التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

العراق مستهلكاً… لماذا غاب الإنتاج الوطني الصناعي.. وإلى أين ؟! 

تقرير / عبدالرضا الساعدي 
 
العراق بلد السواد .. هكذا كانت تسميته قديما ، بسبب خضرة وخصوبة أراضيه ، وبعد أن دخل العالم طور الصناعة وتطورها وازدهارها في العالم البعيد عنا ، حاول هذا البلد بعد العام 1958 م أن يبدأ في تطوير صناعته لتكون رفقة الزراعة التي كانت في مرحلة متقدمة  جدا قياسا لما يحصل الآن   _ إنتاجا ووفرة _حد التصدير إلى الدول الأخرى.. حيث استحدثت وزارة الصناعة بموجب القانون رقم 74 لسنة 1959 لتتولى القيام بأعمال تصنيع البلاد وتشرف على الشؤون الصناعية الحكومية والأهلية،وضمت في تشكيلها عددا من الدوائر التي نقلت إليها من وزارة الاعمار الملغاة وعدد من الوزارات الأخرى.  كما تم (( إعادة تنظيم أجهزة مديرية الصناعة العامة واستحدثت فيها شعب للبحوث الاقتصادية وللتنمية الصناعية،كما وضعت عشرات الدراسات الفنية الصناعية تحت تصرف القطاع الخاص كصناعات عرق السوس والتعليب وخميرة الخبز والطباشير الملون والحبال من سعف النخيل والأنابيب لمشروع المياه ، وعشرات الدراسات الاقتصادية أيضا كدراسة المواد الاولية لمعامل السباكة وكفاءة معمل الجوت ومعامل السكائر ومشروع الأحذية الشعبية ودراسة استثمار النفايات في مصافي النفط ، وعشرات التحاليل الفنية للمواد الخام الصناعية كالاسمنت والاتربة والأخشاب والفحم والأملاح والدهون والصابون والجلود ومعجون الشبابيك واللباد المانع للرطوبة والقصب والرخام والورق والكحول..الخ . وباشرت الحكومة العراقية بإجراء مسح صناعي عام للمشاريع الكبرى والمتوسطة وفق أسس اقتصادية وفنية سليمة ، وأجرت دراسات موضعية كاملة للمشاريع المطلوب حمايتها بالإعفاء”الحماية الصناعية اقتصاديا وتكنيكيا“.
ويقول  الخبير الاقتصادي _سلام كبة_  مضيفا في  إحدى مقالاته (( شهدت مرحلة ما بعد تأميم النفط 1972 نهضة صناعية شاملة باتجاهين : الأول تنفيذ دراسة التوسعات والتحديث التي اقترحتها المؤسسات النوعية وبالتعاون مع المؤسسة العامة للتصميم والإنشاء الصناعي ، والثاني إقامة صناعات جديدة مستقبلية في ضوء الدراسات التي أعدتها المؤسسة العامة للتصميم والإنشاء الصناعي.
المشاريع الرئيسية الضخمة كالبتروكيمياويات والأسمدة الكيمياوية كانت تدار بكفاءة جيدة ، ومنتجاتها تصدر الى كل أرجاء المعمورة ، وتحقق أرباحا فعلية من خلال التصدير وليست ارباحاً صورية ، وهذا هو حال صناعات تحويلية اخرى كالاسمنت ! وعملت الصناعة النفطية بكفاءة عالية ابتداءاً من استلام مصفى الدورة من الامريكان بعد ثورة تموز 1958 ! ورغم قدرة المعامل والمصانع المحلية في سبعينات القرن العشرين من تزويد السوق العراقية بسلعها المتنوعة بكفاءة متوسطة المستوى وبجودة عالية غذت قسم كبير من احتياجات ومتطلبات التنمية وحققت فائض للتصدير إلا ان الحروب المتتالية والجهد العسكري أضعفت من القدرات الصناعية الوطنية . ولم يخلو السوق حينها من السلع الوطنية المنتجة محليا كالصناعات الغذائية والسكر والخفيفة والالكترونية والكيمياوية والاستخراجية والأصباغ والتغليف والدراجات والسيارات والباصات والمكائن الزراعية المجمعة والبطاريات والأسمدة الكيمياوية والكبريت والفوسفات والملح والنحاس والطابوق والغاز المسيل والزجاج والصناعات الصوفية والغزل والنسيج والأحذية والتبغ والتمور..الخ.
لكن ومع مرور الزمن _ بحسب الخبير كبة _
توسعت الميول التضخمية وتعمق التفاوت في الدخل ، واستمر الحال هكذا حتى سقوط النظام والاحتلال الاميركي ! في هذه الفترة ظهرت الشركات الوهمية وتنامى الغش الصناعي والتجاري وعدد المعامل والورش غير المجازة التي لا تخضع لأية رقابة وتنتج سلعا لا تتوفر فيها المواصفات الفنية ، وساد الركود الاقتصاد العراقي وتفشت البطالة وتوسعت العوامل الضاغطة باتجاه الفساد على تلاوينه !
ازدادت مشاعر السخط تجاه القطاع العام مع مواصلة حكومة صدام حسين والشرائح الطفيلية والبيروقراطية سياسة ابتزاز الشعب بالأعباء المالية كالرسوم والأتاوات وتحميل العقوبات مسوؤلية أزمات انقطاع التيار الكهربائي ، وتحميل كادر القطاع العام مسوؤلية الفساد بإشاعة المحسوبية والمنسوبية والولاء الجهوي وتلقي الرشاوي والاختلاس والغش والتهرب الوظيفي والاستغلال السيء للمنصب الرسمي والوظيفة العامة !وواصل إعلام صدام حسين تضليل الرأي العام بالأسباب الفعلية للأزمة الاقتصادية العامة العاصفة ! وعكس عمق التناقضات الأجتماعية وتوسع الأحياء المدينية الراقية دور كبار التجار والسماسرة والمنتفعين الذين شكلوا قوى ضغط طفيلية شبه مستقلة تعاظمت أرباحها مع إفقار الشعب ونبذ غير القادرين على الصمود وزجهم في سوق العمل الرسمي ! الحقيقة تؤكد ان سياسات النظام المباد أدت الى تدمير البنية الصناعية في بلادنا وتعطل الإنتاج في المنشآت الصناعية بسبب عدم توفر المواد الأولية والوسيطة وصعوبة الحصول على المواد الاحتياطية وتخلف التقنيات المستخدمة الأمر الذي قاد كل هذا الى هبوط في مستويات الإنتاج وضعف في القدرة التنافسية للسلع العراقية،،.ترى ما الذي جرى .. ولماذا أصبحنا موطنا استهلاكيا بامتياز بعد 2003 ؟
قبل الحديث عن واقع القطاع الصناعي في العراق لابد من عرض بعض سمات الاقتصاد العراقي كما يراه السيد أ .د باسم جميل الخلف

:
– اختلال التوازن الاقتصادي: يتسم الاقتصاد العراقي بوجود اختلال حاد في التوازن الاقتصادي العام ، وهذا يتضمن الاختلال بين حجم الموارد المتاحة (العرض) وبين حجم الاحتياجات الفعلية التي يتطلبها المجتمع (الطلب)
  التضخم الذي أصبح ظاهرة ملازمة للاقتصاد العراقي.

 – الاعتماد على عائدات النفط والذي استحوذ على معظم تكوين الدخل القومي.
– 
ضعف القاعدة الإنتاجية سابقاً وتدميرها بعد الاحتلال.
– 
سيطرة القطاع العام على معظم مرافق النشاط الاقتصادي.
– 
تدمير البنى التحتية.
– 
ارتفاع معدلات البطالة والتي تكون 50% من نسبة القوى العاملة وما ينجم عنها من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية..
– 
ارتفاع حجم المديونية.
– 
انكشاف السوق العراقية على الأسواق العالمية بشكل يضر بالاقتصاد العراقي بعد 2003 وتم استيراد وتهريب أنواع عديدة من السلع والخدمات التي لا تحمل مواصفات الجودة والنوعية.
– الانتقال بالسوق العراقية من سيطرة شبه كاملة للدولة الى غياب دور الدولة بشكل نهائي.
ووفقا لكل المعطيات يعتبر العراق من البلدان التي تعتمد على الاقتصاد الريعي الذي انعكس بآثاره السلبية على أكثر القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والإنتاج الحرفي والخدمات التي تحتاج إلى معدات وأجهزة.
ويقدّر اتحاد الصناعات العراقية عدد المشاريع المتوقفة عن العمل حالياً بأربعين ألف مشروع منها 80% متوقفة منذ عام 2003 وذلك بسبب العقوبات التي فرضت على العراق في التسعينيات من القرن الماضي وسلسلة الحروب العبثية التي خاضها النظام الديكتاتوري والتي كلفت الاقتصاد العراقي مبالغ هائلة من شراء الأسلحة والمعدات العسكرية ، ومن القروض التي لا زلنا نعاني منها لحد الآن.
وترى النائب الدكتورة باسمة الساعدي بعض الحلول والمقترحات الكفيلة للنهوض بالواقع الصناعي والاقتصادي وكما يلي :-
تفعيل المبادرة الصناعية المقترحة من وزارة الصناعة والمعادن والتي سبق وان تم إحالتها الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء بكتاب الوزارة ذي العدد 
15249 في 3/4/2011 
ب. تفعيل مقترحات اللجنة الخاصة التي قامت بزيارة المحافظات بموجب كتاب الوزارة ذي العدد 45828 في 6/9/2011 .       
ج. استكمال إجراءات تشريع قانون التعديل الرابع لقانون الاستثمار الصناعي رقم (20) لسنة 1998 .
د.  تفعيل قانون حماية المستهلك رقم (1) لسنة 2010 ، من خلال تشكيل مجلس حماية المستهلك المرتبط بمجلس الوزراء .
هـ.تفعيل قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم (14) لسنة 2010 ، من خلال تشكيل مجلس المنافسة المرتبط بمجلس الوزراء.
و. إنشاء مصرف عراقي للتنمية الصناعية بالتنسيق مع اللجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء والذي يدعم القطاع الخاص برأسمال قدره (3) مليار دولار ويعطي قروض للصناعيين بفائدة 2% وبمدة استرداد (10) سنوات وبنسبة 80% من قيمة المشروع حيث سبق وان فاتحت الوزارة اللجنة مدار البحث ولم يتبين إنشاء المصرف من عدمه .    
   ز. تطبيق قانون التعرفة الكمركية رقم (22) لسنة 2010 ، والذي يعد احد الأركان الأساسية لحماية المنتجات العراقية .    
    ح.  تعديل قانون الكمارك رقم (23لسنة 1984 ، بما يتناسب مع التطورات الحاصلة في الاقتصاد العراقي والتوجه نحو اقتصاد السوق وتطوير القطاع الصناعي والزراعي.
ط‌.  تفعيل وتعديل قانون دعم التصدير المعطل منذ عقود وإنشاء مركز عراقي لتشجيع  الصادرات بشكل عام والصناعية بشكل خاص .
ي‌.  تعديل قانون الجهاز المركزي للإحصاء بما يوفر قاعدة بيانات متكاملة حول السلع الواردة والصادرة وفق نظام المنسق العالمي للتعرفة الكمركية والمعتمد بقانون التعرفة الكمركية النافذ بما يخدم قانون حماية المنتجات العراقية .
ك. تشكيل لجنة مشتركة من وزارات (الصناعة ، الدفاع ، الداخلية) تناط بها مهمة تنفيذ العقود الخاصة بتجهيز الوزارتين من قبل الشركات التابعة لوزارة الصناعة والمعادن بالألبسة العسكرية وملحقاتها وتحديد مسؤولية تداول تلك الألبسة في الأسواق المحلية لمنع استخدامها من قبل المجاميع الإرهابية .
ل.  إلزام وزارة الصناعة والمعادن بعدم خصخصة الشركات ذات الإنتاج والمردود المالي الجيد وذلك لإمكانيتها في توفير السيولة النقدية لشراء وتامين المستلزمات السلعية والخدمية وتغطية نسبة رواتب منتسبيها مع إمكانية تأهيل بعض خطوطها الإنتاجية المتوقفة من خلال قيامها بدراسة جدوى لتلك الشركات .
وأخيرا يعتقد السيد د/ ثائر محمود رشيد في مقاله (حول استراتيجية دعم وإصلاح القطاع الصناعي في العراق ) المنشور في جريدة الإتحاد العراقية ،، ان واقع الصناعة في العراق بحاجة الى تدخل مباشر من قبل الدولة من خلال اعتماد مستويات عالية من الحماية الانتقائية لقطاعات فرعية مستهدفة لفترات محددة .وتوجه شامل نحو الجهات المؤسسية من اجل الحد الأقصى من الدفق المعلوماتي لكل القوى الاقتصادية . بالإضافة الى وجود تدابير فاعلية لتحويل البيروقراطية الى عنصر فاعل للتنمية من خلال خلق نخبة تكنوقراطية . كما يجب ان تتمتع القطاعات الرئيسة بالدعم الحكومي من اجل حيازة التكنولوجيا والتدريب وإعادة الهيكلة والنفاذ الى الأسواق ونشر المعلومات وتقديم القروض بأسعار فائدة منخفضة وذلك لتمكينها من النمو والمنافسة داخل السوق المحلية وخارجها .أما ما يتعلق بإستراتيجية دعم الصادرات فلابد من إنشاء قدرات عرض وطنية من خلال توفير حماية للصناعات الناشئة تقوم من خلالها بزيادة كفاءتها التقنية وبتحسين ميزتها التنافسية
 . ،،

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق