نووي ايران.. مناورات دبلوماسية تكشف مواقف ازدواجية
كمال عبيد
بعد نحو عام من الجهود الدبلوماسية الصعبة والمحادثات المكثفة بين إيران والقوى العالمية الست للمرة الثانية في حل نزاع مضى عليه 12 عاما بشأن الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية تم تمديد المفاوضات النووية الايرانية سبعة شهور أخرى للوصول الى اتفاق تاريخي، ويرى كثير من المحللين أن تمديد المحادثات النووية سيؤدي الى حفظ فرص الحوار، لكن المحادثات تمثل فشلا جزئيا قياسا الى الهدف الاهم للتوصل الى اتفاق، كما تثير موجة انتقادات لدى المتشددين في واشنطن وطهران المعارضين للرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الايراني المعتدل حسن روحاني.
في الوقت نفسه يرى بعض المراقبين إن طهران ترفض التزحزح عن مطالبها لمواصلة تشغيل معظم أجهزة الطرد المركزي الخاصة بالتخصيب والعاملة حاليا. وتلقي إيران بمسؤولية الجمود على الغرب وتتهمه بطرح مطالب مبالغ فيها على الجمهورية الإسلامية.
بينما تساءل عدة مراقبين آخرين عن جدوى تمديد المحادثات من جديد قائلين، ليس ثمة ما يدعو إلى التوقع بأن يبدي الإيرانيون مزيدا من المرونة المطلوبة لإنهاء المأزق خلال الشهور القادمة. وشككوا أيضا في رغبة القيادة الإيرانية بالتوصل لتسوية.
وقد جسدت الجدلية السياسية والدبلوماسية الساخنة بين الرئيس الامريكي والرئيس الإيراني حسن روحاني النوايا المعلنة لسبق الأحداث خلال الاونة الأخيرة، بعدما قاد الأخير حملة دبلوماسية بمرونة سياسية غير مسبوقة في مسعى للتواصل مع الغرب من أجل تخفيف حدة التوترات والضغوط والعقوبات التي أنهكت الاقتصاد الإيراني، فضلا عن بناء علاقات جديدة مع أمريكا تحديدا لفتح كوة بجدار الصراع المستدام بينهما كونه يخلو من الحلول الوسطى منذ عقود، لكن تمديد المفاوضات يشير الى موجة جديدة من المناورات الدبلوماسية والمواقف الازدواجية للوصول الى صفقات سياسية أكثر فعالية وفائدة للطرفين بطريقة براغماتية، لخلق اجواء اكثر هدوءا في اسخن منطقة بالعالم سياسيا وامنيا، لذا يرى بعض المحللين أن تلطيف العلاقات بين الولايات المتحدة وايران قد يؤدي إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة، إلا أن ذلك لن يتم إلا إذا نتج هذا التطور الإيجابي عن تعديل إيران لطموحاتها وسياساتها الإقليمية.
فيما تعد العقوبات الاقتصادية الغربية ضد ايران بمثابة السلاح الغربي لحرب ناعمة طويلة الامد مع الجمهورية الاسلامية، فقد ألحق هذا السلاح الناعم أضرارا كبيرة بالاقتصاد الإيراني لكن في الوقت الحاضر مع تمديد المفاوضات يبقى مصيرها معلقا بين الخروج من عنق الزجاجة بطريقة شبه مستحيلة أو ستواصل مسيرتها نحو النهايات المفتوحة.
وعليه تشير المعطيات آنفة الذكر الى ان النزاع النووي بين ايران وخصومها يتسم بالمناورات السياسية والأجندة المجهولة في مختلف مراحله وتطوراته السابقة، بسبب معضلة فقدان الثقة بين الإطراف المتخاصمة، لذا فليس من السهل الحصول على تسوية سريعة لنزاع مشوب الغموض.
في حين تظهر حرب التصريحات السياسية من لدن الجهات المتشددة في ايران وأمريكا محاولة لتغيير البوصلة السياسة الدولية، من أجل تحقيق نوايا تفضح تناقض الكلمات، ومن أجل سبق الأحداث وكسب حرب الغنائم المعنوية، مما يعني ان هذه التصريحات العملاقة دليل يوضح مدى الضعف الداخلي للغريمين، خصوصا وأنهما يتعرضان لانتكاسات اقتصادية وتحديات عسكرية تستنزف الخزين المادي لاقتصاد بلديهما، من خلال تصنيع وشراء الأسلحة وغيرها من الاغراض التي تتعلق بالشأن العسكري، وعليه فإن الأجندة آنفة الذكر، متعددة الأوجه والأشكال وتستعرض ادوارا مختلفة من الاهداف السياسية باستخدام إلاستراتيجية التدريجية المرنة.
قوى الاستكبار فشلت في تركيع ايران
في سياق متصل قالت تغريدة على حساب يعتقد خبراء إيرانيون إن مكتب الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يديره إن قوى “الاستكبار” سعت جاهدة لتركيع إيران إلا أنها فشلت، وفي تعليق يشير على ما يبدو إلى فشل إيران والقوى العالمية الست في انهاء نزاع مستمر منذ 12 عاما بشأن طموحات إيران النووية قالت التغريدة التي كتبت بالانجليزية “فيما يتعلق بالقضية النووية سعت قوى الاستكبار جاهدة لتركيع إيران إلا أنها لم ولن تتمكن من تحقيق ذلك”. بحسب رويترز.
وفي تغريدة ثانية بدا خامنئي وكأنه يتهم الغرب بالتدخل في الفوضى في الشرق الأوسط قائلا إن الإسلاميين المتشددين حولوا انتفاضات الربيع العربي إلى اقتتال بين المسلمين “تماشيا مع أهداف قوى الاستكبار”، وأشارت التغريدة إلى المتشددين السنة، وقال في تغريدة ثالثة على نفس الحساب “التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية كذبة صارخة. تريد الولايات المتحدة عن طريق تنظيم الدولة الإسلامية استمرار الحرب بين المسلمين”.
تمديد المحادثات
من جهتهم قال مسؤولون غربيون إنهم كانوا يهدفون للتوصل لاتفاق بشأن قضايا جوهرية لاتفاق نهائي بحلول مارس آذار القادم إلا أن الأمر يتطلب مزيدا من الوقت للوصول الى توافق بشأن جميع التفاصيل الفنية المهمة، ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن الرئيس الإيراني حسن روحاني قوله إنه “تم تضييق الكثير من الفجوات وتقريب المواقف بيننا وبين الجانب الآخر” خلال المحادثات في فيينا.وأضاف قوله “صحيح أننا لم نستطع الوصول إلى اتفاق لكن يمكننا القول إن خطوات مهمة اتخذت”، وأعطى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تقييما أكثر تشاؤما وقال “أحرزنا تقدما حقيقيا وملموسا” لكن ما زالت “هناك بعض نقاط الخلاف المهمة”، وقال للصحفيين “هذه المحادثات لن تصير أسهل من ذي قبل لمجرد أننا مددناها. إنها صعبة.. كانت صعبة.. وستبقى صعبة”.
وقال روحاني الذي ناقش المسألة النووية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الهاتف “أنا على يقين بأننا سنتوصل إلى اتفاق نهائي إن لم يكن اليوم فغدا”، واضاف قائلا “ما من شك في أن التكنولوجيا النووية ومنشآت الجمهورية الاسلامية الإيرانية ستبقى نشطة واليوم تدرك الأطراف المتفاوضة أن الضغوط والعقوبات على إيران لم تكن مجدية.”
وأكد مسؤول إيراني تمديد المحادثات مثلما أكده وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي كرر تصريحات كيري بشأن إحراز تقدم جوهري، وأظهر تقرير لوكالة الطاقة الذرية الدولية التابعة للأمم المتحدة أن إيران خفضت مخزونها من غاز اليورانيوم منخفض التخصيب واتخذت إجراءات أخرى لتلتزم بالاتفاق المؤقت الذي أبرمته مع القوى الكبرى في العام الماضي.
وفي بيان مشترك قال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ومبعوثة الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون التي تنسق المفاوضات بالانابة عن القوى العالمية “نبقى مقتنعين بانه بناء على التقدم الذي تحقق والافكار الجديدة التي نواصل استكشافها فانه يوجد مسار ذو مصداقية يمكن من خلاله الوصول الي حل شامل”، وقال البيان “نعتزم البناء على قوة الدفع الحالية من اجل إتمام هذه المفاوضات في أقصر وقت ممكن”.
الطريق صعب
من جانبه قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري “إذا تمكنا من ذلك (الوصول لاتفاق) في وقت أقرب فسنفعل ذلك في وقت أقرب.. هذه المحادثات لن تصير أسهل من ذي قبل لمجرد أننا مددناها. إنها صعبة. وكانت صعبة. وستبقى صعبة”، وتابع أن القوى لن تواصل الحديث مع إيران إلى الأبد من دون إحراز تقدم جاد. ولكن الوقت غير موات للتراجع.
وقال “في الأيام الماضية في فيينا أحرزنا تقدما حقيقيا وملموسا وشاهدنا أفكارا جديدة تظهر” مضيفا أنه ما زالت “هناك بعض نقاط الخلاف المهمة”، وشدد على أنه لن يكون هناك مزيد من التخفيف للعقوبات المفروضة على إيران غير ذلك الذي اتفق عليه بموجب الاتفاق المؤقت الذي تم توقيعه قبل عام في فيينا. بحسب رويترز.
وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند للصحفيين في وقت سابق إن ايران ستستمر في تلقي نحو 700 مليون دولار شهريا من أموالها المجمدة خلال فترة التمديد للمحادثات، وبدا أن كيري يتوقع انتقادات حينما يعود إلى واشنطن مع استعداد جمهوريين متشددين للسيطرة على الأغلبية في مجلسي الكونجرس. ودافع بقوة عن قرار حكومة الرئيس باراك أوباما بعدم التخلي عن المفاوضات على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق نهائي.
وقال رافعا صوته “سيكون من الحماقة أن ننسحب في وضع تم فيه تمديد الوقت الحاسم (لإيران لاكتساب سلاح نووي) بدلا من تضييقه وبات العالم في حال أكثر أمنا مع وضع هذا البرنامج”، وأعلن بعض كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في واشنطن أن تمديد المحادثات النووية مع ايران يجب أن يتضمن فرض عقوبات جديدة وهو ما حذرت حكومة أوباما من أنه قد يفسد المحادثات.
وقال كيري إن إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج الذين ينظرون بارتياب إلى برنامج طهران النووي باتوا أكثر أمنا بفضل الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل اليه قبل عام مع ايران وتم الآن تمديده. وقال أيضا إن المتشككين الذين تنبأوا أن الاتفاق المؤقت سينهار وأن إيران ستنكث بوعودها ثبت خطأهم، وقال “هل تعرفون؟، الاتفاق المؤقت لم ينتهك. وإيران أوفت بالجانب الذي يخصها من الاتفاق ونظام العقوبات ما زال سليما”.
الخطة البديلة
الى ذلك يقول المسؤولون الإيرانيون إن بوسعهم التحول إلى بكين أو موسكو إن أخفقت المحادثات الجارية في فيينا بهدف إنهاء العقوبات الغربية.. لكن مع انخفاض أسعار النفط وتباطؤ اقتصاد الصين وتأثر روسيا بعقوبات مفروضة عليها هي الأخرى لا تبدو “خطة طهران البديلة” حلا مثاليا. بحسب رويترز.
ورغم أن بالإمكان تمديد أجل المهلة كما حدث في يوليو تموز الماضي يقول مسؤولون إيرانيون إنهم يعملون على خطة بديلة حال انهيار المحادثات تماما وهو ما سيدفعهم للتحول شرقا وشمالا للحصول على دعم دبلوماسي واقتصادي.
وقال مسؤول إيراني بارز لرويترز “لدينا بالطبع خطة بديلة… لا يمكنني الكشف عن مزيد من التفاصيل لكن تربطنا دائما علاقات طيبة مع روسيا والصين. ومن الطبيعي إذا فشلت المحادثات النووية أن نزيد من تعاوننا مع أصدقائنا وأن نقدم لهم فرصا أكبر في السوق الإيرانية ذات الإمكانيات المتميزة”، وأضاف “لدينا آراء مشتركة (مع روسيا والصين) فيما يخص العديد من القضايا ومنها سوريا والعراق”.
وقال علي فائز وهو محلل بارز للشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية “يرى بعض الزعماء الإيرانيين أن بوسعهم في حالة الفشل أن يعولوا على جيرانهم لتفادي العقوبات ويعتمدوا على أجواء المنافسة بين القوى الكبرى للحد من القيود لكن نجاح هذه الاستراتيجية ليس مضمونا”، وأضاف “من ناحية أخرى أخذت روسيا والصين مرارا جانب الغرب في عزل إيران. كما أنه من غير المعروف إلى أي مدى يمكن أن يتعافى الاقتصاد دون تخفيف ذي مغزى للعقوبات في ظل هبوط أسعار النفط”.
غير أن دبلوماسيا غربيا يشارك في المحادثات عبر عن ظنه أن الدافع الذي يضغط على إيران للتوصل لاتفاق أقل شدة الآن منه في العام الماضي نظرا للقدر المحدود من تخفيف العقوبات الذي يجري التفاوض عليه، وأشار أيضا إلى رغبة الشركات الغربية في إنهاء العقوبات والعودة لإيران ولأحكام قضائية أوروبية ضد بعض الإجراءات التي فرضتها عقوبات الاتحاد الأوروبي، قال الدبلوماسي “الضغط (على إيران) للتوصل لاتفاق بأي ثمن أقل شدة مما كان عليه قبل 12 شهرا… إذا لم يحدث اتفاق فستتحول إيران إلى الصين وروسيا وإلى بعض البلدان الأوروبية المستعدة للدخول في أعمال ثنائية معها”.
وقال مسؤول إيراني آخر إن هناك فصائل داخل إيران تشكك في أي صفقات مع الغرب وتحبذ تحالفات مع قوى مثل روسيا والصين اللتين شجبتا العقوبات الأمريكية والأوروبية الأحادية الجانب، وأضاف “الرئيس (حسن روحاني) يحبذ هذا الاتفاق لأنه سيمكنه من إنجاز وعوده بالنهوض بالاقتصاد لكن الزعيم الأعلى (آية الله علي خامنئي) وأيضا الحرس الثوري يفضلان التحرك باتجاه الشرق والعمل مع الصين وروسيا بدلا من الغرب”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق