم، لانهم يعتقدون سوف يفقدون عروشهم في حال اعترضوا كما فقد منتقدوهم حياتهم، وفاتهم ان يراقبوا تصرفات حلفاء واذناب امريكا مثل تركيا والكيان الصهيوني مع امريكا، ليتعلموا طريقة الاعتراض والاختلاف والتمرد على السيد الامريكي، على الاقل للحفاظ على كرامتهم امام شعوبهم، هذا لو كانوا حقا يشعرون انهم يحكمون شعوبا.