التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

الطریق سالکة نحو نهایة “داعش” 

يعكس الحراك الميداني على الارض العراقية خلال الاسابيع القلائل الماضية، والممتد من مناطق شمال العاصمة بغداد، مرورا بالضلوعية وبلد وبيجي وزمار وسنجار شمالا، وديالى شرقا، والانبار غربا، يعكس مؤشرات واضحة على ان كفة الصراع والمواجهة راحت تختل الى حد كبير لغير صالح تنظيم داعش الارهابي والجهات التي تقف ورائه .

   هذه الحقيقة تعني فيما تعنيه ان محافظة نينوى باتت قريبة من نقطة الحسم اكثر من اي وقت مضى، والحسم في نينوى يقرأ على انه تغيّر في مسارات الامور والمعطيات على الارض مائة وثمانين درجة. على اعتبار ان نينوى مثلت بشكل او باخر المفتاح لتنظيم داعش للتمدد والانتشار الى مدن ومناطق اخرى، وقد تحقق له ذلك خلال فترة زمنية قصيرة مستفيدا من تخاذل القيادات العسكرية الكبرى مثل قائد عمليات نينوى مهدي الغراوي، وقائد القوات البرية علي غيدان، ومعاون رئيس اركان الجيش عبود كنبر وضباط كبار اخرين، الى جانب كبار المسؤولين الاداريين في المحافظة وفي مقدمتهم المحافظ اثيل النجيفي، وكذلك مستفيدا من غياب الروح المعنوية لمعظم افراد القوات المسلحة واستعدادهم للانسحاب والتراجع اكثر من القتال والمواجهة .

الفتوى .. وتصحيح المسارات

  ولبرهة من الزمن بدا للكثيرين ان تنظيم داعش امسك بزمام المبادرة وبات قريبا من اسوار العاصمة بغداد، وعلى مرمى حجر من مدن مقدسة مثل كربلاء والكاظمية وسامراء .

   بيد ان فتوى المرجعية الدينية بوجوب “الجهاد الكفائي” التي صدرت بعد ثلاثة ايام من احتلال نينوى من قبل الدواعش في العاشر من حزيران-يونيو الماضي، صححت المسارات الخاطئة، ومثلت نقطة الشروع والبداية لتنظيم الصفوف وتعبئة الجمهور، واستعادة المعنويات التي تلاشت بصورة شبه كاملة مع انسحاب الجيش من الموصل وغيرها، وترك السلاح والعتاد في الثكنات والمعسكرات لداعش .

  لم تأت النتائج والمعطيات الايجابية سريعا بعد فتوى المرجعية الدينية، لكن كان من الممكن رصد وتشخيص معالمها وملامحها ومؤشرات تلوح في الافق، وتتبلور وتتجلى شيئا فشيئا، في ظل زخم شعبي كبير لمواجهة داعش، مقرونا بتنسيق سياسي وامني ربما كان مفقودا وغائبا من قبل بين قوى ومكونات مختلفة استشعرت ان خطر الارهاب الداعشي باتت يهددها كما يهدد غيرها، الى جانب دعم واسناد اقليمي ودولي، وان لم يكن واضحا ومقنعا بالقدر الكافي .

انتصارات متتالية

   ولعل اول وابرز واهم النتائج والمعطيات الايجابية على الارض تمثلت بفك الحصار الداعشي عن ناحية امرلي ذات الاغلبية التركمانية الشيعية في اواخر شهر اب-اغسطس المضي، بعد مايقارب الثلاثة شهور من المقاومة الشجاعة التي ابداها ابناء الناحية، وبعد شهر ونصف من صدور فتوى المرجعية .

   وجاءت الخطوة الثانية-او الانجاز الاخر-بعد اقل من شهرين، متمثلة بتطهير ناحية جرف النصر التابعة لمحافظة بابل، وتوابعها –البحيرات والفاضلية والفارسية-من عصابات داعش، وكان ذلك الانجاز بمثابة قصم ظهر داعش، الذي كان يعول كثيرا على الانطلاق من جرف النصر لتهديد كربلاء المقدسة، واحكام قبضته على مناطق في بابل، والسيطرة على الطريق الرئيسي الرابط بين بغداد وكربلاء ومدن اخرى في الفرات الاوسط .

   وبالتزامن مع عملية استعادة جرف النصر حققت قوات الحشد الشعبي والجيش النظامي تقدما كبيرا في قضاء بيجي التابع لمحافظة صلاح الدين، مهد لاستعادتها بالكامل في منتصف شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي .

   الى جانب ذلك فأن قوات البيشمركة الكردية وبمساندة قطعات من الجيش نجحت بتطهير ناحية زمار التابعة لمحافظة نينوى .

   وخلال ذلك الوقت الذي كانت قوات الحشد الشعبي والجيش والبيشمركة الكردية تستعيد زمام المبادرة وتضيق الخناق على عصابات داعش، كانت تشكيلات اخرى من قوات الحشد الشعبي قد اكملت تطهير مناطق من حزام بغداد من اوكار وعصابات داعش، مثل الضابطية وبنات الحسن والشيخ عامر التابعة لسبع البور شمال بغداد، فضلا عن تأمين الاوضاع في قضاء ابو غريب وتوابعه غرب العاصمة .

   وبعد ذلك اضاف تطهير قضاء سنجار في الحادي والعشرين من شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي بعدا اخرا لاتجاهات سير المعارك ووتيرتها .

   وفيما بعد كان تطهير ناحية الضلوعية وقضاء بلد اواخر العام الماضي الضربة الاكثر ايلاما وايذاء لتنظيم داعش، والذي اشر بوضوح اكبر الى ان الحسم بات قريبا جدا في نينوى، وهذا ما اكده بثقة ووضوح عدة قادة  ميدانيين في قوات الحشد الشعبي وقوات الجيش .

نينوى.. البداية والنهاية !

  وعلى ضوء تلك المتغيرات فأنه من الناحية الجغرافية، اصبحت نينوى قريبة من مرمى نيران الحشد والجيش .

   ومن الناحية المعنوية فأنه في مقابل المعنويات العالية لدى الحشد الشعبي والجيش والبيشمركة، فأن مجمل التقارير والمعلومات تؤكد ان تنظيم داعش-قيادات وقواعد-يعيش اوضاعا وظروفا نفسية صعبة، وهو مادفع عدد غير قليل من قادته وكوادره الى الفرار بأتجاه الاراضي السورية والتركية، وكذلك دفع اعدادا كبيرة من عناصره الى القاء السلاح والتسليم للقوات العراقية. اضف الى ذلك فأن مسؤولين وشيوخ عشائر من الموصل شرعوا بأنشاء معسكرات لتدريب المتطوعين من ابناء المحافظة وتهيأتهم لمعركة تطهير محافظتهم من عصابات داعش، وقد ابدت الحكومة الاتحادية تعاونها ودعمها لتلك الخطوات بالمال والسلاح ومختلف المستلزمات اللوجيستية .

   ومن ناحية المواقف الخارجية، فأنه رغم استمرار دعم داعش بالاسلحة والاغذية من جهات خارجية مثل الولايات المتحدة الاميركية والسعودية وقطر وتركيا-بحسب ما تشير تقارير مختلفة-الا ان كثير من مصادر التمويل انقطعت وتوقفت، ناهيك عن مشاركة دول عديدة في الجهد العسكري لضرب اوكار التنظيم في العراق وكذلك سوريا، لادراك تلك الدول ان خطر داعش وتهديداته لم تعد مقتصرة على العراق وسوريا فحسب، بل انها يمكن ان تطال الجميع وتمتد الى اوربا واميركا ومساحات ومواقع اخرى .

   قد لاتنتهي معركة تطهير نينوى، حينما تنطلق، خلال وقت قصير، وقد تشهد خسائر في صفوف القوات العراقية، لكنها من دون شك سوف تحسم بهزيمة داعش وانكسارها، لانها مثلما انطلقت وتمددت من نينوى، فأن القضاء عليها هناك سيعني القضاء عليها بالكامل. وهذا سيثبت صحة رؤية وقراءة وتقييم العراقيين لقوتهم وقوة خصمهم، وخطأ رؤية وقراءة وتقييم الاميركان الذين قالوا ان الحرب ضد داعش سوف تستمر عدة اعوام، ثلاثة او عشرة او حتى ثلاثين عاما !.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق