خطط إسرائيلية غير قابلة للنجاح !
د. عادل محمد عايش الأسطل
خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1987، والتي تركزت على سلاح الحجارة، اضطرّت إسرائيل إلى ضخّ عددٍ من الإجراءات بهدف التصدّي لها والقضاء عليها، وكان من جملة هذه الإجراءات التضييق على الفلسطينيين بشكلٍ عام، من خلال اتخاذ العديد من القرارات العقابية الفردية والجماعية، بالاعتقال والتعذيب والسجن بأحكام عالية، وتقرير حصار تام على الضفة العربية وقطاع غزة، يشمل تقليص الخدمات ومنع العمال من مواصلة أعمالهم داخل الخط الأخضر، إضافةً إلى صور عقابية أخرى وعلى رأسها منع التجوال لمددٍ طويلة وغير ذلك، تلك الإجراءات لم تُحدث أي تغيير من شكل الانتفاضة، ولم تقلل من عزيمتها، بل كانت تعلو جذوتها في كل يوم وساعة، ولم تتوقف إلاّ حين الإعلان عن اتفاقية سلام (أوسلو) التي بشرت بنهاية مرحلة العداء وإقامة الدولة الفلسطينية.
خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) في العام 2000، والتي اندلعت في أعقاب اقتحام أريئيل شارون لباحات الأقصى، وفي ضوء انغلاق الأفق السياسي بشأن العملية السياسية، والتي اتسمت هذه المرة بمقاومة أعلى وهي المقاومة المسلحة، لجأت إسرائيل وفي حكم اليسار “إيهود باراك” إلى تطوير إجراءاتها العقابية، ليس ضد الشعب الفلسطيني وحسب، وإنما ضد السلطة الوطنية أيضاً، فبالإضافة إلى الإجراءات العقابية المختلفة فقد قررت تدمير السلطة والتقليل من جريها وإضعافها كي تقوم بإنهاء الانتفاضة وبمحو دعمها لها، وبتخفيض سقف مطالبها من ناحيةٍ أخرى، ولم تنطفئ جذوتها إلاّ عندما تم فتح طرق جديد في شأن المفاوضات، والتي ارتكزت على تنازلات إسرائيلية لصالح العملية السياسية، ستقوم بتنفيذها وفق مواعيد زمنيّة محددة.
الآن وعلى ضوء الأحداث العنيفة الجارية في القدس المحتلة، والتي كان سببها النشاطات الإسرائيلية ضد المقدسيين، واليأس السياسي بشكلٍ عام، وضد المسجد الأقصى بشكلٍ رئيسي، والتي لا يستعجل البعض في إطلاق عليها تسمية انتفاضة ثالثة، وأنها فقط مجرّد احتجاجات، فإن إسرائيل قد أخذتها على محمل الهزل بادئ الأمر، لاعتقاد قادتها بأنها لن تستمر أكثر من يومٍ أو بعض يوم، حيث لم تجتهد حكومة “بنيامين نتانياهو” حتى بالنظر إليها، ولكنها تدريجياً اضطرت إلى الانتباه إلى شيء متنامٍ، يعمل باتجاه فقد السيطرة على الوضع العام، على الرغم من عدم الرضا التام من جهة السلطة في تقويض الهدوء والتي برزت من خلال دعوة الرئيس الفلسطيني “أبومازن” إلى الالتزام الهدوء، كذلك فإن اللقاء الثلاثي(الأمريكي، الإسرائيلي الأردني) إضافةً إلى الفلسطيني بشكلٍ منفصل، لم يكن حاسماً لأعمال العنف الجارية.
ثار الخلاف وعلا الجدل، ليس داخل الحكومة الإسرائيلية وحسب، بل على النطاق الإسرائيلي بجملته في ضوء تعاظم الأعمال الاحتجاجية، حتى اضطر بعضاً من الإسرائيليين أنفسهم، إلى وسمها بالانتفاضة، والتمسوا إلى ضرورة أن تعمل إسرائيل على حمل مسبباتها بعيداً عن الساحة التي ليست بحاجة إلى الاشتعال أكثر ممّا هي مشتعلة، لكن هناك اليمين المتطرّف لا يزال مسيطراً، و”نتانياهو” الذي يحرص على أن بقاء الأوضاع بشأن القدس كما كانت عليه في السابق، لا يزال محتاجاً إليه، وهو يغمض بألم عن نشاطاته، على الرغم من توجيه أجهزته الأمنيّة إلى أن الأمور لا تذهب إلى خير، وصلت إلى حد التحذير من انهيار المشروع الصهيوني، في حال لم تتمكن الحكومة الإسرائيلية من اللحاق بالمبادرة العربية.
اليمين لا يزال متأمّلاً في الانتهاء من مرحلة العنف المقدسي، بمعزل عن الحلول السياسية، وذلك من خلال اللجوء إلى الحلول الأمنيّة، وفي كل مرّة يتحجج بالنشاطات العربية ضد مواطنيها، بداية من اقتراحات المجلس البلدي الذي يرأسه “تير بركات” وإجراءات الشرطة الإسرائيلية، ومروراً بتوصيات الأجهزة الأمنية – الشاباك، والمخابرات، مؤسسة الجيش- وانتهاءً بقرارات الحكومة المتتالية، والتي كلّها إلى حد الآن لم تكن ناجحة ولا على أيّ باب.
وعلى الرغم من ذلك وكأن إسرائيل تشتهي العنف، فقد أقدمت على خطوات تصعيدية أكثر، وهي التي توضحت في إعلان رئيس لجنة الكنيست “يولي أدلشتاين” عن وضعه خطة أخرى، لأجل أن تأخذ طابعاً قانونياً، تتضمن ثمانية مراحل للتعامل مع الانتفاضة، في إسرائيل عامة، وفي القدس خاصة، ومن أبرزها، إلغاء الجنسية الإسرائيلية على من تثبت إدانتهم بإحداث العنف، وهدم منازل عائلاتهم خلال 24 ساعة، والترحيل بعد انتهاء حكمه إلى خارج الأراضي الإسرائيلية، ومنع تسليم الاستشهاديين إلى ذويهم ودفنهم في أمكنة لا تسمح بالوصول إليها، إلى جانب السحب الأوتوماتيكي للجنسية الإسرائيلية، بالإضافة إلى فقده حقه في الحصول على الأموال من مؤسّسة التأمين الوطني الإسرائيلي، وهذه الإجراءات ولا شك تحتاج إلى جهود مُقابلة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق