بريطانيا والذئاب المنفردة… ثنائية الارهاب والعنف
تتخوف بريطانيا كثيرا من مسالة الجهاديين وتبعاتها الامنية على مستقبل البلاد، خصوصا مع تنامي المخاطر الامنية بعد ان اكدت الشرطة البريطانية (سكوتلنديارد)، مؤخرا، انها “افشلت اربع او خمس مؤامرات ارهابية” في 2014 مقابل واحدة في المعدل سنويا في الاعوام السابقة، وعبرت الشرطة عن “قلقها المتزايد” خصوصا حيال تنفيذ هجمات منفردة يقوم بها من يوصفون “بالذئاب المتوحدة” الذين يمكن ان يتحركوا بمفردهم ويرتكبوا هجمات لا تتطلب استعدادات كبيرة، وتقدر الشرطة “بأكثر من 500” عدد البريطانيين الذين توجهوا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق، وهي تخشى ان يتمكنوا من التخطيط لهجمات بعد عودتهم الى بريطانيا، والذئاب المنفردة، التي دعا اليها تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش)، من خلال تسجيلات دورية تبث على مواقع جهادية تابعة للتنظيم الاكثر تطرفا في العالم، حيث حفز مؤيديه الى شن هجمات منفردة داخل الدول التي تحالفت مع الولايات المتحدة الامريكية لضرب التنظيم في العراق وسوريا، بعد ان استولى على مساحات واسعة في كلا البلدين، وجاءت نتيجة هذه الدعوات الهجمات التي وقعت في مونتريال وبريطانيا واستراليا وغيرها من الدول الاوربية والغربية.
وتخشى الحكومة البريطانية، من الدعوات المتطرفة التي روجت لها جمعيات ومؤسسات دينية مارست العمل الخيري او الدعوي، وتضم العديد من السلفيين والجهاديين، الذين حاولوا تشكيل خلايا سرية تدعو الى الجهاد في العراق وسوريا، الامر الذي اغرا الكثيرين بالسفر الى هناك للالتحاق بالجماعات التكفيرية وحمل السلاح، ويحاول الكثير منهم العودة الى بريطانيا وتنفيذ ما تعلمة خلال الفترة التي قضاها في ساحات الحروب، وشددت من جانبها، الحكومة البريطانية الكثير من اجراءاتها القانونية والعقابية، في محاولة لمنع الراغبين بالانضمام الى تنظيم داعش، اضافة الى منع الملتحقين بصفوفها من العودة الى بلادهم.
فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في كانبرا أن لندن ستشدد إجراءاتها للتصدي لتنظيم “الدولة الإسلامية” عبر السماح بمصادرة جوازات سفر المشتبه بهم ومنع عودة المقاتلين الجهاديين، وقال كاميرون أمام البرلمان الأسترالي “سنتبنى قريبا قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب في بريطانيا”، وأضاف أن “سلطات جديدة (ستمنح) لشرطة الحدود لمصادرة جوازات السفر ومنع المشتبه بهم من السفر ومنع المواطنين البريطانيين (الجهاديين) من العودة إلى البلاد إلا وفق شروط” ستفرض عليهم، وأكد عزمه على تكثيف العمل ضد “جذور التهديد (الإرهابي)” عبر “إبعاد الدعاة المتطرفين” وتسهيل إلغاء “المضامين الضارة” على الإنترنت، وذكرت الصحف البريطانية أن المشروع، الذي سيناقشه البرلمان، يحول طوال عامين على الأقل دون عودة الأشخاص الذين قاتلوا في سوريا والعراق، إلى المملكة المتحدة، وأضافت أن هذا الحظر يمكن رفعه فقط إذا وافق الأشخاص المستهدفون على العودة ضمن مواكبة مع خضوعهم لملاحقات قضائية ولبرنامج ينزع عنهم صفة المتطرفين، وتقدر بريطانيا عدد مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” المتطرف بأكثر من 500، وأعلنت الأمم المتحدة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر أن نحو 15 ألف جهادي أجنبي أتوا من ثمانين بلدا توجهوا في الأعوام الأخيرة إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف تنظيمات مثل تنظيم “الدولة الإسلامية”، من جهتها، صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية في نهاية أيلول/سبتمبر على مشروع قانون “لمكافحة الإرهاب” يمنع مغادرة الأراضي الفرنسية للحؤول دون توجه شبان فرنسيين إلى سوريا لممارسة الجهاد.
واكد رئيس الشرطة البريطانية برنار هوغان-هوي ان خمسة بريطانيين على الاقل يتوجهون كل اسبوع الى العراق او سوريا للانضمام الى تنظيم “الدولة الاسلامية”، وقال رئيس الشرطة ان “التقدم الذي تحرزه جماعة الدولة الاسلامية في العراق وسوريا والذي يجري بسرعة متزايدة، والان باتجاه تركيا، ليس مجرد فظائع ترتكب على اراض بعيدة”، واضاف “نعرف ان اكثر من 500 بريطاني سافروا للمشاركة في القتال، كثير منهم دخلوا وكثير غيرهم سيرغبون بذلك في الأشهر المقبلة وربما السنوات”، وقال “لدينا دائما في المعدل خمسة اشخاص ينضمون اليهم كل اسبوع. خمسة كل اسبوع قد يبدو قليلا، ولكن عندما تفكرون ان في السنة خمسين اسبوعا، اي 250 مجندا جديدا، فهذا اكثر بخمسين بالمئة من عدد الذين نعتقد انهم موجودون اصلا هناك”، وقال ان”هذه الارقام تمثل الحد الادنى، قد يكون هناك غيرهم كثيرون سافروا الى بلد اخر قبل التوجه الى سوريا والعراق بطريقة لا يمكن دائما تحديدها عندما تكون هناك دول ضعيفة وحدود مفتوحة”، واعتبر برنارد هوغان-هوي ان عودة “اشخاص لديهم خبرة عسكرية (الى بريطانيا) خطر على مجتمعنا”. بحسب فرانس برس.
وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إن بلاده قد تستخدم أحد قوانين العصور الوسطى التي ترجع الى عام 1351 لتوجيه اتهامات إلى بريطانيين ذهبوا إلى سوريا والعراق للقتال مع تنظيم الدولة الإسلامية، وحذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من أن التنظيم الذي سيطر مقاتلوه على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا والعراق يمثل تهديدا خطيرا على بريطانيا كما قالت الشرطة وضباط مخابرات إنهم رصدوا زيادة في المخططات المحتملة ضد بريطانيا، وقال هاموند إن أي بريطاني يعلن ولاءه للدولة الاسلامية يمكن ان يكون قد ارتكب جرما بموجب قانون الخيانة لعام 1351 الذي صدر في عهد الملك الانجليزي ادوارد الثالث، وقال النائب البرلماني المحافظ فيليب هولوبون ان استخدام هذا القانون الذي يجرم من ارتكب جرائم حرب قد يكون مناسبا مع الجهاديين أكثر من قوانين مكافحة الارهاب التي صدرت لاحقا، والعقوبة القصوى للخيانة في بريطانيا هي السجن مدى الحياة وظلت عقوبة هذه التهمة الاعدام حتى عام 1998، وكان آخر شخص يعدم في بريطانيا بتهمة الخيانة هو وليام جويس وكان من المروجين لألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية ويوجه دعايته لبريطانيا وأطلق عليه لقب ساخر هو اللورد هاو هاو
مستقبل الجهاديين العائدين
الى ذلك اختارت بريطانيا التي تخشى حدوث عمليات ارهابية المواجهة مع الجهاديين العائدين من جبهات القتال في سوريا والعراق في حين تدعو جمعيات وخبراء الى “نزع التطرف” من اذهان هؤلاء بغية اعادة ادماجهم في المجتمع، وقال وزير الدفاع مايكل فالون ان “التوجه الى الخارج والقتال مع الدولة الاسلامية، وهذه منظمة محظورة، يجعل من هؤلاء مذنبين بتهمة الاجرام”، واضاف “اذا كان بالامكان احالتهم الى القضاء فور عودتهم فسنفعل ذلك”، وتتحدث السلطات عن برامج لنزع صفة التطرف من حيث تامين المسكن والعمل واجراء تقييم للصحة العقلية، وقال مارك راولي مساعد قائد وحدة مكافحة الارهاب في الشرطة البريطانية ان هذه الاجراءات ستشمل حوالى خمسين شخصا في الاسبوع على ان تكون مخصصة حصريا للشبان الذين تغريهم محاولة الذهاب دون ان يغادروا فعليا للقتال في سوريا او العراق، وفي اذهان الشرطة واجهزة الاستخبارات تجربة الحرب في افغانستان عندما توجه اسلاميون من الغرب الى كابول ليصبحوا مجاهدين ويعود بعضهم الى البلاد لارتكاب اعتداءات دموية.
ولمنع هذه الظاهرة، تضاعف الاجهزة من اجراءاتها وخصوصا مصادرة جوازات سفر المرشحين للذهاب من اجل القتال ومراقبة رحلات المغادرة والوصول في مطار اسطنبول، وقد ابدى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزيرة الداخلية تيريزا ماي رغبتهما في سحب الجنسية البريطانية من المحاربين الاسلاميين لكن هذه خطوة صعبة التحقيق لانه ليس ممكنا تجريد شخص من جنسيته، وحاليا ، من المحتمل ان يكون نصف “حوالى 500” بريطاني توجهوا للقتال في سوريا والعراق عادوا، وفقا لمصادر حكومية، وتم “توقيف اكثر من ستين” وتوجيه الاتهام الى 16 منهم، وتظهر هذه الارقام عيوبا في اجهزة الامن البريطانية فماذا عن المئتين الاخرين الذين لم يتم اعتراضهم؟، واي نوع من المراقبة على نحو خمسين من المشتبه بهم الذين تم استجوابهم لكن من دون ملاحقتهم قضائيا؟
وردا على استفسار، اكتفت سكوتلانديارد بتاكيد “زيادة ملحوظة” بالتوقيفات المرتبطة بسوريا مشددة على منع مغادرة الشبان، الا انها التزمت الصمت فيما يخص مسالة عودة الجهاديين، واذا كان البعض من هؤلاء يشكلون تهديدا، فان اخرين منهم تبددت اوهامهم على ما يبدو اثر اكتشافهم الحقيقة بذهابهم الى سوريا للقتال هناك، ووفقا للصحافة البريطانية، يقبع خمسة بريطانيين وثلاثة فرنسيين والمانيا وبلجيكي في زنزانات الدولة الاسلامية بعد ان ارادوا العودة الى بلادهم اثر شكواهم من مقاتلة مجموعات معارضة بدلا من قوات نظام الرئيس السوري بشار الاسد، ويقول باحثون في جامعة كينغ كوليج ان احد المقاتلين اتصل بهم مؤكدا ان بين 30 و50 بريطانيا يرغبون في العودة لكنهم يخشون ايداعهم السجن فور وصولهم.
من جهته، يقول حنيف قادر مؤسس “اكتيف تشاينج فاونديشن” وهي جمعية تكافح التطرف وتعمل على نزع التطرف من اذهان الشبان انه اذا كان خطر الارهاب حقيقيا فيجب رغم ذلك العثور على وسائل تسمح لهؤلاء التائبين بالعودة، ويضيف “حتى الان، لم تتخذ الحكومة البريطانية اي خطوة تسمح لهم بالعودة”، مضيفا انه على اتصال مع السلطات “من اجل السماح بعودتهم ضمن اطار من الرقابة”، ويشارك وجهة النظر هذه زعيم حزب العمال المعارض اد ميليباند والبروفسور بيتر نيومان من مركز دراسات التطرف في جامعة كينغز كوليج الذي يطالب الحكومة باطلاق “برنامج لنزع التطرف ملزم بالنسبة للمرشحين الى العودة” للبلاد، وقال نيومان لصحيفة ديلي تلغراف ان “الذين نتحدث اليهم يريدون التخلي عن المعارك لكنهم يشعرون انهم وقعوا في الفخ لان الحكومة لا تتحدث سوى عن سجنهم ثلاثين عاما”، ويضيف قادر الذي توجه الى افغانستان العام 2002 للانضمام الى مجموعة تابعة للقاعدة قبل ان تتبدد اوهامه ان بامكان هؤلاء الشبان لعب دور رئيسي من حيث “الوقاية عبر المساعدة في منع توجه رجال ونساء الى هناك”. بحسب فرانس برس.
جهود مكافحة الارهاب
بدوره قال أكبر ضابط بريطاني مسؤول عن مكافحة الارهاب ان الشرطة البريطانية تجري تحقيقات أمنية بوتيرة متسارعة “غير معتادة” منذ سنوات لاحباط هجمات قاتلة محتملة يتم التخطيط لها في الخارج خاصة سوريا، وقال مارك رولي المتحدث باسم الشرطة الوطنية لمكافحة الارهاب ان الشرطة اعتقلت حتى الان هذا العام 218 شخصا بينما تم ارسال عشرات الاشخاص المعرضين لتبني اتجاهات متشددة الى برامج لاعادة التأهيل، وقال رولي في بيان في أحدث مؤشر على قلق السلطات البريطانية الجاد من خطر وقوع هجوم “حجم ونطاق ووتيرة انشطة مكافحة الارهاب شهدت تغيرا ملحوظا”، وتعتبر بريطانيا هدفا للمتشددين الاسلاميين منذ الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في التاسع من سبتمبر ايلول عام 2001 وقتل 52 شخصا حين نفذ أربعة شبان بريطانيون تفجيرات انتحارية في لندن عام 2005. بحسب رويترز.
وفي اغسطس آب رفعت بريطانيا مستوى الخطر الى “شديد” وهو ثاني أعلى مستوى ويعني ان الهجوم مرجحا بدرجة كبيرة وذلك لأول مرة منذ منتصف عام 2011، وحذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من ان متشددي الدولة الاسلامية الذين يقاتلون في سوريا والعراق يشكلون أكبر خطر أمني على البلاد ووعد باتخاذ المزيد من التدابير للتصدي للخطر الذي يمثله مقاتلون متشددون يعودون لتنفيذ هجمات في البلاد، وانضم رولي بتصريحاته هذه الى سلسلة من المسؤولين الامنيين وكبار رجال السياسة في بريطانيا حذروا من هذه المخاطر في الاونة الاخيرة، وأصدر رولي مذكرة الى ضباط الشرطة في شتى أنحاء البلاد ليكونوا في حالة تيقظ شديد للمخاطر التي تحيق بسلامتهم بينما قال رئيس بلدية لندن بوريس جونسون ان المخبرين يراقبون الاف المشتبه بهم، وألقى المخبرون القبض على 14 شخصا وقال ضابط رفيع طلب عدم الكشف عن هويته ان بعض المتآمرين المشتبه بهم كانوا قريبين جدا من تنفيذ هجوم.
فيما اعلنت اسكتلندرياد انه تم اتهام اربعة اشخاص يشتبه بانهم خططوا ل”اعمال ارهابية” تستهدف قتل عناصر في الشرطة او جنود بريطانيين واعلنوا ولاءهم لتنظيم الدولة الاسلامية المتطرف، وقالت الشرطة البريطانية ان المتهمين الاربعة الذين تراوح اعمارهم بين 20 و24 عاما والمقيمين في لندن، سعوا الى ارتكاب “اعمال ارهابية او مساعدة اخرين في ارتكاب اعمال مماثلة” خلال الاشهر الاخيرة، واكد المدعي مارك دوسون ان مؤامرة هؤلاء كانت تستهدف “قتل شرطيين او جنود في شوارع لندن”، وذلك وفق تصريحات، ومن بين الاتهامات الموجهة الى الاربعة “اعلانهم الولاء” لتنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا، واتهم المشتبه بهم بالقيام بعمليات “مراقبة” لاحد مراكز الشرطة ولثكنة لجنود الاحتياط في غرب لندن، اضافة الى حيازتهم سلاحا وذخائر و”معدات جهادية متطرفة” وصورة لمسؤولين اثنين في شرطة لندن، بحسب سكتلنديارد، ومثل الاربعة، اضافة الى خامس ملاحق في قضية اخرى، امام محكمة في لندن.
وتم الافراج عن شخصين اوقفا في السابع من تشرين الاول/اكتوبر في اطار التحقيق نفسه، كما افرج عن شخص ثالث من دون ملاحقتهم، واعلن مارك راولي المسؤول الوطني عن مكافحة الارهاب في بريطانيا في وقت سابق ان هناك “ارتفاعا استثنائيا” في عدد التحقيقات التي تجريها اجهزة الامن البريطانية حول قضايا مرتبطة بالارهاب، مشيرا ايضا الى احباط العديد من المخططات الارهابية هذا العام، وكانت بريطانيا رفعت مستوى التأهب الامني في البلاد في نهاية آب/اغسطس الى درجة “الخطر” اي ما قبل الدرجة الخامسة والاخيرة وذلك لمواجهة التهديد الارهابي المرتبط بسوريا والعراق، ويعني هذا المستوى ان وقوع هجوم هو امر “مرجح جدا”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق