التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

إنفعالات عاشق 

هادي جلو مرعي

العاشق في دائرة جنون، والجنون فنون، والفنون محترمة، فالجنون ليس خبالا، بل هو نوع من العبقرية الواعدة التي تنمو وتكبر في الوجدان والمخيلة، وتصنع الإبداع، وتوفر للكائن البشري فرصا عديدة ليحلق في أفق مترام غير محدود، ولامقطوع ولاممنوع، فليس من مانع طالما إن القوة المطلقة لاتخشاك وتعدك بالثراء الروحي والجسدي، وتوفر ضمانات الكرامة الدنيوية والأخروية، وهذا بالضبط ماتمنحه الأديان السماوية التي تصنع الإنسان وترفض سلوك المنحرفين عنها او المستغلين لها. حصل هذا مع المسيحية واليهودية والإسلام، في النهاية ذهب المنحرفون والضالون والمستغلون وبقيت الديانات عالقة في وجدان الناس عبر آلاف من السنين ممتدة، تنتج وتؤهل السويين من البشر والمحترمين والدعاة الى الخير، أما الحمقى فتطويهم ماكنة الحياة لتعود عجلة العمران ويتحرك الفكر.

لاتنزعجوا كثيرا من عقائد وعبادات حتى لو شط بعضها عن السلوك السوي بفعل أفراد، أو جماعات سرعان ماتعود الى رشدها، ولكن خافوا من الذين يحوّلون الدين الى قنبلة موقوتة، أو فكرة خرافة تحطم الحياة. لاتنزعجوا عندما ترون إخواننا الشيعة يذهبون الى كربلاء كل عام ليصلوا قرب ضريح لقتيل سقط مضرجا بدم طهور دفاعا عن الإنسان وكرامته. حين يحج الناس الى الكعبة فهم يفهمون طبيعة العلاقة مع القوة الغيبية القاهرة التي تريد ولكنها تعطي أكثر، ولاتمنع إلا لحكمة فلاتلوموهم ولاتقولوا، هولاء متخلفون يتعلقون بوهم. الذين يزحفون الى كنيسة في لشبونة كل عام، ليسوا أغبياء، هم يتعلقون بسبب وبحلم وأمل ورغبة، صحيح إن الرغبات لوحدها غير كافية لكن الطريق اليها يمر عبر الألم والتضحية، بعض الهنود يذهبون الى نهر ليغتسلوا فيه ويعتقدون بالطهر بمائه، ويتحرك الصابئة نحو نهر في مكان آخر، ترى لما كان يسوع يعمّد الناس عند نهر الأردن؟ هو نبي، هو يفهم إذن إن العلاقة ليست معقدة، بل واضحة ولطيفة، فالرب قرر مايريد، والعبد عليه أن يفعل مايريده الرب ببساطة.

يمضي إخوتنا الشيعة الأعزاء كل عام الى كربلاء. كربلاء ليست فلما هنديا، هي قصة معاناة وتجرد عن الطموح الدنيوي من أجل القادمين في المستقبل ليعيشوا الطموح الدنيوي وغايتهم الآخرة وليفهموا لماذا يمكن أن يقبل رجل أن يحز وريده ويسفك دمه في الصحراء على يد بعض الساقطين الذين يعتقدون إن الدنيا دائمة، ويجهلون إنها ستزول، وقد زالت، بينما بقي عار الفضيحة يلاحقهم، والقتيل يؤسس كل يوما تجمعا يضم ملايين البشر ليتعبدوا، أو ليحلموا، أو ليبتهجوا بنوع من التعلق لامثيل له بشخصية هائلة ممتدة جمعت قوة الرياح الأربعة، وهي تهب في الإتجاهات جميعها.

دعوهم، لاتسخروا منهم، لاتفهموهم بمايخالف ضمائركم.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق