تمويل داعش… من بيع النفط الى سرقة القمح
غير تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش) الكثير من الطرق التقليدية التي كان يعتمد عليها تنظيم القاعدة (التنظيم الام الذي خرج داعش من عباءته) في طريقة ادارته لأعمال التطرف العالمي والهجمات التي يشنها وتجنيد المقاتلين، اضافة الى طرق حصوله على التمويل المالي اللازم لدعم معداته العسكرية واعداد المقاتلين الكبيرة، والتي باتت فعليا تسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق، من دون ان يتمكن الغرب وانظمته الاستخبارية من تفكيك الشبكات المالية وشبكات التجنيد، التي غالبا ما توصف بالمعقدة، واعتمد في سبيل ذلك على استغلال الموارد المتاحة في المناطق التي يسيطر عليها، سيما النفطية منها.
واكدت تقارير رسمية انه يصدر عشرات الالاف من البراميل النفطية في اليوم (وهو يفوق ما يصدره النظام السوري بحسب خبراء)، عن طريق شبكات واسعة من المافيات وتجار التهريب الى تركيا (وقد اثيرت مؤخرا شبهة تعاون ضباط في البشمركة التابعة لإقليم كردستان مع داعش في مسالة التجارة بالنفط المهرب من كركوك في العراق)، وحسب مكتب “آي إتش إس” الاستشاري الأمريكي فإن الإنتاج النفطي لتنظيم “الدولة الإسلامية” يقدر بحوالي 800 مليون دولار سنويا أي قرابة مليوني دولار في اليوم، ونشر المكتب بيانا تضمن أن “المجموعة الإرهابية قادرة على تحقيق عائدات كبيرة حتى لو أنتجت حيزا صغيرا من الإمكانيات النفطية في المنطقة الخاضعة لها، والبيع بأسعار متدنية في السوق السوداء”، وحسب المكتب فإن منطقة يبلغ إنتاجها 350 ألف برميل يوميا تقع تحت سيطرة التنظيم إلا أنه لا ينتج أكثر من 50 إلى 60 ألفا، ولاحقا يبيع إنتاجه في السوق السوداء بسعر يتراوح بين 25 و60 دولارا (بمعدل 40 دولارا)، أي أقل بكثير من الأسعار المعتمدة في الأسواق الدولية، حيث يبلغ سعر برميل البرنت حاليا نحو 85 دولارا، وأوضح البيان أن مبيعات النفط هذه تتم “بشكل أساسي بواسطة صهاريج تسلك طرق التهريب عبر الحدود التركية”، وتابع أن “النفط يغذي آلة الحرب” للتنظيم “لا سيما آلياته العسكرية المهمة لتحركاته وقدراته القتالية” كما أنه “يمول مباشرة أنشطته الكثيرة”، في المقابل، لا يحدد البيان بدقة قدرات التكرير لدى تنظيم “الدولة الإسلامية” معتبرا أنها محصورة في وحدات متحركة تؤمن حاجة التنظيم نفسه. بحسب رويترز.
اضافة الى ذلك، اعتمد على سياسية احتلال الارض والسيطرة عليها، بدلا من تنفيذ هجمات انتحارية والانسحاب الى مناطق بعيدة او معزولة، وتبع ذلك استغلال الممتلكات وسرقة المصارف والمحاصيل الزراعية، وفرض الضرائب على السلع، وغير المسلمين، من دون نسيان الطرق التقليدية الاخرى التي تتبعها اكثر التنظيمات المتطرفة كالخطف والفدية والاتاوات والدعم المقدم من الجماعات الاسلامية المتطرفة من المتعاطفين مع التنظيمات الجهادية التكفيرية.
ايرادات داعش النفطية
في سياق متصل ذكرت شركة آي.إتش.سي ان مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين كانوا ينتجون ما قيمته حوالي مليوني دولار من النفط الخام يوميا في العراق وسوريا قبل الضربات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة عليها في الآونة الأخيرة وهو ما قد يزيد على ضعفي الكميات التي وردت في شهادة أمام الكونجرس الأمريكي، وقالت آي.إتش.سي التي تقدم معلومات بشأن الأسواق والاقتصاد العالمي إن التنظيم سيطر على منشآت تنتج ما يصل إلى 350 الف برميل يوميا من النفط الخام لكنه لم يستطع انتاج سوى حوالي 50 ألفا إلى 60 ألف برميل يوميا، وأضافت أن الانخفاض الشديد للطاقة الانتاجية عما كانت عليه قبل الحرب “هو نتيجة الحرب وإغلاق منشآت ومحدودية قدرات (الدولة الإسلامية) في إدارة الحقول”.
جاء ذلك في بحث أجرته الشركة تحت عنوان “غنائم الحرب: من المسؤول عن الموارد النفطية في مناطق الصراع في شمال العراق وسوريا”، وأصابت الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في سبتمبر أيلول مصافي نفط في شرق سوريا حيث تستهدف واشنطن وشركاؤها قطع مورد مهم للإيرادات للجماعة المتشددة، وقال الجيش الأمريكي إن ضربات مشابهة أصابت معملا متنقلا لتكرير الخام قرب دير الزور جنوبي مدينة كوباني في سوريا، وقالت آي.إتش.إس إن من شبه المؤكد تعطل جزء من قدرة المتشددين على انتاج النفط بسبب الضربات الجوية لكن من السابق لأوانه تحديد حجم الضرر. بحسب رويترز.
كان نيكولاس راسموسن نائب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب قد قال في شهادة أمام الكونجرس إن موارد تمويل الحرب التي تعتمد عليها الدولة الإسلامية ربما تشمل حوالي مليون دولار يوميا من إيرادات مبيعات النفط بالسوق السوداء إلى جانب التهريب والسطو المسلح ودفع فدى مقابل رهائن، وقالت آي.إتش.إس إن أغلب النفط الذي تبيعه الجماعة في السوق السوداء ينقل بالشاحنات عبر طرق تهريب عبر الحدود التركية، ويباع الخام بخصم كبير إذ يتراوح السعر بين 25 و60 دولارا للبرميل مقارنة مع حوالي 85 دولارا للبرميل لسعر الخام القياس العالمي برنت، وأضافت أنه لم يتضح بعد الضربات الجوية ما إذا كانت الدولة الإسلامية لديها طاقة تكرير كافية لتلبية احتياجاتها، وتتكون طاقة التكرير تلك في الغالب من محطات بسيطة يمكن نقلها بالشاحنات.
مزارع القمح
الى ذلك وجد صلاح بولس نفسه امام اختيار بين دينه ومحصوله، وبولس مزارع قمح من خارج الموصل فر مع عائلته امام تقدم تنظيم الدولة الاسلامية المتشدد اوائل أغسطس اب الماضي، واجتاح التنظيم مزرعة العائلة في اطار هجومه الذي استولى خلاله على مساحات واسعة من الأراضي في شمال العراق، وتلقى بولس المسيحي اتصالا هاتفيا من رجل قال انه مقاتل من تنظيم الدولة الاسلامية، وسأله الرجل “نحن في مخزنك، لماذا لست هنا تعتني بعملك؟” واضاف “عد وسنضمن لك سلامتك لكن يجب ان تسلم وتدفع 500 دولار”، وحين رفض بولس أوضح الرجل العقوبة قائلا “سنأخذ قمحك، فقط لتعرف اننا لم نسرقه لأننا اعطيناك الخيار”.
ويسرد مزارعون فارون آخرون قصصا مشابهة ويشيرون الى عنصر قليلا ما يذكر من التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الاسلامية للعراق والمنطقة، فقد أصبح التنظيم يسيطر الآن على جزء كبير من امدادات القمح في العراق، وتقدر الأمم المتحدة أن الارض الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية توفر ما يصل إلى 40 في المئة من الانتاج السنوي للعراق من القمح وهو من أهم المواد الغذائية في البلاد إلى جانب الشعير والارز، ويبدو أن مقاتلي التنظيم يعتزمون ليس مجرد الاستيلاء على أراض وإنما أيضا إدارة الموارد وإدارة حكم الخلافة التي أعلنوها من جانب واحد، والقمح واحد من الأدوات تحت تصرفهم، وبدأت الجماعة استخدام الحبوب لملء جيوبها ولحرمان خصومها وخاصة أعضاء الاقليتين المسيحية واليزيدية من امدادات غذائية حيوية ولاستمالة السنة في حين تشدد قبضتها على الاراضي التي استولت عليها، ومثلما فعل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا فقد أبقى في منطقة شمال العراق التي تمثل سلة الخبز للبلاد على موظفي الدولة وعمال صوامع القمح في أماكنهم لمساعدة التنظيم في إدارة امبراطوريته.
ويمثل هذا النوع من التكتيكات احد الاسباب التي تجعل تنظيم الدولة الاسلامية تهديدا أكثر تعقيدا من شبكة القاعدة التي خرج من عباءتها، فقد ركزت القاعدة على هجمات الكر والفر والتفجيرات الانتحارية لكن الدولة الاسلامية تعتبر نفسها جيشا وحكومة، وقال علي بيند ديان وهو رئيس نقابة للمزارعين في بلدة مخمور قرب ارض تسيطر عليها الدولة الاسلامية بين اربيل والموصل “القمح سلعة استراتيجية، وهم يستغلونه قدر ما يمكنهم”، وأضاف “من المؤكد أنهم يريدون الاستعراض والتصرف كأنهم حكومة”، ويحتل المقاتلون السنة وحلفاؤهم الآن أكثر من ثلث العراق ومساحة مماثلة في سوريا المجاورة، ولا تقتصر مصادر دخل الجماعة على القمح فقط وانما تشمل ايضا “الضرائب” الي تفرضها على أصحاب الاعمال والنهب والفدى للأفراج عن غربيين مخطوفين وبصورة خاصة بيع النفط إلى تجار محليين.
ويقول لؤي الخطيب وهو زميل زائر في مركز بروكينجز الدوحة في قطر إن النفط يدر ملايين الدولارات كل شهر، ويساعد ذلك في تمويل العمليات العسكرية للدولة الاسلامية كما أنه سبب استهداف الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لحقول النفط التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا، ويقول تشارلز ليستر وهو زميل زائر آخر في مركز بروكينجز الدوحة إن “الدولة الاسلامية تقدم نفسها كما لو أنها دولة تماما، وكي يمكنها الحفاظ على تلك الصورة وهذا التمثيل الحيوي لاستمرار التجنيد والشرعية فانها تعتمد على مصدر مستدام للدخل”، وفي أوائل أغسطس آب تابع المزارع الكردي سعيد مصطفى حسين عبر نظارات مكبرة مقاتلي الدولة الاسلامية وهم يحملون القمح بالجواريف الى أربع شاحنات انطلقت لاحقا في اتجاه قرى عربية، وقال حسين انه لا يعرف ما حدث لقمحه لكنه يعرف أن التنظيم يدير أربعة مطاحن في المناطق التي يسيطر عليها ويرجح أن قمحه طحن وبيع. بحسب رويترز.
وكان له 54 طنا من القمح في مزرعته في قرية بونجينة شمال شرقي اربيل وهو قمح لم يمكنه بيعه الى صومعة حكومية او تجار بسبب القتال في المنطقة، وقال حسين “ما زاد الطين بلة انني كنت عاجزا عن منع ذلك، لم يمكنني عمل أي شيء، اخذوا مولدين كهربيين من القرية كنا تسلمناهم حديثا من الحكومة الكردية بعد عملية طويلة جدا”، ويمنع الفزع السكان من العودة حتى رغم أن المقاتلين الأكراد لهم السيطرة الآن، وقال الجار عبد الله نميق محمود “نعتقد ان الدولة الاسلامية زرعت الغاما لتمنعنا من العودة”، وتوجد عشرات من القصص المشابهة في مخيمات النازحين في أنحاء كردستان.
وقال المزارع يونس سعيد الله وهو في الثانية والستين من العمر “هربنا بالاموال والذهب لكن تركنا القمح والاثاث وكل شيء آخر”، واضاف وهو يجلس في خيمة في مخيم تديره الأمم المتحدة على مشارف اربيل “راح كل شيء بنيناه على مدى 20 عاما، عدنا الى الصفر”، وبعدما تسبب غزو صدام حسين للكويت عام 1990 في عقوبات غربية على بلاده انشأ ديكتاتور العراق حينئذ نظاما شاملا لتوزيع الغذاء المدعوم في البلاد، ووسع هذا النظام في ظل برنامج الأمم المتحدة “النفط مقابل الغذاء”، ويقدر جوي جوردون استاذ الفلسفة السياسية في جامعة فيرفيلد في كونتيكت ومؤلف كتاب “الحرب الخفية، الولايات المتحدة وعقوبات العراق” عام 2012 أن ثلثي العراقيين “كانوا يعتمدون بصورة أساسية أو كاملة على دعم الغذاء بين عامي 1990 و2003.
وصمد النظام في مواجهة الغزو الامريكي وسنوات العنف، وفي السنوات القليلة الماضية ابتلي البرنامج الذي تديره الآن بالكامل الحكومة العراقية “بعدم انتظام توزيعات” الغذاء ما خفض الاعتماد عليه حسب تقرير اصدرته في يونيو حزيران منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وقدر اقتصادي سابق في وزارة الزراعة الأمريكية أن حوالي ربع العراقيين الذين يعيشون في مناطق ريفية كانوا يعتمدون على الغذاء المدعوم قبل أحدث اندلاع للعنف في حين يستخدمه ربع آخر كإضافة تكميلية للغذاء الذي يشترونه، وتظهر الدولة الاسلامية أن السيطرة على القمح تجلب السلطة، وحين اجتاح المقاتلون شمال العراق في يونيو حزيران سيطروا على صوامع ومخزونات حبوب، وتزامن الهجوم مع حصاد القمح والشعير وتسليم المحاصيل للصوامع الحكومية وتجار القطاع الخاص.
وتسيطر الدولة الاسلامية الآن على كل الصوامع التسع في محافظة نينوى التي تمتد على ضفتي نهر دجلة الى جانب سبع صوامع أخرى في محافظات أخرى، وخلال الشهور الثلاثة التي انقضت منذ اجتياح الموصل عاصمة نينوى طرد مقاتلو الدولة الاسلامية مئات الالاف من ابناء الاقليات العرقية والدينية واستولوا على مئات الالاف من الاطنان من القمح من الحقول المهجورة، وكان احد الاهداف صومعة القمح في بلدة مخمور، وتبلغ سعة الصومعة 250 الف طن أي حوالي ثمانية في المئة من الانتاج السنوي المحلي للعراق في 2013، وهاجم تنظيم الدولة الاسلامية مخمور يوم السابع من اغسطس آب، لكن حتى خلال الاسابيع السابقة على ذلك وجدت الجماعة طريقا الى الصومعة ونظام المشتريات الخاص بالدولة العراقية.
ويعتقد عبد الرضا عبد القادر أحمد رئيس الصومعة أن التنظيم اجبر المزارعين المحليين على خلط قمح منتج في مناطق أخرى تسيطر عليها الدولة الاسلامية مع محصولهم، وباعه المزارعون حينئذ الى مخمور كما لو كان كله زرع في المنطقة، وفي الاسابيع السابقة على الهجوم اشترت الصومعة حوالي 14 الف طن اكثر مما اشترته في 2013، وتبلغ قيمة القمع الاضافي 9.5 مليون دولار تقريبا بالسعر المرتفع بصورة مصطنعة الذي تدفعه بغداد للمزارعين، ويعتقد أحمد أن الدولة الاسلامية تتطلع لجني أموال من القمح وضمان أن يكون الخبز متاحا للسنة في المناطق التي تسيطر عليها، وقال أحمد ان عمله ليس التحقق من مصدر القمح وانما مجرد شرائه، واضاف “نحن نأخذ القمح فقط من المزارعين ولا نسألهم، (من أين حصلتم على هذا؟)”، وقال هونر بابا وهو مدير عام محلي للزراعة إنه يعتقد هو الآخر أن التجار والمزارعين باعوا قمحا من خارج المنطقة.
لكن بابا يقول إن بغداد تسدد عادة مستحقات مزارعي القمح بعد حوالي شهرين من تسليم انتاجهم ولذلك فلم يكن مزارعو القمح حول مخمور (وبالتالي تنظيم الدولة الاسلامية) قد حصلوا على مدفوعات بعد حين دخل مقاتلو التنظيم الى البلدة يوم السابع من يونيو حزيران، وتصدى لمقاتلي التنظيم حينئذ مقاتلو البشمركة الكردية العراقية ومقاتلون من حزب العمال الكردستاني التركي، وقال بابا انه بعد استيلاء تنظيم الدولة الاسلامية على الصومعة نشر قناصة هناك، ويتكهن بأن المقاتلين اعتقدوا أن الطائرات الحربية الأمريكية لن تقصف المنشأة الواقعة في وسط البلدة، وأضاف “يريدون استمالة الناس إلى جانبهم، وخاصة العرب، ربما يكون هذا سبب أنهم لم يفعلوا شيئا للقمح، كي لا يغضبوا الناس”، وسيطرت الدولة الاسلامية على مخمور لثلاثة أيام قبل ان يطردها المقاتلون الاكراد والضربات الجوية الامريكية على مواقع التنظيم وليس على الصومعة، وأصابت الضربات الجوية الامريكية صوامع حبوب في بلدة منبج السورية الشمالية يوم 28 سبتمبر ايلول، وقالت جماعة تراقب الحرب إن الطائرات ربما أصابت المطاحن وصوامع الحبوب خطأ بدلا من قاعدة للدولة الاسلامية، ولم يصدر تعليق فوري من واشنطن.
وفي نواح كثيرة تستنسخ الدولة الاسلامية في العراق الاستراتيجيات التي طورتها في سوريا، وعلى سبيل المثال يقول مقاتلو التنظيم انهم في السنة التي سيطروا فيها على مدينة الرقة في شمال شرق سوريا سمحوا للموظفين السابقين من نظام الاسد بالاستمرار في إدارة المطاحن، وأنشأت الجماعة “ديوانا” للقمح مسؤولا عن سلسلة الامداد من حصاد المحصول إلى توزيع الطحين (الدقيق)، ويمكن أن يرى في العراق نفس المسعى لابقاء الامور تمضي بسلاسة، وتجنب مقاتلو التنظيم دائما تدمير المنشآت الحكومية التي استولوا عليها، وحين سيطرت الدولة الاسلامية على أكبر سد في العراق أبقت الموظفين في مواقعهم بل وجلبت مهندسين من الموصل لاجراء اصلاحات، وحاولت بغداد أيضا تقليل الاضطراب إلى أدنى درجة.
وقال حسن ابراهيم رئيس مجلس الحبوب العراقي التابع لوزارة التجارة والمسؤول عن شراء العراق للقمح من السوق الدولية والمزارعين المحليين إن موظفي الحكومة في المناطق التي تسيطر عليها الدولة الاسلامية يظلون على اتصال منتظم مع المكتب الرئيسي، بل واضاف ان بعض العاملين في مناطق الدولة الاسلامية يأتون الى بغداد كل اسبوعين تقريبا، واختفى مؤخرا مقاتلو الدولة الاسلامية من بعض المناطق في الموصل وكركوك بسبب الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، وقال ابراهيم إن “الوضع مستقر” مع سماح مقاتلي التنظيم المتشدد لموظفي الدولة بالاستمرار في ادارة الصوامع، واضاف انه اصدر توجيهات للعاملين معه بأن يحاولوا التزام الهدوء والتعامل بسلاسة مع أولئك الناس لأن طابعهم عنيف جدا، وقال إنه لا يجب مواجهة عنفهم بعنف لأنهم يمكن ان يقتلوا من يتصدى لهم، واضاف ان هدف الحكومة هو الحفاظ على القمح.
وبعد هجوم الدولة الاسلامية في يونيو حزيران تلقى ابراهيم اوامر بتجميد مرتبات العاملين في مناطق الدولة الاسلامية، وقال ان هذا الامر ازعجه اذ لا يمكنه ان يوقف المطاحن، واضاف انه يحتاج لبقاء الناس هناك كحراس لمحاولة اقناع الدولة الاسلامية بأن القمح مهم للجميع، ويقول ابراهيم إنه أقنع رؤساءه بالاستمرار في دفع المرتبات، وأكد متحدث باسم وزارة التجارة أن كل موظفي الحكومة في الموصل حصلوا على مرتباتهم “عبر البنوك الحكومية في كركوك فهي أكثر أمانا وتحت رقابة الحكومة”، ويشعر ابراهيم الان بالقلق على المزارعين الذين لم يحصلوا على مدفوعات عن القمح الذي سلموه في الاسابيع السابقة على استيلاء الدولة الاسلامية على الحبوب، وقال إن مجلس الحبوب ووزارة التجارة يحاولان سداد مدفوعات المزارعين سواء كانوا يعيشون في مناطق تسيطر عليها الدولة الاسلامية أو نزحوا حديثا منها، واضاف “نريد مساعدة المزارعين وليس الدولة الاسلامية”.
وفي بعض المناطق يبدو أن سيطرة الدولة الاسلامية على القمح تلقى دعما من السنة، ويقول احسان المهيري رئيس نقابة المزارعين العرب في الحويجة والتي تتبع الحكومة إن تنظيم الدولة الاسلامية كسب شعبية منذ بسط مقاتلوه سيطرتهم، واضاف أن موقف بغداد الرافض تجاه العرب السنة في البلاد دفع الناس باتجاه الدولة الاسلامية، لكن قدرة التنظيم على توفير الغذاء ساعدت أيضا، وأضاف “إنهم يوزعون الطحين على العرب في المنطقة، يحصلون على القمع من صومعة الحويجة، فهم يديرون المطحنة ويوزعونه على الناس بطريقة منظمة جدا”، وحتى من فروا من الدولة الاسلامية يعتبرون القمح احد اسباب قوة الجماعة، وقالت جومانا زيوار (54 عاما) وهي مزارعة تعيش الآن في مخيم بحركة خارج اربيل “ثمن الكيلوجرام من القمح الآن بين اربعة الاف وخمسة آلاف دينار (3.45 دولار-4.30 دولار)، المعتاد ان يكون بين عشرة آلاف و11 الف دينار، وتبيع الدولة الاسلامية والعرب السنة القمح الذي يسرقونه “بسعر رخيص جدا، إنه رخيص لأنهم يسرقونه”.
واتصلت زيوار بصديقة في الموصل لتتأكد من أحدث الاسعار، وقالت الصديقة ان “سعر الغذاء والخبز رخيص جدا”، وسيطرت الدولة الاسلامية وتفرض الاسعار كما هو الحال في سوريا، “انهم الحكومة هنا الآن، انهم يذهبون للمخابز ويقولون (بيعوا بهذا السعر)”، والقلق الكبير الآن هو محصول الموسم القادم، وقال مسؤول بوزارة الزراعة العراقية إنه في محافظة نينوى حيث عاصمة الخلافة التي اعلنتها الجماعة من طرف واحد يوجد 750 الف هكتار (1.8 مليون فدان تقريبا) يجب بذرها بالقمح قريبا، وقال المسؤول ان المحافظة يكون بها عادة 100 الف مزارع لكن الالاف فروا، ويحصل المزارعون العراقيون في العادة على بذور الموسم الجديد من حصادهم الحالي اذ يحتفظون ببعض القمح لهذا الغرض، وتسيطر الدولة الاسلامية على ما يكفي من القمح وبالتالي لا ينبغي أن يكون ايجاد البذور مشكلة.
وتسيطر ايضا على مكاتب وزارة الزراعة في الموصل وتكريت والتي ينبغي أن تكون بها امدادات من المخصبات الزراعية، لكن المشكلة ستكون في العثور على من لديهم الدراية باستخدام البذور والمخصبات، ويقول محمد دياب مدير المكتب الاقليمي للشرق الاوسط وشمال افريقيا ووسط اسيا وشرق اوروبا في برنامج الاغذية العالمي إن من “المستبعد بدرجة كبيرة” ان يعود المزارعون النازحون، واضاف أن “الصورة قاتمة فيما يتعلق بالانتاج الزراعي العام القادم”، وتابع “المنطقة التي حدث بها النزوح هي مخزن الحبوب الرئيسي للبلاد”، وهذا صحيح بالأخص بالنسبة للمزارعين العرب غير السنة، ويخشى من ظلوا في أرضهم خارج مناطق سيطرة الدولة الاسلامية ان يستولي المتشددون قريبا على قراهم وعلى محاصيلهم التي حصدوها ولم تبع بعد، ويقولون إنه حتى إذا لم يحدث ذلك فلن يزرعوا بعد أول أمطار التي تأتي عادة في نهاية سبتمبر ايلول أو أوائل اكتوبر تشرين الاول.
ويقول المزارعون في بلدة شيخان الواقعة وسط حقول قمح انهم ليس لديهم امل في الحصول على البذور والمخصبات والوقود اللازم للزراعة لأن الحكومة الاقليمية في الموصل تحت سيطرة الدولة الاسلامية، وقال اثيل النجيفي محافظ نينوى الذي يعتقد أن الانتاج سيتراجع الموسم القادم إن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية توصيل البذور للموجودين داخل الموصل والمناطق المحيطة، ويعبر بشار جامو وهو رئيس تعاونية محلية للمزارعين عن قلقه أيضا، وقال “أهم شيء لنا هو الزراعة وليس الأمن، قد تكون للدولة الاسلامية دولة وربما جيش، لكن ما نحتاجه جميعا هو ان نكون قادرين على الزراعة”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق