درس قادم في الميزان
عبدالرضا الساعدي
ربّ ضارة نافعة _ كما يقولون _ ، فلأكثر من 10 سنوات من الحكم في البلد ، منذ 2003 وحتى لحظة هبوط أسعار النفط ، لم يتعلم السياسيون والحكام شيئا من الحكمة والانضباط والمسؤولية في إنفاق ثروة الشعب بطرق عقلانية وحسابية مستقبلية ، بل كان الأمر يبدو وكأن هناك تكالبا على هدر المال والثروة بطرق غير مشروعة من أجل مصالح شخصية وحزبية لا تراعي حرمة الأمانة والقسم والميزان .
تكالب أدى إلى أن يتحول البلد إلى فئتين : فئة السياسيين المتخمة والمترفة ، وفئة الشعب المحرومة ..
تكالب وحماقات وتهور أدى إلى ضياع عشرات المشاريع السكنية والخدمية والإنتاجية ، يقابلها عشرات المشاريع الخاصة والنفعية خارج البلد ، للمسؤولين والسياسيين وأهم المراجع الحكومية وغيرها ، ومن أموال الشعب المنهوبة والمهدورة بطرق شتى .. وبإمكانك أن تعرف هذه المعلومة من أبسط سائق _تكسي _ في دولة عربية مجاورة وغير مجاورة ، عن ذلك ، ليخبرك عن البرج الفلاني والمصرف العلاني والمشروع الفلتاني لمسؤولينا الأمناء على ثروة الشعب والوطن !!!
سياسات تجول في أعمارنا المهدورة دونما تخطيط وميزان عادل ، سياسات خلّفت الكثير من الفقراء والمساكين والمعوزين ، خلّفت الكثير من شرفاء وكرماء البلد في العراء دونما سكن أو أرض تؤويهم ، دونما خبزة مريحة وكريمة يلوكونها في ظل انعدام الأمن والعدل وتفشي الفساد الذي يأكل من لحم الفقير ، بينما البترول يسيل ويضيع من تحت أقدامهم الحافية ، ليذهب إلى جيوب الفاسدين ومعدومي الضمير.
شعب يخسر يوميا كل شيء ،بطرق مروعة وعجيبة ، عمره وماله وأمنه وخبزة عيشه الكريم ، لا لشيء سوى أن هناك من لا يفقه في التخطيط والعدل والميزان ، ممن يملئون البلد ضجيجا بالشعارات والمقدسات والوطنيات .. شعب يخسر ، وسياسي ينتشي من هزيمة مواطنه ، ليرفع من نخب انتصاره المادي والسلطوي والحزبي ، بعلو قامته المتدنية فكرا وخلقا وشعورا ووطنية ومسؤولية ..
نعم .. ربما سيكون انخفاض سعر النفط ، الدرس الأول لتعلّم الميزان العادل والتخطيط الحكيم ، بعد نشوة ارتفاع كأس التسعيرة ، في زمن ربما لن يعود كما كان ، ولم يحسب لها السياسي غير المسؤول والمتهور والفاسد ، أي حساب ، طالما كان متخما ومنتشيا بثروة غير جدير بها وليست من استحقاقه أصلا ، لأنها ثروة الناس الجياع ، العراة ، الذين ينقبون في النفايات المتراكمة يوميا ، عن مصادر لحياتهم ، كي لا تنقرض وتفنى بوجود حيتان ابتلعت الأخضر واليابس ولم تبق له شيئا في الخزينة ..
نحن بحاجة لهذا الدرس ، وعلينا أن نتعلم قبل فوات الأوان .
في الافتتاحية