حرب النفط … السعودية وأمريكا ضد روسيا وإيران والعراق
أ.د. عبدعلي كاظم المعموري
يجمع المختصين بشؤون النفط من أنه سلعة سياسية بأمتياز، ونلحظ ذلك بوضوح منذ عام 1973 ولحد الآن، ولعل تجريم منظمة اوبك باعتبارها كارتلاً نفطياً تسعى الى فرض اسعار احتكارية من خلال تنظيم كميات الانتاج للمحافظة على مستوى محدد من العرض النفطي، حتى إن البعض في الولايات المتحدة والدول الاوربية كان يطالب باتخاذ العقوبات ضد هذه المنظمة لتهديدها مصالح الدول الصناعية الكبرى من خلال التأثير في اسعار النفط، وعدو الازمات والتباطؤ في معدلات نمو اقتصاداتها دالة في اسعار النفط، من دون الاكتراث بارتفاعات الاسعار التي تتحملها بلدان النفط نتيجة استيرادها الكثير من السلع الاوربية والاميركية المحملة بالتضخم .
وظلت البلدان المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة ترى في السعودية، مرتكزاً استراتيجياً لها في المنطقة سواء في البعد السياسي أو الاقتصادي، فهي تظل أمينة على مصالح أميركا وحليفتها اسرائيل من ناحية، ومقوض اساس لكل مشروع أو تحركات من شأنها مواجهة استراتيجيتها في المنطقة، وفي البعد الاقتصادي ظلت السعودية هي المنتج المتمم في السوق النفطية (أي هي التي تقوم بتعويض نقص الامدادات نتيجة أي حدث)، فقد عوضت انتاج العراق وايران في عقد الثمانينات، وعوضت انتاج العراق أبان الحصار، وعادت لتعوض حصة ايران بسبب العقوبات وليبيا بسبب العنف والارهاب.
وبسبب من تشكل محور لمواجهة الولايات المتحدة في المنطقة، أعيد تكليف السعودية بأداء دورها المعتاد تساندها جملة عوامل موضوعية، وهي تهدف الى حرمان ايران وروسيا من الامكانات التي تسند دورها والناتجة عن ارتفاع اسعار النفط فوق حاجز 100 دولار، لا سيّما وإن كلا البلدين يتسمان بالريعية النفطية، وهو ما يهدف الى اضعاف هذا المحور واخراج الصين من تحالفهما، كون الصين تستطيع تعظيم نموها الاقتصادي من خلال انخفاض اسعار النفط، إما فيما يخص العراق فالمشروع الموضوع له يرتكز على حرمانه من مصادر الريع النفطي، في جملة تحديات حقيقية من مثل مشكلات الارهاب والعنف والفساد والصراع الطائفي، وعدم توجيه موارده نحو التنمية وإعادة الاعمار، وابقاءه غير مستقراً لآجل ليس بالقصير، وهذه استراتيجية اسرائيلية معلنة ومنشورة.
على وفق هذا فإن اسعار نفط الشرق الاوسط من المحتمل أن تكون ما بين 60-70 دولار للسنوات القادمة، وتشير التوقعات الى أن عام 2017، سيشهد أزمة اقتصادية وتراجع بمعدلات النمو الاقتصادي في البلدان الصناعية، وهو ما يؤثر على حجم الطلب العالمي على النفط في مقابل زيادة عرض دول الاوبك للحصول على موارد اضافية من العوائد، بجانب دخول دول أخرى الى حلبة الانتاج النفطي خارج الاوبك، وتزايد انتاج الوقود الصخري في الولايات المتحدة وبعض البلدان، إذ من المتوقع أن يصل انتاج النفط الصخري الى 4 مليون برميل للسنوات 2016-2017، وربما تستطيع الامكانات التكنولوجية الأميركية وهي (أم الصناعة النفطية في العالم) الى خفض تكاليف انتاج الوقود الصخري، واحتكار ذلك على حساب عدم تمكن الصين وأوربا من ذلك.
والاشكالية التي سيعاني منها العراق هو كيف يمكن له أن:
1- الايفاء بالعجوزات في موازنته والتي بدأت من العام الحالي 2014؟.
2- كيف يستطيع تمويل الانفاق العسكري المتزايد لمحاربة الارهاب وداعش؟.
3- كيف يستطيع تمويل الانفاق على البنى التحتية؟
لهذا لابد من أن يناقش مجلس الوزراء ومن خلال الاستعانة بالخبراء موضوعة اعداد الموازنة القادمة من جهة، وكيفية مواجهة الاثار التي يتركها تراجع سعر النفط على الاقتصاد العراقي؟
لذلك لابد من تشكيل لجنة اقتصادية ترتبط برئيس مجلس الوزراء من المتخصصين والخبراء المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والعلمية من مثل د. مظهر محمد صالح وآخرين كثر، لإدارة أزمة انخفاض اسعار النفط.
يتضح مما عرضناه سابقاً أن عجز الولايات المتحدة وحلفائها الاقليميين من اضعاف محور الدول الرافضة للهيمنة الأميركية، سيدفعهم الى الاعتماد على الجوانب الاقتصادية بجانب الأساليب الأخرى لكبح أو تقزيم دور هذا المحور، والمستهدف الأكبر في هذا روسيا– ايران، لذلك ستسعى الولايات المتحدة مع السعودية الى الضغط على دول البريكس لفك عرى هذا المحور، وبالتالي محاصرة روسيا ولجم تطلعها نحو تأدية دور كبير في عالم تريده متعدد الاقطاب، وإعادتها إلى الدور الذي كانت عليه أبان بوريس يلتسين، والذي خفف كثيراً مجهودات أميركا من ظهور قوى تنازعها الهيمنة.
في حين تشكل حرب النفط السعرية التي تنفذها السعودية، محاولة الى تعجيز الدور الايراني في اسناد حلفائها في المنطقة ومنهم سوريا، مستفيدة من اقتراب انتهاء المدة المحددة لمناقشة الملف النووي الايراني، لذلك استبقت السعودية الاحداث وفتحت حرباً اقتصادية ضد ايران وضمنياً ضد روسيا، نتيجة تمسكها بتصدير (9) مليون برميل يومياً، لا سيّما وإن متوسط تكلفة استخراج النفط السعودي لا تتعدى (22) دولار. وهو ما سيلحق اضرار فادحة لكلا البلدين، متزامنة مع العقوبات المفروضة عليهما.
والسؤال إلا يشكل هذا تهديداً للأمن القومي الروسي وهي لن تسكت عن ذلك؟ الا يشكل الضغط على ايران من خلال اسعار النفط حالة مقاربة مع ما حدث للعراق بعد حربه مع ايران، وهو ما دفع النظام السابق الى غزو الكويت، لهذا تبدو لعبة خفض الاسعار عن طريق اغراق السوق النفطية، حالة مستديمة تمارس دول النفط الخليجية برسم السياسة الأميركية.
هل تريد السعودية جر ايران الى نقطة قتل مختارة، حتى تبرر لأميركا وحلفائها اتخاذ قرارات دولية تحت الفصل السابع بما فيها الاعمال العسكرية، وهو ما يتوافق مع دعوة الملك السعودي لأميركا بضرب ايران والتخلص منها، وهو ما يتسق تماماً مع الرغبة الاسرائيلية، ما هي ردود فعل ايران المتوقعة، وهي ليست العراق عام 1990، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، هل تتحمل المنطقة هذا التصعيد الخطير ولصالح من؟
هل السعودية استشعرت الخطر الداهم الذي بدا يقترب منها رويداً رويداً، بجانب تفجر الاوضاع والحراك الشعبي الخفي المطالب بالمزيد من الحريات ولجم المؤسسة الدينية، هل تسعى السعودية الى مقايضة ازمتها بعوائد النفط، هل دخلت المنطقة حربين معاً هما حرب داعش وحرب النفط، وكلاهما يعد مراً.
المنطقة على شفى أوضاع تفجر كبرى، بعدما استعصى على أميركا وحلفائها تطويعها عبر الحرب الناعمة وقواها، ولابد من فوضى خلاقة تمتد من الاوضاع السياسية الى الاقتصادية مروراً بالاجتماعية، لتنتهي بصطفاف جديد وعلى معطيات جديدة. والويل لمن يكون حطبها؟.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق