صراع القوة .. ام صراع الحضارات
د . ماجـــد أســد
اذا سلمنا بالتعريف الكلاسيكي للحضارة كونها ثمرة العقل البناء للوجود البشري وكون الحضارة قيمة عليا لامكانات تحقيق الوجود الانساني العادل و الجميل فان سؤال اينشتاين المعقد و الواضح ايضا اي لماذا تطورت العضلات اكثر مما تطور الضمير الانساني .. يفرض علينا التفكير بعمق و نحن نواجه اسئلة غاية في الارباك و الغموض و في مقدمتها : لماذا يؤدي الصراع بين الحضارات الى الثروة المتمثلة بالحروب و سفك الدماء ؟ فهل تفرض طبيعة الوجود البشري هذا السلوك الغريب و الشاذ الذي لا نجد مثيلا له في مملكة الحيوان او النبات او الجماد !!
لسنا بصدد اجابات حاسمة و اخيرة .. بل هذه الاسئلة تقود الى الاسئلة .. فمنذ كان للانسان خبرة تراكمية واعية و جمالية ، اي خبرة حضارية تمثل ازمنته و تمثل قيمه و معتقداته كانت شرارة ( القتل ) سمة اولى له. فالقتل الاول حدث بين قابيل و هابيل. و الانسان ، الفرد يمارس القتل يوميا ملايين المرات و بهدوء تام : انه يمارس القتل من اجل البقاء .. فالغذاء الذي نتناوله هوشهادة على هذه الممارسة لكن الرهان جاء بفعل اشراقة ما غير واضحة لعمل الدماغ البشري ، و ذلك عندما صار الكفاح يخص تهذيب الطبائع ، وتحديد الاهداف المشتركة للجماعات السكانية و بالتالي في عصرنا لتحديد مصير سكان الارض بلا استثناء .
ولكن لماذا شهد التاريخ ويلات و سفك دماء و صراعات بلا حدود ؟
و لماذا لم يستطع البعد الحضاري ان يضع الحد المطلوب لنمو العضلات على حساب نمو الضمير الذي هو احد اشكال الحضارة ؟
من ذا يستطيع القول بشيء ذي نفع ونحن في عصر يشهد مئات الانتهاكات الحضارية ام علينا ان نقول : ان هذه المآسي تحدث باسم ( الحضارة) وترتدي رداء القوة باسم العدل ؟ ام ان طبيعة التقدم البشري في هذا الشكل الغزيب و المخيف و المفزع هو جزء من جوهر الشكل الحضاري و اعماقه ؟
اذن هل تستسلم الشعوب لهذا الحكم الغامض .. ام ان ( الدورات ) الحضارية محكومة بقوانين لا علاقة لها بالعقل البشري و لا بالكفاح الحضاري اصلا ، او انها هكذا بلا حل ، و الشعوب تكافح كأن قدرها ارتبط بهذا الكفاح .. والحضارة في الاخير هي حضارة هذا الصراع القائم على القوة !!
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق