التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

ضرب تمويل داعش.. مهمة التحالف الدولي الأصعب 

  الى جانب مقاتلة تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش) من لدن التحالف الدولي في معاقلها المنتشرة بين سوريا والعراق، تم التركيز على جانب اخر لا يقل أهمية عن مكافحة التنظيم عسكريا، وبرز في الآونة الأخيرة كأحد مصادرة قوة داعش، التي اعتبرت اقوى وأخطر تنظيم جهادي متطرف يهدد الامن والسلم الدولي على مستوى العالم، هذا الجانب تجلى في الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي استطاع التنظيم توفيرها، وحصل من خلالها على الاستقلال المالي الذي مكنه من توفير احتياجات مقاتليه، وكسب المزيد من المقاتلين، مع تجهيزهم بأفضل العدة والعتاد، والتي فاقت (في بعض نواحيها) تجهيزات الجيش العراقي.

وقسم خبراء اقتصاديون ومختصون في مكافحة الإرهاب مصادر تمويل داعش الى عدة موارد كان أبرزها:

1. الضرائب المحلية التي يفرضها التنظيم على الاعمال وأصحاب المحال التجارية ومرور البضائع والسلع وغيرها، والتي توفر لها ما يزيد عن 10 ملايين دولار شهريا.

2. خطف الرهائن ومطالبه ويهم بالفدية مقابل إطلاق سراحهم، وهو أسلوب قديم اعتمدت عليه القاعدة واغلب التنظيمات المتطرفة كطريق لجني الأموال السهلة والسريعة (ويكفي الإشارة الى ان فرنسا دفعت 18 مليون دولار للإفراج عن أربع رهائن فرنسيين كانوا محتجزين لدى الدولة الاسلامية استنادا إلى مصادر في حلف شمال الاطلسي في بروكسل) لتغطية نشاطاتها الاجرامية.

3. بيع النفط، بعد ان تمكن من السيطرة على عشرات الابار النفطية في العراق وسوريا، والتي سهلت لها بيع كميات كبيرة من النفط عن طريق تهريبها، وبالاتفاق مع شبكات تهريب وتجار السوق السوداء، ويشير خبراء الى ان بيع النفط يعود على التنظيم بوارد يزيد عن مليون دولار يوميا.

4. الهبات والمساعدات، وتهريب الاثار والسلب والسطو المسلح (كما قام التنظيم بالسطو على مصار المواصل والتي درت عليه مئات الملايين من الدولارات بحسب تأكيدات رسمية)، ومصادرة الأراضي، وغيرها من العمليات الاجرامية التي تقدر عائداتها السنوية بمئات الملايين من الدولارات.

ويبدو ان التحالف الدولي يعاني من ازمة حقيقية، يعد ان أدرك ان التنظيم استطاع خلال الفترة الماضية ان يحصن نفسه جيدا ضد أي تهديد مالي محتمل من قبل المجتمع الدولي، ولهذا يرى الكثير من الباحثين ان على التحالف الدولي اللجوء الى طرق غير تقليديه في حال أراد التضييق على مصادر الدعم المالي للتنظيم، ولعل ما قامت به الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا من ضرب مصافي للنفط في سوريا كانت مستغلة من قبل التنظيم تأتي في سياق تدمير البنى التحتية التي يعتمد عليها التنظيم في كسب الأموال.

الاستقلال المالي لداعش

فقد جاءوا يتظاهرون بالشراء وفي أحيان أخرى أرسلوا رسائل نصية عبر الهواتف وفي أحيان ثالثة كانوا يتصلون هاتفيا لكن الرسالة كانت واحدة على الدوام: “اعطونا مالا”، فقبل أشهر من الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية في يونيو حزيران الماضي كان مقاتلو الدولة الاسلامية مشغولين بجمع المال لتمويل حملتهم لإقامة الخلافة الإسلامية، وروى صاحب متجر بقالة في الموصل كيف فجر المتشددون قنبلة خارج متجره كتحذير عندما تردد في الدفع، وأضاف “إذا أصر شخص على الرفض خطفوه وطالبوا أسرته بفدية”، وقال صاحب المتجر الذي امتنع عن تعريف نفسه خوفا على سلامته إنه دفع للمتشددين 100 دولار شهريا ست أو سبع مرات هذا العام.

وفي المقابل تسلم ايصالا كتب عليه “استلمنا من السيد … مبلغ … دعما للمجاهدين”، وبدافع من الشعور بالإحباط والخوف اضطر إلى اغلاق متجره وأصبح يكسب قوت يومه من خلال العمل كسائق سيارة أجرة، وتصور حكاية صاحب متجر البقالة كيف تعمل الدولة الاسلامية منذ فترة طويلة على جمع الأموال قبل الاستيلاء على مساحة من الارض في شمال العراق وسوريا، وأيد عامل آخر في الموصل هذه الرواية عن أساليب عمل تنظيم الدولة الإسلامية، ويقول “النظام الضريبي كان منظما تنظيما جيدا، فقد أخذوا من صغار التجار وأصحاب محطات البنزين وأصحاب المولدات والمصانع الصغيرة والشركات الكبيرة بل والصيادلة والأطباء”.

واستنادا إلى الدروس التي تعلمها التنظيم أيام كان اسمه الدولة الاسلامية في العراق عندما بدأ يحصل على أموال من المقاتلين الأجانب فقد استطاع الاعتماد على الأموال الخاصة بعد أن كان يعتمد على متبرعين من الافراد في الخليج، فقد تعرضت هذه التدفقات المالية لمزيد من التدقيق من جانب وزارة الخزانة الامريكية، وبدلا من ذلك أضفى التنظيم صبغة رسمية على نظام للتمويل الداخلي يشتمل على الزكاة وعلى النهب ومزيد من التحولات ومبيعات النفط في إدارة الولاية على نحو فعال، ويشير ذلك إلى أنه سيكون من الصعب قطع الطريق على التمويل المحلي للتنظيم الذي يغذي سيطرته على الاراضي ويعزز التهديد الذي يمثله للشرق الاوسط والغرب، ومع ذلك فإن التمويل من متبرعين في منطقة الخليج ربما يثبت أنه أكثر أهمية في الشهور المقبلة إذا نجحت خطة الرئيس باراك أوباما في اضعاف التنظيم تدريجيا والقضاء عليه وإذا فقد التنظيم أراضي تحت سيطرته ووجد نفسه يتطلع للخارج بحثا عن أموال.

وفي مدينة الميادين بشرق سوريا قال أحد أنصار الدولة الاسلامية يدعى أبو حمزة المصري إن المقاتلين أقاموا نقاط تفتيش في الشهور القليلة الماضية لمطالبة السيارات والشاحنات المارة بدفع أموال، ويتردد أن هذه الأموال تدخل بيت الزكاة لكن أبو حمزة سلم بأن بعضها يدفع في صورة مكافئات أو مرتبات للمقاتلين، وقال ناشط علماني سوري في دير الزور “يطلب من الركاب فتح محافظهم، وفي بعض الأحيان يتعرضون للتهديد بالسلاح إذا قاوموا”، لكن الابتزاز ليس أهم وسائل الحصول على المال للدولة الإسلامية، ويقول محللون ونشطاء إن أغلبية دخل التنظيم يأتي من مبيعات النفط المستخرج من آبار في مناطق تحت سيطرة التنظيم للتجار المحليين، ويقول لؤي الخطيب الزميل الزائر بمركز بروكينجز الدوحة الذي أجرى أبحاثا مكثفة في عمليات تهريب النفط للدولة الاسلامية إن التنظيم يسيطر الان على خمسة حقول في العراق بكل حقل منها ما يتراوح بين 40 و70 بئرا. بحسب رويترز.

وقال الخطيب “إنهم يتعاملون مع شبكة معقدة من الوسطاء بعضهم يرتبط بشركات النفط العراقية، وعليهم دفع أموال لنقاط تفتيش مختلفة للتنقل بهذه القوافل النفطية وخاصة لتصدير النفط لتركيا”، وأضاف “يقدر الان بعد خسائر الاراضي الأخيرة أن بوسعهم انتاج حوالي 25 ألف برميل يوميا ما يحقق لهم نحو 1.2 مليون دولار يوميا، حتى إذا باعوا بخصم يتراوح بين 25 و60 دولارا للبرميل، وقدر مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى عدد الحقول التي يسيطر عليها مقاتلو التنظيم بأربعة حقول بالإضافة إلى حقل خامس يتنازعونه مع قوات البشمركة الكردية، ويبدو أن التنظيم اختار المناطق التي يدخلها بدقة وكان من أهدافه التمويل.

وفي محافظة الرقة السورية التي تعد معقل التنظيم تأكد المتشددون من قدرتهم على إدارة المنطقة بكفاءة قبل ان يعبروا الحدود إلى الاراضي العراقية، ودخل مقاتلو التنظيم الفلوجة في محافظة الأنبار العراقية في أوائل عام 2014 قبل أن يصلوا إلى الموصل في يونيو حزيران، وقال توم كيتنج محلل الشؤون المالية والأمنية لدى معهد رويال يونايتد سيرفيسز “الأمر يتعلق بالسيطرة على مراكز مالية رئيسية، والسيطرة على المراكز التجارية والسيطرة على الطرق ونقاط التفتيش ولا مفاجأة في ذلك لان ثمة قيمة كبيرة في هذه السيطرة، وكلما زاد ما تحصل عليه من تمويل زاد ما يمكنك أن تحققه من تنمية”، وأضاف “ما من فائدة في السيطرة على فدادين من الصحراء، فأنت تريد السيطرة على المراكز المالية حتى يمكنك الاستمرار في التوسع، وأنت لا تريد الانتشار في مساحة كبيرة تفوق امكانياتك المالية قبل أن يمكنك العمل بفعالية في منطقة التوسع”.

تضمنت الوثائق التي استولت عليها القوات الامريكية من القاعدة في العراق قرب مدينة سنجار العراقية عام 2007 أوراق تمويل وتقارير مصروفات أظهرت أن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق الذي انبثق منه تنظيم الدولة الاسلامية “اعتمد اعتمادا كبيرا على التبرعات الاختيارية” حسبما أوضح تقرير أعده مركز مكافحة الارهاب في وست بوينت، وقال التقرير الذي صدر بعنوان “مفجرون وحسابات مصرفية ونزيف مستمر” إن التقارير المالية والايصالات الموجودة ضمن وثائق سنجار تظهر أن الدولة الاسلامية في العراق اعتمدت على ثلاثة مصادر للتمويل هي التحويلات من قادة آخرين في تنظيم القاعدة في العراق والأموال التي كان يجلبها الانتحاريون الأجانب معهم وجمع الأموال من العراقيين.

وقالت الدراسة إن من غير الواضح من الوثائق إن كانت الاموال التي يتم جمعها من السكان المحليين تجمع اختياريا، وكان حرص التنظيم على إمساك الدفاتر والاحتفاظ بالمستندات مفارقة فقد ساعد ذلك التنظيم على جمع الاموال لكن الوثائق ساعدت واشنطن أيضا عندما وقعت في أيدي قواتها في تفهم كيفية تمويل التنظيم وإنفاق الأموال، وقال كيتنج إن من الدروس المستفادة كما تظهر وثائق سنجار ضرورة توفر تمويل من مصادر موثوقة بدرجة أكبر خاصة من الدول التي تحاول بشدة تعطيل تدفق الأموال، وأضاف “إذا كان لديك فهم متطور للادارة المالية مثل الدولة الاسلامية أو حركة الشباب في الصومال فأنت تدرك جيدا أن الاعتماد على الشتات أو التبرعات الخاصة أو الاموال التي يمكن للمجتمع الدولي أن يعطلها يمثل أسلوبا محفوفا بالمخاطر”.

وتدرك واشنطن باعترافها أن أموال المتبرعين من الخارج لا تمثل تهديدا كبيرا مثل وسائل التمويل الذاتي لكن الولايات المتحدة وحلفاءها تباطأوا في التحرك لقطع هذه المصادر، وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية إن تنظيم الدولة الاسلامية يحصل على أموال من متبرعين في الخارج لكن هذا لا يقارن بتمويلهم الذاتي من خلال الانشطة الاجرامية والارهابية”، ولا يبدو أن دخل الفدى من عمليات الخطف ينافس دخل مبيعات النفط ولا يعرف الكثير بدرجة موثوقة عن المبالغ التي حصلوا عليها، وذكرت قناة ايه.بي.سي نيوز أن الدولة الاسلامية تحتجز أمريكية تعمل في مجال المساعدات الانسانية عمرها 26 عاما كرهينة وأن التنظيم طالب بفدية قيمتها 6.6 مليون دولار للافراج عنها، وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للبرلمان إنه ليس لديه أي شك أن مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق يحصلون على عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية من فدى الرهائن.

وقالت مجلة فوكوس الالمانية في ابريل نيسان إن فرنسا دفعت 18 مليون دولار للافراج عن أربع رهائن فرنسيين كانوا محتجزين لدى الدولة الاسلامية استنادا إلى مصادر في حلف شمال الاطلسي في بروكسل، ويقول مسؤولون فرنسيون إن الدولة لا تدفع فدى للافراج عن رهائن، ثم تجيء الجريمة، فقد أغار التنظيم على البنك المركزي في الموصل وتردد أنه أخذ مبالغ ضخمة من المال، ويسمح التنظيم للعراقيين في الموصل فيما يبدو بسحب عشرة في المئة من ودائعهم لدى البنوك ودفع خمسة في المئة من المبلغ المسحوب كزكاة، وتعد الكويت من أكبر مصادر التبرعات الانسانية للاجئين السوريين من خلال الأمم المتحدة، وقد بذلت جهودا كبيرة للسيطرة على التبرعات غير الرسمية التي يقدمها الأفراد لجماعات المعارضة في سوريا.

وقال أحمد الصانع مدير إدارة الجمعيات الخيرية بوزارة الشؤون الاجتماعية الكويتية في الآونة الأخيرة إن هناك رقابة دقيقة على عمليات جمع التبرعات دون ترخيص، وقال وزير المالية أنس الصالح إن الكويت ملتزمة بالجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وأضاف أن الكويت ستطبق القانون على من ينطبق عليهم تعريف الامم المتحدة للارهابي، وتحركت واشنطن لقطع مصادر التبرعات الخاصة، ففي الشهر الماضي فرضت عقوبات على ثلاثة رجال قالت إنهم يقومون بتهريب المال من الكويت إلى جماعات اسلامية متشددة في العراق وسوريا، واعتقلت الكويت لفترة وجيزة اثنين من الدعاة البارزين، وقال كيتنج “لو كنت كبير المسؤولين الماليين في الدولة الإسلامية، لراقبت هذا التطور عن كثب، لأنني إذا كنت أحصل على المال من الدول الخليجية، فأنا أعلم بالتأكيد أن الأمر سيزداد صعوبة”.

في النهاية سينطوي خنق مصادر تمويل التنظيم على استخدام مزيج من معلومات المخابرات والقوة، وسيقضي إنهاء سيطرة الجماعة على منطقة ما باستخدام القوة العسكرية على قدرتها على جمع الضرائب محليا على سبيل المثال، كذلك فإن اقتفاء آثار طرق التهريب أو المتبرعين الخليجيين سيشمل وجود مخبرين محليين، ويقول الخطيب الذي يشغل أيضا منصب مدير معهد الطاقة العراقي إن على تركيا أن تشن حملة على مسارات تهريب النفط في جنوبها، وسيؤدي هذا إلى توقف مصدر دخل استخدمه تنظيم الدولة الاسلامية في تمويل حملة كبرى لتجنيد مقاتلين جدد، وأضاف أن على السلطات التركية أن تولي اهتماما بإغلاق هذه الاسواق وبذل المزيد من نشاط المخابرات وتطبيق سيادة القانون”.

وقال باتريك جونستون وبنجامين باني من مؤسسة راند إن من المستبعد أن تكون الاستراتيجيات التي تركز على فرض عقوبات على أنشطة مالية دولية فعالة، ويقول الكاتبان إنه يجب استهداف المسؤولين عن إدارة حسابات التنظيم ونشاطه النفطي وما لديه من سيولة مالية بقدر أكبر من عمل أجهزة الاستخبارات للمساهمة في تعطيل عمليات تمويله وتوفير معلومات إضافية عن أساليب عمله، وقال جونستون إن التنظيم يمكنه أن يحقق فائضا بين 100 مليون و200 مليون دولار هذا العام رغم التوسع السريع للدولة الاسلامية وضرورة سداد مرتبات عدد أكبر من المجندين، ويضيف “إنهم يحققون دخلا أكبر ولديهم معارضة أقل من الناحية العسكرية، السؤال هو ماذا سيفعلون به”.

استخدام النفط للتمويل

في سياق ذي صلة وفي حقل نفط في شمال شرق سوريا يصطف طابور من الشاحنات كل يوم لتحميل الخام الذي يبيعه بثمن بخس مقاتلو الدولة الإسلامية الذين استولوا على بعض أجزاء صناعة النفط في البلاد في سعيهم لإقامة دولة الخلافة، والمبيعات في حقل الشدادى كما يصفها تاجر نفط هي مجرد مثال واحد على كيف يسعى تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على أراض في سوريا التي تمزقها الحرب وفي العراق المجاور إلى إقامة اقتصاد خاص به من خلال سلسلة من الصفقات والمعاملات النفعية، إنه يبرم صفقات مع تجار ومشترين محليين وحتى رجال أعمال يساندون الرئيس السوري بشار الأسد وبعض النفط الذي يبيعونه يجد طريقه مرة أخرى إلى مشترين حكوميين من خلال سلسلة من الوسطاء.

وقال أحد مديري النفط الغربيين السابقين الذي عمل في شركة نفط أجنبية لها عمليات في سوريا قبل الأزمة وعلى دراية بسوق النفط الوليدة “الدولة الإسلامية تربح ما لا يقل عن مليوني دولار كل يوم وهو ما يتيح لها دفع الرواتب والاستمرار في عملياتها”، والولايات المتحدة التي شنت غارات جوية على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق تقول إنها مستعدة لتوسيع حملتها لتشمل سوريا التي تعصف بها حرب أهلية منذ ما يزيد على ثلاث سنوات وقالت إنها ستقوم بتدريب 5000 من مقاتلي المعارضة السورية ليتصدوا للتنظيم، غير أن مبيعات النفط تعني أن الدولة الإسلامية (وهي جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة) يمكنها أن تقلل اعتمادها على التبرعات الخارجية وأن تجتذب المزيد من المجندين في صفوف مقاتليها والأنصار بفضل ثروتها الجديدة وهو أمر قد يزيد من صعوبة القضاء عليها في سوريا.

ولقد استولت الدولة الإسلامية على حقول نفط من مقاتلين للمعارضة السورية يدعمهم الغرب ومن الحكومة في الأشهر الأخيرة ويعتقد انها تسيطر على مئات الآبار الأمر الذي يحرم حكومة الأسد من مصدر رئيسي للدخل، وتقول دمشق أن إنتاج سوريا من النفط هبط إلى 28 ألف برميل يوميا في المتوسط في عام 2013 من 164 ألف برميل يوميا في عام 2012، وكانت مبيعات النفط تدر قرابة ربع عائدات الدولة قبل الحرب، وتقول الحكومة إنها خسرت 3.8 مليار دولار من جراء سرقة النفط، وعززت الدولة الإسلامية قوتها بفضل ما استولت عليه من أسلحة في العراق المجاور وأحكمت قبضتها على منطقة دير الزور الشرقية المنتجة للنفط في الأشهر الأخيرة واقتربت من الشمال الشرقي حيث تسيطر ميليشيات كردية على أكبر حقول النفط. بحسب رويترز.

وتذهب التقديرات إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية سيطر على مئات الآبار الصغيرة في دير الزور كانت تنتج نحو 130 ألف برميل يوميا من الخام الخفيف في معظمه وذلك حسب ما قاله مهندس نفط رفيع يعمل الآن في دمشق، وكان نصف إنتاج سوريا قبل الحرب والبالغ 380 ألف برميل يوميا في عام 2011 يوجد في محافظة الحسكة التي سيطر عليها الأكراد في منتصف عام 2012 مع انتقال قوات الأسد غربا لقتال المعارضين السنة في حلب، وإذا حدث في نهاية المطاف أن سقطت الحسكة في أيدي الدولة الإسلامية فإن التنظيم سيكون له السيطرة على كل منشآت البلاد النفطية تقريبا، ومهما يكن من أمر فإن التنظيم لم يستطع بعد استغلال الحقول التي يسيطر عليها بالفعل استغلالا كاملا بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية، والحقول الرئيسية التي يسيطر عليها (الشدادي والعمر والتنك وورد) كانت تقوم بتشغيلها في الغالب شركات نفط دولية، غير أن شركات رويال داتش شل وتوتال وبترو كندا غادرت المنطقة منذ وقت طويل الأمر الذي جعل الاستغلال الكامل للحقول تحديا رهيبا.

وقال مدير نفط سابق يعمل في شركة أجنبية “الكثير من الحقول أغلقت والشركات الأجنبية انسحبت والمعدات نهبها مقاتلو المعارضة الذين أفرغوا المستودعات”، ولم يبق في المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية إلا القليل من الأفراد ذوي الخبرة الفنية، وفي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد بقي الكثير من الموظفين وما زال بعضهم يتلقى راتبه من وزارة النفط في دمشق، ونظرا لافتقار الدولة الإسلامية إلى الخبرة في استخراج النفط وتكريره فإن معظم دخلها من هذا القطاع يجيء من مبيعات مباشرة لرجال أعمال محليين ومهربين ومتربحين وتجار نفط، وهم يعيدون بيع الخام الخفيف في معظمه لمصاف في الأجزاء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في سوريا وتمكنوا من جذب مجموعة من العملاء من خلال البيع بسعر يبلغ في المتوسط 18 دولارا للبرميل.

وقال تجار سوريون على الحدود إن بعض النفط الخام يباع لمهربي وقود ينقلونه إلى تركيا لكن الكميات صغيرة بسبب تشديد القيود على الحدود، ونشأت سوق محلية بنشاط تكريري يقدر بملايين الدولارات لكنها تعمل وفق كل حالة على حدة، ويجلب مستثمرون محليون مصافي مؤقتة صينية وتركية الصنع عبر تركيا بعضها يعالج ما بين 500 و1000 برميل يوميا، ثم يباع الإنتاج إلى تجار جملة وتجزئة في مراكز لتجارة الوقود عبر عدد من البلدات في الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بشمال غرب سوريا وشرقها، وتتراوح أسعار النفط المكرر بين 50 و60 دولارا للبرميل وهو ما يزيد ثلاث مرات تقريبا عن سعر النفط الخام، ويباع لتر البنزين الناتج من هذا الخام المكرر محليا بحوالي نصف دولار أي بثلث سعر البنزين ذي النوعية الجيدة الذي يباع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وفق ما قاله تجار نفط في إدلب بغرب سوريا، وفي بلد أفرز الصراع فيه تناقضات كثيرة ورفاق درب كان التضاد سمة بينهم يسعى التجار الذين لهم صلات بجانبي الصراع لجني أرباح طائلة من خلال إعادة بيع الوقود في مناطق الحكومة.

من بين مشتري النفط الخام (سواء بشكل مباشر أم غير مباشر) رجال أعمال قريبون من دائرة الأسد المقربة، ومحركهم الأساسي هو هامش الربح الكبير حسبما قال وسيط يدير شبكة من سيارات الصهاريج التي تنقل النفط الخام إلى اللاذقية حيث ينتشر الدعم للأسد على الساحل الغربي، ولا يخلو الأمر من ترتيبات ضمنية بين الدولة الإسلامية ومسؤولي الحكومة في بعض المناطق لضمان عدم قطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء أو تدميرها، وقال سمير العيطة وهو اقتصادي سوري يقيم في الخارج “هناك معادلة لا يتكلم عنها أحد في الحرب السورية، هي لم تتحول حتى الآن لحرب شاملة، والأطراف التي تتقاتل مع بعضها البعض مازالت تتبادل الخدمات والمساومات”، ويقول تجار نفط إن الدولة الإسلامية بعد أن سيطرت على آبار نفطية مازالت تحمي بعض الأنابيب التي تنقل النفط الخام الذي يضخه الأكراد في حقولهم بشمال شرق سوريا إلى مصفاة تديرها الحكومة في حمص نظير مبالغ مالية.

وقال مدير تنفيذي كردي يعمل في القامشلي طلب عدم نشر اسمه “يتقاضون رسوما ومصاريف نقل حتى يمر النفط دون تفجير” خط الأنابيب، وذكر رجل أعمال مقيم في دمشق على دراية بمجريات الأمور في سوق النفط المحلية أن تجارا ممن يشترون النفط الخام من الدولة الإسلامية ووسطاء معروفين يعملون نيابة عن رجال أعمال بارزين موالين للحكومة اشتروا كميات كبيرة من النفط في الشهور الأخيرة، وتابع قائلا “هي تجارة رائجة لرجال أعمال هم أساسا من المتربحين من الحرب الذين يمكنهم أيضا أن يجدوا مشترين في أي وقت وبسعر مناسب”.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق