التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

قراءة سريعة في خطابي الشيخين الرفسنجاني والقرضاوي 

منيب السائح –

ردة فعل الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على التصريحات التي ادلى بها رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران الشيخ اكبر الهاشمي الرفسنجاني مؤخرا ، جاءت كما كان متوقعا ، متشنجة واستعلائية.

في الوقت الذي راى فيه الشيخ الرفسنجاني ، ان مسؤولية علماء الامة في هذا الوقت العصيب ، التي تشتعل البلدان الاسلامية بالفتن بسبب الصهيونية والجهل والتعصب والطائفية البغيضة ، تتطلب اتخاذ مواقف ترقى الى مستوى التهديدات والمخاطر التي تشكلها هذه الفتن ، لذلك بدأ ، وكما تمليه عليه مسؤوليته كعالم دين مسلم شيعي ، بتوجيه النقد الى بعض تصرفات الجهلة والمتطرفين من ابناء طائفته ، والتي تسيىء الى الوحدة الاسلامية ، دون ان تاخذه في الله لومة لائم ، وهو موقف لاينفرد به الشيخ الرفسنجاني عن كبار مراجع وعلماء الدين الشيعة في كل العالم ، فهو موقف يجمع عليه كل هؤلاء ، هذا الموقف الذي يمكن وصفه بالنقد الذاتي ، ان صح التعبير ، كان الاولى ان يُستقبل بالترحاب من قبل علماء الدين السنة ، الذين هم ، كما هو الشيخ الرفسنجاني ، قلقون على مصير الامة الذي تتهدده كوارث جمة وفي مقدمتها ظاهرة الشحن الطائفي والخطاب التكفيري الغريزي .

وكما قلنا ، جاء رد فعل الشيخ القرضاوي ، الذي يعتبر نفسه مرجعية دينية لسنة العالم ، على تصريحات الشيخ الرفسنجاني ، متعاليا وقاسيا ، بل طاعنا في نوايا قائلها مشككا بصدقه وصدقيتها ، مسطرا قائمة طويلة من المطالب التي ما انفك يرددها الشيخ القرضاوي بمناسبة او بدونها ، دون ان يكون جازما في موضوعيتها او صدقها ، وكأنه يبذل كل ما في وسعه من اجل وأد كل محاولة او مسعى يمكن ان يقلل من حالة الاحتقان المذهبي والصراع الطائفي الذي اشعلته الصهيونية واجهزة المخابرات الاجنبية والجهل والتعصب الاعمى لدى بعض المسلمين، والذي يصب بمجمله لصالح العدو الاول والاخير للامتين العربية والاسلامية ، الكيان الصهيوني الغاصب للارض والعرض.

وصف القرضاوي في بيان اصدره ، تصريحات رفسنجاني بأنها “مفاجئة ومتأخرة” وانه ينتظر”أفعالا لا أقوالا” ، فهو كعادته ينسف هكذا وبجرة قلم كل جهد اسلامي لايران في التقريب بين المذاهب ، جازما لا مشككا بان ايران ليست صادقة في مسألة التقريب بين المذاهب ، حيث يقول:  “انتظرنا أن نرى من إخواننا في إيران أفعالا على الأرض، تؤكد صدق توجههم للتقريب فعلا لا قولا، فلم نجد إلا كلمات المجاملة في مؤتمرات التقريب، وفرق القتل للسنة على الهوية في العراق، ومساندة النظام الغارق في دماء السوريين، ومحاولات تشييع المسلمين السنة في سائر البلاد”!!.

وبعد ان ينتهي من تلبيس الجمهورية الاسلامية في ايران تهمة الادعاء والزعم لا الفعل والعمل في التقريب بين المذاهب ، يشن هجوما كعادته ايضا على شخص الشيخ الرفسنجاني نفسه ، فيقول ضمن دعوته الى وقف ممارسات بعض الشيعة التي يصفها بالعدائية ضد السنة فيقول :”عقدنا مع الرئيس رفسنجاني نفسه لقاء تليفزيونيا شهيرا، لنعلن فيه على الملأ ما يجب علينا كعلماء مسلمين أن نعلنه، سنة وشيعة معا، لكن غلب على السيد رفسنجاني وعلى علماء إيران الانتماء للقومية على الانتماء للدين”!!.

الى جانب هذا الاسلوب الخطابي الاستعلائي الآمر والمشكك والرافض ، سرد الشيخ القرضاوي مطالب عديدة في صيغة اتهامات منها ، ان على علماء الدين في ايران ان يحرموا “سب الصحابة” وان يقوموا بتجريم من يقول بذلك ، وان تبنى ايران مساجد للسنة ، وان تكف ايران عن تشييع السنة!!.

كل ما قاله القرضاوي بشان ايران والاتهامات للشيعة في العراق وفي غير العراق وعن محاولات ايران لتشييع السنة و”سب الصحابة” ، قد تم الرد عليها في عشرات بل مئات المقالات ، ولكن يبدو ان المحيطين بالقرضاوي لا ينقلون له الردود المنطقية والموضوعية على قائمة اتهاماته المعروفة ، لذلك نرى الرجل يعيدها كما هي ومنذ سنوات دون تغيير ، الا انه اضاف اليها الموضوع السوري مؤخرا ، لذلك نرجوا من المحيطين بالقرضاوي ان ينقلوا له خلاصات تلك الردود ، نكون شاكرين لهم .

ولكن رغم ذلك سنرد على اهم هذه الاتهامات صورة سريعة حتى لا نظهر بمظهر من يتهرب من الرد:

-تُتهم الجمهورية الاسلامية في ايران ، من قبل اخواننا السنة ، بانها تخضع لنظام الولي الفقيه ، وهو نظام ، حسب ما يقول اخواننا ، لا يُتخذ فيه امر مهما صغر دون موافقة قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد علي الخامنئي!! ، وان كل ما يقوله سماحته اوامر يجب ان تنفذ بحذافيرها ، ولا اجتهاد امام ما يقول ، لذا وامام هذه الرؤية ماذا  يقول القرضاوي وغيره في الفتوى التي اطلقها سماحة اية الله الخامنئي بحرمة التعرض لأم المؤمنين عائشة والصحابة ؟ ، الا تعتبر هذه الفتوى نافذة على الجميع ؟، الا تكفي هذه الفتوى دليلا على رفض ايران قيادة وحوزة وشعبا مثل هذه القضايا الفتنوية؟.

-ما قول القرضاوي في مواقف المرجع الديني الاعلى للشيعة في النجف الاشرف سماحة اية الله السيد على السيستاني ، من سنة العراق ؟، اليس هو صاحب العبارة الشهيرة “السنة انفسنا” ؟.

-اما قتل السنة في العراق على يد الشيعة ، فنحن لا نرجو فقط من القرضاوي بل نَصُرّ ونؤكد عليه ان يطلب من رئيس المجلس الوطني العراقي ، كونه شخصية سنية ، او ان يطلب من المنظمات التابعة للامم المتحدة ، كونها محايدة ، احصاء بعدد قتلى الشيعة والسنة في العراق منذ عام 2003 الى اليوم ، ونترك الارقام هي التي تتحدث ، لا التقارير المزيفة والمسمومة التي تزوده بها جهات طائفية حاقدة ؟.

-نرجو من الشيخ القرضاوي ان يشاهد قناة “الجزيرة” التي لا ياتيها الباطل ابدا!!!، ويرى اين تنفجر السيارات المفخخة في العراق؟، وان يفجر الانتحاريون انفسهم ؟، وكم عدد هذه السيارات والانتحاريين في كل شهر ؟، وفي الاخير اذا كان مهتما ان يحصي عدد القتلى والجرحى والارامل والايتام في كل شهر؟.

-اما في سوريا ، فنقول : ياشيخنا القرضاوي لماذا كنت تؤيد المقاومة الاسلامية في لبنان والمتمثلة بابطال حزب الله وهم يذلون الصهاينة ، بالقوة التي كانت ومازالت عامرة في قلوب ابطال هذا الحزب ، وبالقوة العسكرية التي حصلوا عليها من سوريا وايران ؟،  اعتقد انك اجبت على هذا السؤال بقولك : لانهم كانوا يقاتلون اسرائيل ، الا انهم الان يقاتلون الى جانب الحكومة السورية ؟، بدورنا نقول لك يا شيخنا : لماذا تتصور ان موقف حزب الله الداعم للحكومة السورية نابع من موقف طائفي ؟، لماذا لا تقبل حقيقة ان هذا الموقف الداعم سببه ان القوة التي اذل بها الحزب اسرائيل جاءت من سوريا عندما كان شيوخ النفط لا يبخلون بالدرهم على الحزب فحسب بل يتفقون مع اسرائيل من وراء الكواليس للقضاء على هذا الحزب ؟، اليس من حق حزب الله الذي يعتبر نفسه حلقة من حلقات محور المقاومة ان يدافع عن الحلقة السورية ، وان هذا الموقف لا علاقة له باي خلفيات مذهبية وطائفية ، والدليل القاطع على ذلك هو موقف الحزب من القضية الفلسطينية والقدس وحماس والجهاد الاسلامي ، وهو موقف معمد بالدم ، ويمكنك شيخنا الفاضل ان تراجع ارشيف الحروب التي خاضها الحزب ضد عدو الامة ، لترى بام عينك اشلاء عشرات الالاف من شهداء المقاومة والشيوخ والاطفال والنساء ، وكذلك لترى الضاحية الجنوبية لبيروت ، ضاحية العز والكرامة والشموخ ، كم مرة سويت بالارض.

مثل هذا الموقف المشرف لحزب الله وقفته سوريا كما وقفته ايران ، فلماذا ياشيخنا الفاضل يتحول هذا المحور الذي له كل هذا التاريخ المشرف في منازلة عدو الامتين العربية والاسلامية ، يتحول الى محور “شيعي ، طائفي ” لانه يرى في اسقاط الحكومة السورية ، مؤامرة تستهدف محور المقاومة وفلسطين والقدس ، لاسيما وهذا المحور يرى من هي الدول التي تقف وراء الدفاع عن الشعب السوري و”ثورته” وعن الديمقراطية والحرية والكرامة الانسانية ، ولا نريد ان نذكر هذه الدول احتراما لمشاعرك شيخنا الفاضل.

-اما تهمة وقف عملية تشييع السنة ، ورغم احترامنا للشيخ القرضاوي ، الا ان هذه التهمة تثير السخرية ، فهي تهمة يمكن ان يطلقها الشيعة ايضا ، بل انها تكون اكثر موضوعية لو كان مطلقها عالم دين شيعي ، لاسباب معروفة ، اولا ان الشيعة اقلية  بين المسلمين ، وهم قطرة في بحر السنة ، فكيف يخشى البحر من القطرة بينما لا تخشى القطرة من البحر ان يبتلعها؟، ثانيا : كيف يمكن اثبات هذه التهمة ، وهل تحول بعض المسلمين من المذاهب السنية الى المذهب الشيعي في مكان ما من العالم ، يعني ان هناك ارادة ايرانية كانت تقف وراء تحولهم ؟، ام هي قضايا فردية يصل اليها بعض الناس بطريقة شخصية؟، وهل يمكن في عصر الاتصالات ان نضرب طوقا على الانسان ونحرمه من اي وسيلة اتصال خوفا من ان يتشيع؟ ، واذا ماذا لو فشلنا في عزله عن العالم الخارجي وتشيع ، هل يجب ان نتهم ايران والحوزات العلمية في العراق وغيرها بانها وراء تشيعه ؟.

ان هذه التهمة يمكن ان يلصقها الشيعة بالسنة ايضا ، لوجود حالات كثيرة تحول بها مسلمون شيعة الى المذهب السني ، فهل يمكن ان يندب علماء الشيعة حظهم ويتهمون اخوانهم السنة بانهم “سننوا” الشيعة؟.

اليوم لا حاجة ان يقوم السني  بالسفر سرا الى ايران او العراق للتعرف على الشيعة ، ولا الشيعي بحاجة ليسافر سرا الى السعودية ومصر للتعرف على السنة ، فبامكانهما التعرف على العالم اجمع عبر وسائل الاتصال الحديثة التي حولت العالم الى قرية صغيرة ، لذلك لا نتمنى لاخواننا السنة ، لاسيما في الازهر الشريف ، ان يتعاملوا مع هذا الموضوع بالشكل الذي يدعو اليه الشيخ القرضاوي ، لانه ببساطة لا يليق بمكانة اهل السنة في العالم ولا بالازهر الشريف ولا بتاريخه المشرف ولا بعلمائه الاعلام ، ان يُحاكم رمز شامخ من رموز الازهر الشريف وهو الشيخ الجليل الاستاذ احمد كريمة ، لمجرد انه  زار ايران!!.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق