في ضوء كلمة آية الله خامنئي
عبدالجبار كريم –
في خضم صراع تحالف دولي ضد جماعات ارهابية تتخذ من الدين الاسلامي غطاء لها ، ومحاولة قوى دولية توجيه هذا الصراع مع الافكار الدينية المتطرفة وباساليب ملتوية ، جاءت رسالة آية الله خامنئي قائد الثورة الاسلامية الى شباب الغرب في خطوة منه لرمي الكرة في ساحة الدول الغربية .
أکدت الرسالة على امتلاك الاسلام رؤية حضارية متفوقة على الحضارة العلمانية الغربية التي لم تستطع تشكيل موقف اخير ونهائي من التعامل مع الدين ، وتعثرت ان لم نقل فشلت في تقديم انموذج موحد للتعامل مع الدين كظاهرة بشرية مستمرة مع الوجود الانساني وعلى مستويات مختلفة ، كما اصطدمت الحضارة الغربية بمشكلات جديدة داخليا وخارجيا باتجاه فقدان الثقة بمفهوم التقدم الغربي ، سواء على صعيد بروز الانانية لدى الانسان الغربي اوشعوره بجفاء التقدم المادي او انه اصبح ضحية هذا التقدم وعلى حسابه ، والذي ينعكس على بروز التطرف في اوروبا والدول الشرقية بعناوين مختلفة ولاسباب متباينة تجمعها العامل الاساس وهو الاقتصاد او التقدم بمفهوم اشمل واعم ، حيث بروز مشكلات اقتصادية جمة لدى الغرب ، وشعور شرقي بتباين كبير في التقدم ووجود فجوة كبيرة بين الشرق والغرب او مايسمى بالشمال والجنوب .
رسالة آية الله خامنئي تأتي تزامنا مع الذكرى السادسة والثلاثين لانتصار الثورة الاسلامية عام 1979 وهو يريد ان يؤكد من خلال هذه الرسالة بان الثورة الاسلامية لاتزال تواصل حمل مشعل النور والهداية للعالم اليوم ، وانها لاتزال تشكل محورا مهما من محاور الصراع الحضاري بين نماذج مختلفة في العالم .
اشارت رسالة القائد خامنئي الى تركيز الغرب منذ انهيار الكتلة الشرقية قبل عقدين من الزمن على اظهار الاسلام كعدو جديد لهم ، والى تكريس ( الفوبيا ) اي الخوف من الدين ، داعيا الشباب الغربي الى قراءة الاسلام بنفسه ، بالرجوع الى المنابع الدينية الاصيلة كالقران الكريم ، والى تجربة الرسول محمد ( ص ) ليقف على حقيقة الاسلام وتعاليمه السمحاء ، وكيف استطاعت القيم الاخلاقية والانسانية للاسلام من صناعة اكبر حضارة علمية وفكرية في العالم منذ قرون متمادية .
واكد آية الله خامنئي في ختام رسالته الى الشباب الغربي ان العولمة وتطور وسائط التواصل قد اخترقت اليوم الحدود الجغرافية بين الدول ، داعيا هؤلاء الشباب الى ان يشكل رؤيته بنفسه عما يمثله الاسلام ، ولايسمح للدعايات الغربية أن تشكل وعيه ورؤاه ومواقفه ، والى طرح اسئلة جديدة عسى ان تشكل فرصة جيدة للاستنارة ، وعدم الوقوع في المطب الذي يراد ايقاعه فيه بعزله عن معرفة حقيقة الاسلام ، بعيدا عن الاحكام المسبقة ، وان يؤدي هذا الجيل من الشباب دوره ومسؤوليته في تنوير الاجيال القادمة على حقيقة التعامل الغربي مع الاسلام بضمير حي وبعيدا عن جلد الذات.
الثورة الاسلامية لاتزال في دائرة الضوء
رسالة آية الله خامنئي تاتي في وقت لاتزال الثورة الاسلامية تحظى باولوية خاصة في مختلف الساحات المحلية والاقليمية والدولية ، وقدمت ولاتزال تقدم المزيد من البحوث والدراسات لمعاينة هذه الثورة بكل تفاصيلها وتجلياتها ، وفي مختلف الابعاد وذلك بهدف دراسة هذه الظاهرة الكبيرة التي اسدلت بظلالها على مختلف الارجاء ، ولقيت مقاربات على جميع الاصعدة بهدف استجلاء كل جوانبها واستشراف مستقبلها ، وكان البعد الثقافي والمعرفي في الثورة هو البعد الاهم في مقاربات ودراسات النخب المثقفة ، ولعل الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي توفي عام 1984كان في طليعة المفكرين الحداثويين الذي اهتم بظاهرة الثورة الاسلامية وخاصة في بعدها الثقافي ، حيث وجد في الثورة الايرانية بانها بمثابة نهوض للقوة الناعمة في قبال القوة الصلبة وقوة الجيش الذي اعتمده شاه ايران في قبال الثورة الاسلامية الشعبية ، وبمثابة تكريس للبعد الرابع من ابعاد الارادة السياسية ، الا وهي الروحانية السياسية التي حققت اكبر انتصار للاسلام في هذا العصر.
لقد وجد فيها كبار المفكرين من الشرق والغرب بشائر الخلاص وتغيير وجهة العالم باتجاه اعادة البناء الروحي والاخلاقي للانسان المعاصر وعدم الولوغ كثيرا في الحياة المادية المجنونة التي يجد الانسان فيها نفسه كترس صغير في الة كبيرة ، عليه ان يكون بليد المشاعر والاحاسيس ليتحمل هذه الحياة المادية التي اتخذت الانسان محورا وهدفا لها ولكنها انتهت الى معادلة اصبح الانسان الغربي ضحية لها .
لعل الكثير من ادعياء الثقافة لازلوا يجهلون ينابيع القوة في الثورة الاسلامية الايرانية ولم يفهموا بعد هذه الطاقة الهائلة التي لعبها العامل الديني الاسلامي في مقاومة الاستبداد والتخلف والاستعمار والتبعية وكل ذلك كان بسبب العامل الديني الذي لم ينزلق الى الارهاب والاستبداد كما انزلقت بعض القوى المحسوبة وللاسف على التيار الديني الى دعم الارهاب والجماعات الارهابية وخسرت الكثير من مصداقيتها .
كما وساهمت ايران الاسلام في ايجاد صحوة اسلامية كبيرة في العالم رغم محاولات القوى السلطوية بزعامة اميركا افشالها وتشوييها من الداخل بعد ان عجزت عن تحقيق اهدافها المشؤومة من الخارج وعبر استخدام الاقصاء والتهميش ضدها .
ان الخصوصيات التي ساعدت ايران في انجاز مشروعها الثوري الاسلامي وعدم الرضوخ للقوى السلطوية هو التلاحم بين الفكر والانسان ، وبين العقيدة والسلوك ، وقدرة الأفراد الرهيبة من خلال الأفكار الثورية على تغيير مجرى التاريخ والتأثير في الأشخاص والعقول وتحريرهم من الأوهام والخوف والدفع بهم إلى المشاركة في صنع المستقبل وترغيبهم في التضحية في سبيل الشأن العام .ومن خلال هذا الاصرار على مواجهة كل الصعوبات استطاعت الثورة في ايران الاسلام ان تصون مكاسبها على مختلف الاصعدة ، المحلية والاقليمية والدولية ، وعلى صعيد البناء المجتمعي وبناء ركائز الدولة المستقرة ضمن مؤسساتها وتشكيلاتها ، وتركت الثورة بصماتها على مختلف النواحي ، وذلك لانها ثورة جذرية ولاتلامس السطح فقط ، وتحول حقيقي وليس شكلي كما راينا في التغييرات السياسية التي تحدث هنا وهناك .
تحية اكبار واجلال للثورة الاسلامية في ذكراها الخالدة ، ولتحيا الجمهورية الاسلامية في مواقفها المشرفة والمناصرة للشعوب في تحقيق امالها وتطلعاتها في حياة حرة كريمة .