داعش في سوريا… حروب متداخلة بالوكالة
في سوريا يختلف الوضع كثيرا عما يحدث في العراق، بحسب مراقبين، على الرغم من وجود تهديد إرهابي واحد يهدد كلا البلدين (ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) واجبر الولايات المتحدة الامريكية على تشكيل تحالف دولي واسع الطيف، ضم عشرات الدول الغربية والعربية، التي باشر بعضها بتنفيذ ضربات جوية استهدفت معاقل التنظيم والمسلحين الذين ينتمون اليه.
ففي سوريا، تحول الخلاف السياسي وتباين الاجندات والمصالح الى تعقيد الازمة السورية بدلا من حلها بنفس السبل السياسية والدبلوماسية التي كبحت أي حل مفترض منذ بدء المفاوضات الأممية (في جنيف الأول والثاني)، وصولا الى الضربات الجوية التي سعت الولايات المتحدة الامريكية الى اتباعها كخيار ضاغط لحلحلة الأوضاع السورية، ربما عن طريق تغيير الخارطة العسكرية على الأرض السورية بعد إزاحة التنظيمات المتطرفة واحلال من تصفهم بالمعارضة، والتي تعاني اليوم اضعف وضع ميداني ومعنوي منذ انطلاق الازمة السورية عام 2011.
الا ان الولايات المتحدة، لا ترغب في استعجال الأمور كثيرا في سوريا، من وجهة نظر العديد من المحللين، خصوصا وأنها تريد تحقيق نتائج ملموسة في العراق بمعركتها ضد داعش، على ان يتم الربط لاحقا بين انتصارات التحالف في العراق بانتصارات أخرى يحققها في سوريا، قد تغير بعض المعادلات السياسية القائمة حاليا، الا ان أوجه أخرى من الصعوبات والاسئلة التي قد يحتاج التحالف والولايات المتحدة الامريكية الإجابة عليها، من باب التمهيد لحملة تغيير الأوضاع في سوريا، والتي ما زالت خجولة حتى الان:
1. كيف ستتعامل الولايات المتحدة الامريكية والمتحالفين معها، مع المسلحين الذين ينتمون الى فصائل وأيدولوجيات وجهات داعمة مختلفة، إضافة الى المتشددين الإسلاميين (من الفصائل المسلحة الأخرى)، الرافضين لوجود الولايات المتحدة، إضافة الى اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بضعف من تسميهم (المعارضة المعتدلة) وسط خليط الفصائل المسلحة المنتشرة في طول وعرض سوريا؟.
2. الاختلاف الواسع بين رغبات الدول (ومنها المتحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية) التي دخلت في صلب القضية السورية (إيران، تركيا، السعودية، قطر، روسيا…الخ)، والتي دعم بعضها التنظيمات الإرهابية (على حسب تصريح بايدن نائب الرئيس الأمريكي) ومنها تنظيم داعش الذي تقاتله الان.
3. ما هو الحل الأفضل لسوريا ما بعد نظام الأسد؟ من اجل تجنيب منطقة الشرق الأوسط المزيد من الصراعات؟.
4. كيف سيتمكن التحالف الدولي من القضاء على مقاتلي داعش (الذين تقدر اعدادهم بعشرات الالاف بين سوريا والعراق) في ضل الضربات الجوية؟ وكم ستستغرق العملية؟.
خسائر داعش
في سياق متصل أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن 553 شخصا قتلوا في سوريا في ضربات التحالف الدولي ضد المجموعات المتطرفة التي بدأت في هذا البلد، وغالبية القتلى الساحقة من المسلحين غير السوريين المنتمين إلى تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، وأكد مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن “553 شخصا هم 464 عنصرا من تنظيم الدولة الإسلامية و57 عنصرا من تنظيم جبهة النصرة (الفرع السوري لتنظيم القاعدة) و32 مدنيا قتلوا في الغارات التي يشنها التحالف الدولي ضد أهداف في سوريا”، وأوضح أن “الغالبية الساحقة من هؤلاء المسلحين الذين قتلوا في الغارات ليسوا سوريين”، من جهة أخرى ذكر المرصد في بريد إلكتروني أن القتلى المدنيين وبينهم ستة أطفال وخمس نساء قتلوا في ضربات استهدفت خصوصا مناطق نفطية يسيطر عليها مسلحون متطرفون.
وبدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في 23 سبتمبر/أيلول الماضي غاراتها على مواقع المسلحين المتطرفين في سوريا، بعد بدء ضربات التحالف الذي يضم دولا عربية ضد أهداف في العراق، وهذه الغارات التي تمثل التدخل الأجنبي الأول منذ اندلاع النزاع في سوريا منتصف مارس/آذار 2011، تستهدف بشكل خاص تنظيم “الدولة الإسلامية” الجهادي المتطرف الذي يسيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وساعدت الغارات خلال الأيام الماضية على إعاقة تقدم تنظيم “الدولة الاسلامية” في مدينة “عين العرب” (كوباني) الكردية السورية الحدودية مع تركيا والتي يحاول السيطرة عليها وسط مقاومة شرسة من قبل المقاتلين الأكراد فيها الذين تلقوا مؤخرا مساعدات عسكرية ألقتها طائرات أمريكية.
فيما تطارد مجموعات صغيرة من السوريين مقاتلي الدولة الاسلامية في واحد من معاقلهم الرئيسية في شرق سوريا في اطار حملة جديدة لجماعات مسلحة بدأت كرد على الوحشية المتزايدة للإسلاميين، وقال رئيس سرايا “الكفن الابيض” ان الهدف الرئيسي من الحملة هو زرع الخوف في صفوف الدولة الإسلامية، وتقول الجماعة انها قتلت أكثر من 100 مقاتل من الدولة الاسلامية في هجمات بمحافظة دير الزور في الاشهر القليلة الماضية، وقال زعيم الجماعة أبو عبود ان الاسم يعكس الهدف: الكفن الابيض يشير الى كفن الموت الذي تقول جماعته انه ينتظر مقاتلي الدولة الاسلامية المسؤولين عن جرائم ضد الشعب السوري، وبينما تدفع الولايات المتحدة خططا لتدريب وتسليح المعارضة المعتدلة المناهضة للرئيس السوري بشار الاسد في اطار استراتيجية للتعامل مع الدولة الاسلامية فان ظهور مثل هذه الجماعات يبين كيف انها صنعت أعداء جددا على الارض.
وكان أبو عبود الذي امتنع عن اعطاء اسمه الحقيقي لأسباب أمنية قائدا لجماعة معارضة مناهضة للاسد سحقتها الدولة الاسلامية الافضل تسليحا وتمويلا عندما سيطرت بالكامل على دير الزور في وقت سابق من العام الحالي، والمجموعة الصغيرة التي يقودها الان ليست في وضع يتيح لها توجيه ضربة كبيرة إلى الدولة الاسلامية، لكنها تفرض بالفعل تحديا اضافيا فيما تستهدف الولايات المتحدة وحلفاؤها التنظيم بضربات جوية في كل من سوريا والعراق، وسجل المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يراقب الحرب عددا متزايدا من الهجمات التي يشنها مسلحون على أهداف الدولة الاسلامية في محافظة دير الزور، وتشكل دير الزور مع محافظة الرقة اساس نفوذ الدولة الاسلامية في سوريا. بحسب رويترز.
ولا تظهر سرايا الكفن الابيض رحمة بالدولة الإسلامية، وقال أبو عبود انها عندما تخطف واحدا من اعضائها فان هذا يحدث فقط “لتصفيته” في وقت لاحق، وتعمل سرايا الكفن الابيض في بلدة البوكمال وحولها عند الحدود العراقية (وهي منطقة لها أهمية كبيرة للدولة الاسلامية كحلقة وصل مع الاراضي التي تسيطر عليها في سوريا والعراق)، وقال ابو عبود ان عدد أفراد الجماعة يبلغ الان 300 عضو، وقال “ثمانون في المئة من اعضاء (سرايا) الكفن الابيض لم يشاركوا في القتال قبل ان تأتي الدولة الإسلامية، دربناهم وانضموا الى الكفن الابيض بسبب القمع الكبير الذي يشعرون به بعد سيطرة الدولة الاسلامية”، ويقول المرصد السوري لحقوق الانسان ان الكفن الابيض واحدة من عدة جماعات صغيرة حملت السلاح ضد الدولة الاسلامية في محافظة دير الزور في الاشهر الاخيرة وينتقون مقاتلي الدولة الاسلامية كلما توفرت لهم الفرصة.
ويختار افراد تلك الجماعات اسماء تمثل تهديدا ووعيدا بنفس القدر، وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري الذي يشير الى انه يجمع المعلومات من مصادر من كل أطراف الصراع ان من بين هذه الاسماء “لواء الشبح” و”لواء ملاك الموت”، وقال المرصد ان احدى هذه الجماعات قتلت ما لا يقل عن عشرة من مقاتلي الدولة الاسلامية في هجوم ليلي على نقطة تفتيش في بلدة الميادين بمحافظة دير الزور، وفي هجوم منفصل فتح مسلح يستقل دراجة نارية الرصاص على نقطة تفتيش اخرى تابعة للدولة الإسلامية، وقال عبد الرحمن انه توجد زيادة في عملياتهم ضد الدولة الإسلامية، وصنعت الدولة الاسلامية الكثير من الاعداء اثناء غزوها محافظة دير الزور وهي منطقة منتجة للنفط.
وطردت معظم الجماعات المسلحة الاخرى من دير الزور في يوليو تموز بتشجيع من المكاسب السريعة التي حققتها في العراق حيث استولت على مدينة الموصل في يونيو حزيران واستولت على معدات الجيش العراقي التي تم نشرها في سوريا، وفيما يعكس اسلوبها في اماكن اخرى استخدمت الدولة الاسلامية عمليات الصلب وقطع الرأس لقمع كل المعارضة في دير الزور، وقال المرصد انها أعدمت 700 من أفراد عشيرة الشعيطات التي ثارت عليهم في اغسطس اب، وكان لدى أفراد الجماعات المسلحة المناهضة للاسد التي يشار اليها عموما باسم “الجيش السوري الحر” الخيار بالفرار أو الخضوع لحكم الدولة الاسلامية أو الموت، وانسحبت من المحافظة جبهة النصرة المنبثقة عن تنظيم القاعدة، ومازالت الحكومة السورية تسيطر على جزء من مدينة دير الزور ومطارها.
وقال أبو عبود ان “الالتزام بالسرية هو أهم عنصر في عمل (جماعة) الكفن الابيض،” ووفقا للمرصد السوري وأبو عبود فان احدى أكبر عمليات الكفن الابيض كانت هجوما على موقع للدولة الاسلامية في البوكمال قتل فيه 11 من مقاتلي التنظيم المتشدد، والضربات الجوية التي تنفذ بقيادة الولايات المتحدة لا تجعل مهمة جماعة الكفن الابيض أسهل، وبينما كان مقاتلو الدولة الاسلامية قد اعتادوا على التجمع بأعداد كبيرة فانهم الان يتحركون في مجموعات صغيرة وغالبا في الليل باستخدام دراجات نارية، وقال متحدث باسم جماعة الكفن الابيض ان الجماعة تستخدم أسلحة كانت تخص في السابق جماعات مناهضة للاسد، وقال المتحدث الذي ذكر ان اسمه علي البوكمالي انه رغم مواردها المتواضعة فان جماعة الكفن الابيض حققت هدفها، واضاف “هدف هذه الجماعة تحقق وهو، نشر الخوف بين اعضاء الدولة الإسلامية، الان لا تراهم يسيرون وحدهم، هم يتحركون في مجموعات خوفا من الخطف”.
دور فرنسي في سوريا
الى ذلك اعلن وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل انه بحث مع نظيره الفرنسي جان ايف لودريان في امكانية مشاركة فرنسا في التدخل العسكري ضد جهاديي “الدولة الاسلامية” في سوريا حيث يسيطر التنظيم على مناطق واسعة من جانبي الحدود مع العراق، لكن وزير الدفاع الفرنسي لم يؤكد ولم ينف اذا كانت هذه المسألة بحثت خلال اجتماعاته في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، وقال هيغل خلال مؤتمر صحافي مشترك اعقب اجتماعا مع لودريان استمر اكثر من ساعة “نعم بحثنا في احتمالات مشاركة فرنسا في سوريا” في توجيه ضربات لتنظيم الدولة الاسلامية الذي يحتل، واضاف ان خطر تنظيم الدول الاسلامية “لا يتوقف عند حدود ودول” مضيفا “لذلك كان هذا امرا ناقشناه”.
وسيطر هذا التنظيم بفضل عشرات آلاف المقاتلين الذين جندهم في المنطقة او استقدمهم من الخارج، على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا التي تشهد نزاعا مستمرا منذ اكثر من ثلاث سنوات، كما يحتل التنظيم مناطق واسعة في العراق المجاور، وتسعى الولايات المتحدة في اطار الاستراتيجية التي اعلنها الرئيس باراك اوباما الى “تدمير” التنظيم الدولة الاسلامية عبر تعزيز الجيش العراقي ليتولى المعركة الميدانية، اما في سوريا حيث تعتبر واشنطن نظام الرئيس بشار الاسد غير شرعي، فهي تريد تجهيز وتدريب المعارضة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وفرنسا واحدة من خمس دول اوروبية تشارك في الحملة في العراق لكنها لم تساهم في الضربات العسكرية الاميركية في سوريا، كما يشارك في هذا التحالف خمسة بلدان عربية، وقدمت فرنسا اسلحة الى مقاتلي المعارضة السورية الذين يتواجهون مع نظام الاسد.
واكد لودريان ان فرنسا تشارك في الضربات الجوية في العراق بطلب رسمي بموجب ميثاق الامم المتحدة، وقال ان “فرنسا موجودة هناك بسبب هذا الطلب ونحن في التحالف بسبب هذا الطلب”، ولم يشأ الوزير الفرنسي تأكيد مناقشة المشاركة الفرنسية في سوريا خلال محادثاته مع هيغل، وردا على سؤال عن موقف باريس في حال طلبت منها واشنطن المشاركة في شن غارات ضد الجهاديين في سوريا، قال “لا يمكنني ان اجيب على اسئلة لم تطرح علي”، وكان لودريان قال قبل ايام ان مسألة مشاركة فرنسا في ضرب تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا باتت “مطروحة” على طاولة البحث بعدما كانت باريس تستبعد هذه الفرضية في الاساس، وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية فان باريس “تأخذ وقتها” في حسم هذه المسألة. بحسب فرانس برس.
من جهته، اكد هيغل ما قاله الرئيس اوباما وقادة عسكريون كبار حول مكافحة تنظيم “الدولة الاسلامية”، الذين اكدوا انه سيكون صعبا وطويل الأمد، وقال هيغل ان “هذا الجهد ضد الدولة الاسلامية في العراق والشام مع شركائنا في التحالف، في العراق وسوريا، سيكون صعبا وطويل الامد”، واضاف “لم يكن هناك اي سوء فهم عندما بدأنا، بان النهاية لن تكون سريعة”، وردا على سؤال عن تدريب القوات العراقية، قال هيغل انه لا يعرف كم سيستغرق الامر، واكد هيغل ولودريان على “التعاون الممتاز” بين اجهزة الاستخبارات الفرنسية والأميركية، لكنهما تجاهلا سؤالا عما اذا كان اطلاق صاروخ اميركي في اطار الحملة على الدولة الاسلامية في 23 ايلول/سبتمبر بالقرب من حلب، تم بناء على معلومات استخباراتية فرنسية، ورحب كل من وزيري الدفاع بتصويت البرلمان التركي على اجازة تدخل انقرة ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”.
وكانت تركيا اقترحت مرات عدة اقامة “منطقة عازلة” على الحدود مع سوريا لحماية المدنيين، الا ان هيغل قال ان الحكومة الاميركية لا تفكر حاليا في اقامة منطقة عازلة في شمال سوريا لكنها تبقى منفتحة على مناقشة “خيارات” متنوعة مع الحكومة التركية، واضاف “نواصل الحديث مع الاتراك بشأن عدة خيارات لكن لا خطط لهذا الخيار حاليا”، وكان رئيس اركان الجيوش الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي اكد ان منطقة آمنة كهذه ستتطلب دوريات بلا توقف للطائرات وقوة برية كبيرة لتعزيزها، وفي بداية المؤتمر الصحافي شدد لودريان على التهديد الذي يشكله الاسلاميون المتطرفون في منطقة الساحل في افريقيا، وشكر اخيرا الولايات المتحدة على “دعمها” ضد الحركات الجهادية في الساحل مؤكدا “اتفقت (مع هيغل) على ان يتواصل هذا التعاون”، ورد وزير الدفاع الاميركي قائلا ان واشنطن تنوي مواصلة مساعدة فرنسا ضد عنف المتطرفين في منطقة الساحل.
ويقدم الجيش الاميركي الى العسكريين الفرنسيين معلومات استخباراتية وطائرات مسيرة للمراقبة وطائرات شحن وتزويد بالوقود منذ بداية التدخل الفرنسي في مالي الذي بدأ في كانون الثاني/يناير 2013 بهدف طرد مجموعات اسلامية متطرفة من شمال البلاد، وصرح مسؤولان عسكريان اميركيان بعد اللقاء ان الولايات المتحدة ستواصل دعم القوات الفرنسية عسكريا في منطقة الساحل الافريقية لكن على باريس ان تسدد في المستقبل النفقات التي تترتب على مشاركة واشنطن، لكن بما ان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما تخوض حربا جوية واسعة ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، فقد ابلغت الولايات المتحدة باريس بانه بات عليها دفع النفقات كما قال المسؤولان، وصرح احدهما طالبا عدم كشف هويته “في المستقبل سيكون عليهم تسديد نفقات المهمة”، في خطوة لم تعرف انعكاساتها على الالتزام الفرنسي في افريقيا حتى الآن، واضاف المسؤولان ان قرار مواصلة المساعدة العسكرية (ولو بشكل جديد) اتخذ قبل ايام من توجه وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان الى واشنطن حيث زار مقر وزارة الدفاع الأميركية، ولم يحدد المسؤولان الكلفة الاجمالية للمساعدة العسكرية المقدمة الى فرنسا منذ كانون الثاني/يناير 2013، مشيرين الى عشرات الملايين من الدولارات وهو مبلغ صغير بالمقارنة مع الميزانية العسكرية الهائلة للجيش الاميركي.
سوريا تؤيد الجهد الدولي
بدوره قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في بيان أمام الأمم المتحدة إن سوريا تؤيد جهدا دوليا لمحاربة جماعة الدولة الإسلامية معطيا فيما يبدو دعما ضمنيا للضربات التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاء من العرب ضد المتشددين في سوريا، وقال المعلم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن العمل العسكري لمواجهة الدولة الاسلامية وجبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا وجماعات متشددة أخرى يتعين أن يتزامن مع تجفيف مصادر التمويل والأسلحة والمقاتلين والتدريب، وقال خلال التجمع السنوي لزعماء العالم “آن الأوان لأن نتكاتف جميعا ضد هذا الإرهاب، فالخطر محدق بالجميع وليس هناك دولة في منأى عنه”، منبها إلى أن أي عمل عسكري يجب ان يلتزم بالقانون الدولي ويحترم سيادة الدول، وكانت الولايات المتحدة قد ابلغت مسبقا مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بعزمها بدء ضربات جوية ضد أهداف للدولة الإسلامية إلا أنها لم تطلب موافقة حكومة الرئيس السوري بشار الاسد على ذلك.
ولم يستنكر المعلم الضربات الجوية بشكل محدد لكنه حذر من أن القيام بعمل عسكري في وقت تواصل فيه بعض الدول دعم المتشددين الذين يتم استهدافهم قد يخلق وضعا “لن يخرج المجتمع الدولي منه لعقود”، وأضاف “فلنوقف الفكر ومصدريه، وبالتوازي لنضغط على الدول التي باتت عضوا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حتى توقف دعمها للجماعات الإرهابية المسلحة، عندها تصبح محاربة الإرهاب عسكريا عملية ناجحة”، ووجهت سوريا مرارا اتهامات لقطر والسعودية وتركيا بدعم الجماعات الإسلامية المتشددة خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاثة أعوام والتي قتل فيها حوالي 200 ألف شخص، وبدأت أحداث سوريا بحركة احتجاج سلمي سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية بعد أن قمعتها السلطات، وما زالت المعارك تسفر عن سقوط ما يقرب من 200 قتيل يوميا.
وتنفي هذه الدول تلك المزاعم ولكن مسؤولين غربيين يقولون إن الدول الثلاث ساعدت تلك الجماعات في سوريا في الماضي، وسيطرت جماعة الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية واتهمت بارتكاب مذابح وقطع رؤوس مدنيين وجنود، ولم تفلح الضربات التي تقودها الولايات المتحدة حتى الآن في وقف توسع المتشددين في أراض جديدة، واعترف الرئيس باراك أوباما بأن معلومات المخابرات الأمريكية قللت من شأن تعاظم قوة الدولة الإسلامية، وقال بان جي مون الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير لمجلس الأمن الدولي إن المدنيين في سوريا يتعرضون “لزيادة تبعث على القلق” في مستوى العنف والوحشية اللذين ترتكبهما الدولة الإسلامية وجماعات أخرى “والعلميات المستمرة للحكومة السورية”.
وقال بان في تقريره الشهري السابع للمجلس بشأن تنفيذ القرارات التي تهدف إلى تعزيز وصول المعونات “يجدر التذكير أن الدولة الإسلامية هي النتيجة وليست السبب للصراع في سوريا، الصراع السوري له جذور سياسية عميقة ويتعين حلها من خلال المفاوضات”، وقال إن جميع اطراف الصراع “اهملوا وتجاهلوا وانتهكوا التزاماتهم القانونية الدولية” ورغم الجهود الجسورة لعمال المعونة الإنسانية فلا تزال سوريا “أكثر الأزمات الإنسانية الحاحا في العالم”، ويحتاج نحو 10.8 مليون شخص في سوريا أي نصف عدد سكان البلاد إلى المساعدات مع نزوح 6.4 مليون داخل البلاد فيما فر ثلاثة ملايين من البلاد وفقا لاحصائيات الأمم المتحدة، وقال المعلم “إن سورية مستمرة ببذل أقصى الجهود لإيصال مساعدات المنظمات الدولية الإنسانية إلى جميع المواطنين السوريين دون تمييز أينما كانوا وفي إطار السيادة الوطنية”، وقال إن “الجمهورية العربية السورية إذ تعلن مرة أخرى أنها مع أي جهد دولي يصب في محاربة ومكافحة الإرهاب، تشدد على أن ذلك يجب أن يتم مع الحفاظ الكامل على حياة المدنيين الأبرياء، وتحت السيادة الوطنية ووفقا للمواثيق الدولية”. بحسب رويترز.
وأوضح وزير الخارجية السوري وهو يشغل أيضا منصب نائب رئيس الوزراء أن حكومته لا تعتبر الائتلاف الوطني السوري المدعوم من الغرب وكذا الجيش السوري الحر معارضة تتمتع بمصداقية، وقال إن حكومته منفتحة على الحل السياسي “نحن منفتحون للحل السياسي في سوريا، مع معارضة حقيقية تنشد الخير والاستقرار والأمان لسوريا، لا ترتهن للخارج ولا تنطق بلسانه، معارضة لها انعكاسها على الارض السورية ولها جذورها في الداخل السوري، لا في الفنادق والعواصم الغربية، معارضة وطنية تضع في اولوياتها مكافحة الإرهاب”، وقال المعلم إن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد “وافقت، دون شروط على حضور مؤتمر جنيف 2 (الذي شارك فيه جزء من المعارضة السورية) وشاركت بفكر وعقل منفتحين، رغم قناعتنا بأن الحل هو سوري سوري وعلى الأرض السورية”، وانتقد كثير من الناشطين والمعارضين السوريين الولايات المتحدة لتركيز جهودها على ضرب الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات المتشددة من دون فعل شيء لإسقاط الأسد، ولم تعد واشنطن وحلفاؤها الغربيون يعترفون بحكومة الأسد ممثلا شرعيا للشعب السوري ويقولون إن أي تحول سياسي ينبغي أن يتضمن رحيل الأسد.
مشكلة خصوم الاسد
من جانب اخر وضعت الضربات الجوية بقيادة الولايات المتحدة على المتشددين الاسلاميين الذين يستلهمون فكر تنظيم القاعدة في سوريا خصوم الرئيس السوري بشار الأسد في المعارضة المعتدلة في مأزق، ويقول المعارضون الذين يدعمهم الغرب إنهم يواجهون نتائج عكسية من جانب السوريين الذين أغضبتهم الهجمات رغم أنه لم يتم اطلاعهم على الضربات الجوية الموجهة لأعدائهم في تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا قد يعقد خطة واشنطن لتكوين قوة برية من جماعات المعارضة المتباينة للتصدي للمتشددين الإسلاميين، ويقول مقاتلو المعارضة إن وقوع خسائر بشرية بين المدنيين في الحملة الجوية التي بدأت والارتياب في الدوافع الأمريكية يعرضان للخطر التأييد الشعبي الذي اكتسبوه خلال قتالهم قوات الاسد.
وقال أحمد السعود قائد مجموعة من قوات المعارضة تعرف باسم الفرقة 13 منذ هروبه من الخدمة بالجيش السوري عام 2012 “ثمة غضب شعبي موجه لنا”، وتقول فرقته إنها جزء من الجيش السوري الحر الذي يضم مجموعة من الفصائل التي يدعم بعضها مانحون من بينهم الولايات المتحدة ودول الخليج العربية التي أيدت الانتفاضة على حكم الأسد، وتتباهى الفرقة 13 بأنها تضم 1700 مقاتل وتقول إنها تحتاج كل شيء من الأحذية إلى السلاح رغم أنها حصلت على مساعدات خارجية، وقال قائدها إن وضعها كقوة يؤيدها الغرب يعني أن الناس يعتبرونها داعمة للضربات الجوية، وأضاف في مقابلة بمدينة ريحانلي التركية قرب الحدود السورية “نحن نؤيد الضربات الجوية لكن الضربات الجوية ضد الدولة الاسلامية والنظام”، وقالت الولايات المتحدة إنها تحقق في مزاعم عن سقوط قتلى بين المدنيين من جراء الضربات الجوية وإنها تبذل جهدا كبيرا لتفادي وقوع خسائر، ومع ذلك أظهرت لقطات فيديو مصورة على موقع يوتيوب أن السوريين احتجوا على الضربات الجوية في عدة مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، وفي حين أن واشنطن قالت إنها لن تتعاون مع الأسد الذي تقول إنه فقد شرعيته كرئيس لسوريا فقد تفادت ضرباتها الجوية ضرب أي أهداف حكومية.
وشد ذلك من عزم دمشق بعد عام من تراجع الولايات المتحدة عن شن عمل عسكري ضد الأسد، ومنذ بدأت الضربات الجوية واصلت قوات الأسد هجماتها على مختلف الجماعات المعارضة التي حاربتها في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، ولا يقل حرص المعارضة السورية عن حرص أي طرف آخر على وضع نهاية للدولة الاسلامية التي استولت على ثلث مساحة البلاد أغلبها بالاستيلاء على أراض كانت جماعات أخرى قد استولت عليها من القوات الحكومية، لكنها تخوض أيضا معركة من أجل البقاء في مواجهة الجيش السوري وحلفائه بمن فيهم حزب الله اللبناني، ولأن قوات المعارضة تقاتل الطرفين قوات الاسد وتنظيم الدولة الاسلامية فليس لها مصلحة في تصعيد القتال مع المتشددين في الوقت الراهن إلا إذا كانت واثقة أن سلاح الجو السوري لن يهاجمها فيما ستستولي عليه من أراض. بحسب رويترز.
ويقول أعضاء في جماعات معارضة تقاتل قوات الاسد وتنظيم الدولة الاسلامية في شمال سوريا إنه لم تظهر حتى الآن أي بادرة على التنسيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الذي يمكنه أن يوفر مثل هذا الغطاء الجوي، وقال أبو عبده من المكتب السياسي لجيش المجاهدين أحد جماعات الجيش السوري الحر ويضم على حد قوله 7000 مقاتل “ليس من صالحنا أن نقاتلهم (الدولة الاسلامية) في هذا الوقت لمجرد أن بعض صواريخ توماهوك تسقط عليهم، دون أن نعرف أن النظام فقد تفوقه الجوي علينا بالكامل”، وأضاف في مقابلة بمدينة غازي عنتاب التركية “سيقضون علينا قصفا ويسلبون منا أي تقدم نحرزه، سيبدو الأمر وكأننا نطهو وجبة لكي يأكلها النظام في النهاية”.
وقال أبو عبده إن جيش المجاهدين (الذي تشكل في بداية العام من دمج ثماني جماعات معارضة أصغر) موضع فحص الآن لمعرفة إن كان مؤهلا للحصول على مساعدات من الجهات المانحة بما في ذلك الولايات المتحدة، لكنه أضاف أن واشنطن “لن تتمكن من حشد أصدقاء على الارض دون أن تأتي بخطة كاملة (للدولة الاسلامية) والنظام”، وقد حصل عدد محدود من فصائل الجيش السوري الحر على تدريب عسكري في برنامج تدريبي سري أدارته وكالة المخابرات المركزية الامريكية، لكن الدول الغربية ترددت في توفير دعم عسكري كبير خشية أن يقع في أيدي المتطرفين، وتعتزم الولايات المتحدة تدريب الاف من قوات المعارضة المعتدلة في إطار استراتيجيتها لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن البرنامج قد يستغرق سنوات عدة، ويقول مقاتلون من المعارضة يحاربون في شمال سوريا إنهم لا يرون أي مؤشرات على التعجيل بتوزيع الأسلحة رغم أن بعضهم يأمل استلام المزيد قريبا.
وشهدت الليلة الأولى للضربات الجوية هجوما على مقاتلي تنظيم القاعدة في جماعة جبهة النصرة في منطقة تعمل فيها جماعات مرتبطة بالجيش السوري الحر أيضا، وقد أدانت بعض جماعات المعارضة التي يدعمها الغرب الحملة الجوية ووصفتها بأنها تدخل خارجي غير مرغوب، وتقول هذه الجماعات إن موقف الولايات المتحدة بالنسبة لبعض جماعات المعارضة أثار تساؤلات بشأن جدول أعمالها فقد أبلغت واشنطن دمشق بالضربات مسبقا لكنها لم تبلغ الجماعات، وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية إنه لا يوجد جماعة جاهزة بما يكفي في صفوف المعارضة السورية المعتدلة الان يمكن التحدث معها بشأن تنسيق الضربات الجوية، ومع سقوط القذائف شرقا على تنظيم الدولة الاسلامية لم يحدث أي تحرك يذكر لخط رئيسي للجبهة قرب حلب حيث تحارب فصائل مرتبطة بالجيش السوري الحر ومن بينها جيش المجاهدين لوقف تقدم الدولة الاسلامية.
كذلك تكافح الفصائل نفسها في ذات الوقت على جبهات أخرى لمنع القوات الحكومية من فرض حصار على حلب، وتقول المعارضة إنه إذا نسق التحالف النشاط العسكري ضد الدولة الاسلامية معها في محافظة حلب فإن هذا سيمثل تحولا كبيرا باتجاه إشراكها مباشرة في المعركة، لكن هذا لم يحدث حتى الان، وقال حسام المرعي الناطق بلسان الجيش السوري الحر في شمال سوريا “الاتصالات مازالت ضعيفة للغاية فيما يتعلق بالضربات الجوية، لم يحدث أي تنسيق على الاطلاق، وقد وعدونا بفتح بخطوط الاتصال بدرجة أكبر”، والضربات الجوية جزء مما وصفه الرئيس الامريكي باراك أوباما باستراتيجية لاضعاف تنظيم الدولة الاسلامية والقضاء عليه بعد أن استولى على مساحات شاسعة من الاراضي في سوريا والعراق في محاولة لتغيير شكل منطقة الشرق الأوسط، وتشمل الاستراتيجية الأمريكية تدريب 5000 مقاتل سوري من المعارضة في السنة الأولى من برنامج عرضت السعودية استضافته وربما يستمر عدة سنوات، وقال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان المشتركة إن من الضروري تشكيل قوة مشتركة من المعارضة المدعومة من الغرب تتألف مما يتراوح بين 12 ألفا و15 ألفا لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها الدولة الاسلامية في سوريا، وتم توجيه جزء محدود من المساعدات المالية والعسكرية إلى جماعات معارضة معتدلة في سوريا عن طريق هيئة تضم دولا أيدت الانتفاضة على حكم الأسد، وتمثل الهيئة التي تأسست هذا العام محاولة لتحسين السيطرة على تدفق المساعدات، وإحدى الجهات المستقبلة للمساعدات حركة حزم التي تشكلت في بداية السنة من فصائل من الجيش السوري الحر، وتم تزويدها بصواريخ مضادة للدبابات أمريكية الصنع لم تستخدم من قبل في الحرب.
لكنها مازالت تعاني من نقص في السلاح الأمر الذي يجعلها تنشر كما قال أحد قادتها ويدعى أبو عبدالله جزءا بسيطا من مقاتليها البالغ عددهم 5000 والذين تدفع لكل منهم مرتبا شهريا يبلغ 100 دولار، وأضاف “حزم اليوم تعتبر مدعومة من الولايات المتحدة لكن الدعم الذي تحصل عليه لا يعكس ذلك”، وقال المسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية إن من السابق لأوانه الحديث عن تزويد قوات جديدة بما تحتاجه عموما لأن البرنامج الامريكي في السعودية بدأ لتوه، وتحول الدعم إلى سلاح ذي حدين إذ حاولت حركة حزم كسب التأييد بين السوريين في المناطق التي تعمل فيها، وأصدر جيش المجاهدين وحركة حزم بيانين يدينان الضربات الجوية للتحالف، وقال عبدالله “الناس تقول التحالف مع بشار، وهذا يضعنا نحن الجماعات المعتدلة في وضع صعب أمام الشعب السوري، فهم يقولون: أصدقاؤك الناس الذين يفترض أن يكونوا أصدقاء سوريا لم يجدوا حلا أو حتى يضعون استراتيجية للقضاء على نظام بشار الاسد”، وقال عبدالله إنه لا يلوم الولايات المتحدة على عدم قصف قوات الأسد مشيرا إلى أن روسيا اعترضت على أي محاولة لتأمين التأييد القانوني للتدخل في مجلس الامن التابع الامم المتحدة، لكنه أضاف “لا يمكنك شرح ذلك لطفل سقط والده قتيلا، أو لإمرأة تعرضت للاغتصاب في السجن وتحمل طفلا من أب مجهول أو لأم فقدت أربعة أو خمسة أطفال”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق