آلیة مکافحة “داعش” .. حرب صلبة أم حرب ناعمة؟
بدأ التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة قبل نحو خمسة اشهر ، وتحديدا في يوم الثلاثاء ٢٣ ايلول / سبتمر عام ٢٠١٤ ، بشن غارات جوية ضد مواقع “داعش” في العراق وسوريا ، بعد قيام هذا التنظيم التكفيري بإحتلال محافظة الموصل وصلاح الدين واجزاء من محافظة الانبار ، في حزيران / يونيو من نفس العام ، الا ان نتائج هذا القصف ، لم تكن بحجم الضجة التي اثارتها وسائل الاعلام الغربية والعربية ، حول هذه الغارات.
الغارات الامريكية على مواقع “داعش” في العراق وسوريا مازالت متواصلة حتى اليوم ، الا انها وباعتراف الخبراء العسكريين ، لم تنجح في احداث اختراق في الميدان العسكري ، لصالح الجيش العراقي ، او لصالح قوى المعارضة “المعتدلة” في سوريا ، كما تريد امريكا ، وهو ما تؤكده المعارك على الارض ، حيث تمكنت “داعش” في سوريا من السيطرة على المزيد من الاراضي ومازالت تهدد مدينة عين العرب “كوباني” الكوردية على الحدود السورية مع تركيا ، ولم تنجح الغارات الامريكية ودول التحالف في كسر الحصار المفروض على المدينة ، اما في العراق ، فكل الانتصارات التي تم تحقيقها ضد “داعش” يعود الفضل فيها الى مشاركة الحشد الشعبي في المعارك الى جانب الجيش العراقي ، ولم يكن هناك اي دور يذكر للقوات الامريكية.
هناك من يرى ان الغارات الامريكية على مواقع “داعش” وخاصة في سوريا تاتي بنتائج عكسية بسبب الضحايا الابرياء الذين يسقطون جراء هذه الغارات ، نظرا لتواجد “داعش” بين الاهالي ، ولا يمكن بالتالي التمييز بين “الداعشي” وغيره ، وهو ما يولد حالة من الاستياء والغضب بين الاهالي ، تستغلها “داعش” لتعزيز تواجدها في المناطق المستهدفة.
ان استخدام القوة العسكرية المجردة في صراع مع تنظيمات ايدولوجية متطرفة مثل تنظيم “داعش” ، يعتبر ضروريا الا انه ليس كافيا ، فقد اثبتت تجربة الحرب الامريكية ضد طالبان في افغانستان ، وبشكل واضح فشل هذه الاستراتيجية ، فبعد مضي اكثر من عقد من الزمن على احتلال افغانستان بشكل كامل من قبل القوات الامريكية والناتو ، الا ان طالبان مازالت موجودة ومازالت تستقطب الانصار والمؤيدين لها هناك.
ان تجربة استخدام القوة العسكرية مع طالبان في افغانستان وباكستان ، ومن قبل مع القاعدة ، واليوم مع “داعش” و”النصرة” وباقي التنظيمات التكفيرية التي تحمل الفكر الوهابي كعقيدة ، تؤكد ان القوة الصلبة او الحرب الصلبة مع هذه التنظيمات التكفيرية المسلحة ، ليست كافية ، بل ان استخدام مثل هذه القوة ،بالشكل الذي تستخدمه امريكا ضد هذه التنظيمات ، تثير في بعض الاحيان حالات من التعاطف لدى البعض ازاء هذه التنظيمات ، كما انها لن تؤدي في اغلب الاحيان الى القضاء على الفكر والعقيدة ، مهما كان فساد هذا الفكر او هذه العقيدة ، فالفكرة مهما كانت طبيعتها لا يمكن القضاء عليها الابفكرة تقابلها ، لذلك لابد ان تتزامن القوة الصلبة او الحرب الصلبة بقوة ناعمة او حرب ناعمة ، بل ان القوة الناعمة اشد الحاحا وضرورة من القوة الصلبة ، في الحروب التي تستهدف التنظيمات التكفيرية المتطرفة.
وروبا لم تنتصر على النازية والفاشية بالقوة الصلبة وعبر الحروب العسكرية فقط ، بل كانت هناك قوة ناعمة تمثلت بمئات الجامعات والمراكز البحثية والنخب العلمية والادبية والفكرية والفنية وجيوش من الاعلاميين والصحافيين ، شاركوا في الحرب الناعمة التي استهدفت الايديولوجيتين النازية والفاشية ، فتمكنوا من القضاء على هذه الافكار الفاسدة وطردوها من عقول الاشخاص ، ولم يقضوا على الاشخاص انفسهم.
المطلوب اليوم من النخب الدينية والفكرية والمراكز البحثية في العالمين العربي والاسلامي ، والتي تعتبر من اكثر القوى الناعمة تاثيرا في الراي العام العربي والاسلامي ، ان يعلنوا الحرب الناعمة على الفكر الفاسد الذي يحرك هؤلاء الشباب ويدفعهم للقيام بكل هذه الفظاعات التي شوهت الصورة الناصعة للاسلام لدى العالم اجمع ، فمادام الشاب مقتنعا بصوابية الفكر الذي يحمله ، فانه سيتحرك بدافع من هذا الفكر ، بل وسيضحي بنفسه من اجله ، ومن الممكن كف شر هذا الشخص من خلال قتله او حجزه ، ولكن ما هو الضمان من الا يقتنع شاب اخر بهذه الافكار ويجسدها عمليا كتفجير نفسه او قتل الاخرين ، لذا فان افضل وسيلة لوقف دائرة الموت والدمار ، هي محاربة الفكر الفاسد نفسه .
ان النخب العربية والاسلامية لاسيما الدينية ، مدعوة اليوم الى اماطة اللثام عن الوجه الحقيقي للوهابية التي تعتبر الام الشرعية لكل هذه الافكار التكفيرية التي تعشعش في ادمغة عناصر طالبان بشقيها الافغاني والباكستاني و القاعدة و “داعش” و “النصرة” وبوكوحرام وانصار الشريعة وانصاربيت المقدس وباقي التنظيمات الارهابية الاخرى ، وبيان مدى تناقض الوهابية مع الفطرة الانسانية ، وبعدها عن روح الاسلام وتعاليم القران وسيرة النبي (ص) وتعاليمه السمحاء ، ودور الاستعمار البريطاني في الترويج لهذه العقيدة المتخلفة الهدامة التي تنخر في جسد الامة كما تنخر الارضة بالخشب ، وكيف تصب نتائج التطبيق العملي للوهابية على ارض الواقع في صالح العدو الصهيوني ، كما نرى هذه النتائج في العراق وسوريا ومصر ولبنان وليبيا والصومال وباكستان وافغانستان ومالي وتونس والجزائر.
ان من الصعب مكافحة المرض الذي تنقله البراغيث من خلال مكافحة البراغيث ذاتها ، بل لابد من ردم البرك والمستنقعات التي تتجمع فيها المياة الآسنة ، والتي تعتبر الرحم الذي يتكاثر فيه البراغيث ، لذا على علماء الدين والمفكرين والادباء والشعراء والفنانيين والاعلاميين والصحفيين ، ان يستخدموا القوة الناعمة ، المتمثلة بالفكر والكلمة والصورة واللوحة والقصيدة والفيلم ، لردم بركة الوهابية لانقاذ الشباب من افكارها المشوهة والكريهة ، وبالتالي انقاذ المجتمعات العربية والاسلامية من الانهيار والتشتت ، وهي حالة تعيشها للاسف بعض مجتمعاتنا العربية والاسلامية اليوم ، في ظل تقاعس ، النخب الدينية والفكرية والعلمية في هذه المجتمعات ، من استخدام القوة الناعمة او الافكار في التصدي للفكر الوهابي الظلامي الى جانب القوة الصلبة.