إصرار “داعش” على دخول كوباني فضح أردوغان
ماجد حاتمي –
مازال المراقبون لتطورات الاحداث في سوريا مختلفين حول الاسباب الحقيقية التي تدفع “داعش” الى ان تصر كل هذا الاصرار الغريب على احتلال بلدة كوباني (عين العرب) الكوردية في شمال سوريا ، رغم كل الخسائر التي تتكبدها يوميا بالارواح والعتاد.
البعض رأى ان مردّ هذا الاصرار هو ايجاد حلقة وصل بين الاراضي التي تحتلها “داعش” في سوريا وبين الاراضي التركية ، لتكون ممرا لتهريب النفط السوري الى تركيا ، والبعض الاخر راى ان سبب هذا الاصرار هو استكمال ربط المناطق الشمالية لسوريا ببعضها عبر السيطرة على كوباني ، وهناك من يرى في التحالف غير المعلن بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي وبين الحكومة السورية بانه السبب الذي جعل الكورد هدفا ل”داعش” ، وهناك من يرى ان هذا الاصرار ليس شيئا غريبا عن طبيعة “داعش” التي تسعى ان تُظهر نفسها بانها قوة لا تقهر ، وهناك من اعتبر العنصر النسائي في قضية كوباني هو السبب الرئيسي وراء هذا الاصرار ، فمقاتلي “داعش” يرون ان العار سيلحق بهم والى الابد اذا ما انهزموا امام وحدات حماية الشعب الكوردية ، التي تتجاوز نسبة الفتيات فيها الاربعين في المائة !!.
كل هذه الاراء لا يمكن ان تكون سببا رئيسيا وراء اصرار “داعش” ، فهي تتراجع امام اي مقاومة حقيقية تواجهها ، وقد اثبتت ذلك المعارك التي خاضتها مع الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي العراقية والبيشمركه ، حيث هربت “داعش” من امام هذه القوات عن مناطق في غاية الاهمية ، مثل آمرلي وجرف الصخر و زمار.
اذن لماذا لم تتراجع “داعش” عن فكرة دخول كوباني ، رغم فشلها المتكرر في السيطرة عليها ، وتكبدها خسائر فادحة على يد مقاتلي ومقاتلات وحدات حماية الشعب الكوردية ، ورغم تعرضها لقصف جوي شبه يومي من قبل طائرات التحالف ، ورغم اهتزاز الصورة التي حاولت رسمها لمقاتليها على انهم اوحش من الوحوش ، ورغم الانتكاسة المعنوية التي منيت بها وانكشاف ضعفها؟.
من المؤكد ان “داعش” لم تكن راغبة في ان تتحول الى اضحوكة عند ابواب كوباني ، ولم تكن راغبة في ان تتحول الى هدف مكشوف لطائرات التحالف ، ومن المؤكد ان قيادة هذا التنظيم التكفيري تتمنى ان يخرج التنظيم من عنق زجاجة كوباني باسرع وقت ممكن ، الا ان الحقائق على الارض وكذلك القرائن ، وكذلك تطورات الاحداث بشكل عام ، كشفت ان التنظيم ينفذ مهمة كُلف بها من قبل القيادة التركية ومن شخص الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، الحليف الاكبر ل”داعش” ، لذا ليس امام هذا التنظيم الا التنفيذ ، رغم ان يعلم جيدا ان الكلفة ستكون باهظة.
لا نكشف سرا ان قلنا انه لولا تركيا لما وصلت داعش” الى وصلت اليه اليوم في سوريا والعراق ، فالدعم التركي ل”داعش” هو امر يقر به حتى حلفاء تركيا وفي مقدمتهم امريكا ، فتركيا الى جانب بعض الانظمة العربية في الخليج الفارسي ، اوجدت “داعش” بهدف الاسراع في اسقاط الحكومة السورية ومحاربة الحكومة العراقية ، الا ان تركيا اضافت الى جانب هذين الهدفين هدفا ثالثا وهو ضرب كل محاولة كوردية في سوريا يمكن ان تنتهي الى اقامة ادارة ذاتية لمناطقهم ، والتي قد تنعكس على الجانب الكوردي من تركيا ، وهو ما يفسر كل هذا التمرد التركي على السيد الامريكي ورفض الانخراط بالتحالف الدولي لمحاربة “داعش” ، ف”داعش” تحارب نيابة عن تركيا ضد ثلاث جهات ، يرى فيها اردوغان اعداء اللداء لتركيا ، وهذه الجهات هي الكورد والحكومة العراقية والحكومة السورية.
تركيا حاولت عبر التسويف والمماطلة ان تمنح وقتا اكبر ل”داعش” لانهاء الوجود الكوردي في كوباني ، الا انه لا انقرة ولا حلفاؤها “الداعشيين” لم يتوقعوا هذه المقاومة الشرسة من قبل المدافعين عن كوباني ، حتى امريكا كانت ترى سقوط البلدة بيد “داعش” ليس الا مسألة وقت ، فاذا بمقاومة اهالى كوباني تُسقط اوراق التوت عن عورة قادة تركيا ورقة ورقة وانكشفوا على حقيقتهم ، حلفاء ل”داعش” في حربها ضد ابناء الشعب السوري بمختلف قومياته ومذاهبه.
ان التخبط المشهود في السياسة التركية في التعامل مع قضايا المنطقة وخاصة مع الازمة في سوريا ، سببه انكشاف حقيقة التحالف بين انقرة و “داعش” ، لذلك تحاول تركيا من خلال اتخاذ مواقف مضحكة ، التغطية على عورتها ، ومنها الاصرار على رفض الانخراط في التحالف الدولي الا بعد ان يكون اسقاط النظام السوري هدفا لهذا التحالف ، وتارة ترفض تقديم اي مساعدات حتى انسانية للمحاصرين في كوباني وهو ما أثار استنكارا لدى الرأي العام العالمي ، ومرة تضغط على ما يسمى الجيش الحر لارسال مقاتلين الى كوباني للدفاع عن المدينة بدلا عن اهلها ، واخيرا وفي محاولة لذر الرماد في العيون سمحت تركيا بعد كل هذه المواقف الساذجة ، بعبور 150 من مقاتلي البيشمركه العراقيين الى كوباني.
كل هذه المواقف لن تستر عورة اردوغان بل على العكس زادت من فضيحته امام الرأي العام العالمي ، وصدقت ايران عندما اتهمت وزارة خارجيتها تركيا بانها السبب الرئيسي وراء اطالة الازمة في سوريا التي ادت الى سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين السوريين الابرياء ، وانه كان بالامكان إنهاء الأزمة لو كان المسؤولون الأتراك توقفوا عن المطالبة بتغيير النظام ودعم الجماعات الارهابية في سوريا.