التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

السعودية وصداقة نافخ الكير! 

علاء الرضائي –

كلما واجهت المملكة السعودیة تحدیاً وواقعاً عجزت عن معالجته، تتضح حقیقة قدراتها وخیوط ارتباطاتها وحجم المشاكل التي تواجهها.. ولعل مثل هذا المسار الانكشافي بدأ مع السعودیة ومعظم البلدان الخلیجیة اثر غزو صدام حسین للكویت في آب / أغسطس 1990 وما تلاه من كوارث عربیة علی صعید الأمن والسیاسة والاقتصاد.

في الآونة الاخیرة أصبحت السعودیة أكثر وضوحاً من ذي قبل، رغم اصرار بعض ابواقها الاعلامیة علی تصویرها ببلاد التوحید والعروبة والاسلام، وكأن باقي البلدان كافرة ولایوجد عرب غیر العشرین ملیون سعودي وأن الاسلام لم یكن للعالمین بل لاتباع آل سعود والوهابية وحدهم..!

هذا الوضوح جعلها تكشف عن عمق علاقتها مع الاجندات الغربیة في المنطقة وحقدها علی كل حركات التحرر علی اختلاف انتماءاتها، اسلامیة او عروبیة او یساریة او لیبرالیة… وعن اصطفافها بجانب الكیان الصهیوني في رؤیته للصراع ازاء حركات التحرر الفلسطینیة والمقاومة اللبنانیة والدولة السوریة والثورة الاسلامیة الایرانیة… ناهیك عن دورها في الالتفاف علی ما سمي بالربیع العربي وضرب الثورات الجماهیریة في مصر وتونس والبحرین والیمن.. وفي جلب قوات الناتو الی لیبیا والعراق من قبل والی سوریا الیوم، وهي تطالب علی لسان حلیفها البحریني بتدخل أمیركا في الیمن!!

 

وهذا الارتماء المكشوف في الحضن الغربي، له ما یبرره بالنسبة لها، فقد كانت المملكة السعودیة تعتمد علی جیش من الارهابیین والسلفیین المنتشرین في مواقع الصراع التي أختارها الغرب لتتدخل فیها السعودیة بالوكالة…

ارهابیون في افغانستان وباكستان، وفي روسیا والصین، وفي العراق وسوریا ولبنان.. وفي مصر ولیبیا وتونس و… الخ، وجمیع هؤلاء یستمد مرجعیته من علماء وفتاوی واعلام السعودیة، ویدعم بأموالها وسلاحها ومفقساتها الارهابیة.. فهي مصدر الارهابیین الأول في العالم.

 

لكنها ورغم كل الذي صرفته من أموال وجهد تجد الفشل یحاصرها من كل جانب، مصداقاً لقوله تعالى:(… كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً…)، فهذه سوریا صامدة رغم كل المؤامرات، والعراق لایزال بید من لا ترتضیهم الریاض، رغم ذهاب المالكي! ولبنان مازال قویاً بمقاومته وجیشه وقواه الوطنیة.. ومجلس التعاون علی شفیر هاویة التفتت ویظهر أن مصر لقمة كبیرة علی الفم السعودي ولا یمكن احتواءها بهذه السهولة، والیمن الذي كان هاجس الحكم السعودي علی الدوام أصبح مصدر قلق له بعد انتصارات شعبه علی القوی الحلیفة للسعودیة…

وغزة التي كشفت خیوط الارتباط السعودي مع المحتلین الصهاینة والذي يعود الى ما قبل اعلان تأسيس الكيان الغاصب، بصمودها الاسطوري في حرب الـ(51) يوماً الأخيرة.. شكلت ضربة لمشروع السعودية وحليفاتها العربيات بإنهاء المقاومة وحلّ الصراع مع الصهاینة وفق إملاءاتهم التي لم تعترف حتی بالمبادرة السعودیة التي سمیت ظلماً بالمبادرة العربیة.

 

الأهم ان التاریخ السعودي یعید نفسه للمرّة الثالثة!

فالعقارب الارهابیة السامة التي ربتها السعودیة واحتضنتها تحت مسمی “الجهادیین” واستخدمتهم في العراق وسوریا ولبنان و…الخ لتبرير التواجد العسكري الأميركي والغربي.. اصبحوا العديد منهم اليوم یشعرون بأنهم مجرد أدوات في لعبة المملكة مع خصومها، فراحوا یهددونها في العمق، لارتباطاتهم الفكرية والأمنية والاجتماعية مع نظامها ومجتمعها.. بالضبط كما حصل مع “الاخوان” بقيادة فيصل الدويش وسلطان بن جاد في ثلاثينيات القرن الماضي، ومع “القاعدة” بزعامة اسامة بن لادن وما عرف بالعرب الافغان في التسعينيات.. واليوم ستعيد المملكة الكرة مع “داعش” و”النصرة” بزعامة ابو بكر البغدادي وابو محمد الجولاني!

 

ومهما حاولت السعودية اتباع مبدأ “طيبون في الخارج وأشرار في الداخل!” مع الجماعات الارهابية او ابقاء بعض القنوات مفتوحة معهم كما يجري في اليمن مع القاعدة وفي لبنان، فإن الجلوس مع نافخ الكير(الحداد) لن تكون نهايته سوى: حرق الثياب او الريح الخبيثة!

ان مشاركة السعودية في الهجوم الغربي الجديد ضد المنطقة وتأمينها مع شقيقاتها الخليجيات نفقات الحرب التي تصل الى أكثر من 20 مليار دولار في العام، الى جانب انفاقها العسكري على جيشها والجيوش الحليفة لها والمرتزقة الذين تستخدمهم ضد اعداءها والذي جعلها الثانية عالميا من حيث نسبته الى الناتج المحلي الاجمالي!.. جعلها كواحدة من اكبر اقتصاديات النفط في العالم تواجه احتمالات عجز في الميزانية، مما سيقلل خلق فرص عمل مع بطالة تزيد على 11% حسب الاحصائيات الرسمية، في حين ان 35.7% فقط من مواطنيها الذين بلغت نفوسهم 20 مليوناً (30 مليون مع المقيمين الاجانب حسب تقديرات 2014 المبنية على احصائيات 2013) يجدون فرص للعمل في مجتمع اكثر من 60% منه تحت سن 21 سنة.

هذا الوضع الداخلي المتردي والتوزيع غير العادل للثروة والاستقطاب الطبقي، يفاقمه تدخلها يفاقمه التدخل في البحرين والترابط القائم بين نسيج مناطقها الشرقية (النفطية) مع المجتمع البحريني.. لأن التغيير في البحرين قادم لا محالة، فلا يمكن ان يصمد نظام آل خليفة بوجه أغلبية الشعب الى الأبد مهما تمرس في قمعه وشاركه في ذلك آخرون.. وبالتالي ستكون اصداء اي تغيير في الداخل السعودي قبل غيرها.. وهذا الحراك الجماهيري لايقتصر على طائفة دون أخرى، فالمظاهرات التي شهدتها بريدة وحتى الرياض اكثر من تظاهرات العوامية، واذا كان سجناء الشرقية وجازان بالعشرات، فهناك الآلاف من أبناء حائل والرياض والقصيم!

وفي ضوء ما تقدم، تواجه السعودية تحديات كبيرة لن تتمكن من مواجهتها بالدعاية الدينية التي سقطت عنها كأوراق التوت، ولا بالمال الذي انفقت منه الكثير دون جدى.. تحديات على صعيد علاقاتها الاقليمية والازمة مع القوى النافذة في محيطها من دول وتنظيمات، وضعف حلفاءها الكبار مثل باكستان التي تعاني من أزمة داخلية وتحديات أمنية كبيرة، ومصر التي لاتزال مشغولة بسجال الثورة والثورة المضادة والارهاب والاقتصاد.. تحديات قد يفاقم منها دخول النفط الصخري الاميركي سوق الطاقة والذي سيهبط بسعر برميل النفط وأهمية السعودية كأحد كبار المنتجين.. لكن فشل الهجوم الغربي الجديد ضد المنطقة وبالتحديد سوريا والعراق، سيكون القشة التي تقصم ظهر البعير السعودي!

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق