التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

إحراق الطیّار الأردنی: الأهداف والدلالات 

لماذا كلما تعلّق الأمر بقوات التحالف يجتمع العالم كلًه “لمواجهة الإرهاب” وكأنه لا يُقتل عشرات بل مئات الفلسطينيين والسوريين والعراقيين وغيرهم يومياً وبأبشع الطرق ذبحاً وحرقاً وتفجيراً وتمثيلاً بجثثهم.

للتذكير وكي لا ننسي ما يحصل يومياً في العراق وفلسطين وخاصةً في سوريا التي شهدت الكثير من المشاهد الوحشية من قبل المجموعات الإرهابية ولم يتحرك العالم كما يحصل اليوم وكما حصل بعد أحداث فرنسا الأخيرة، بل تمرّ الأحداث وكأنّ شيئاً لم يكن ولا تظاهرات يجتمع العالم لأجلها ولا ما يحزنون

 ففي مدينة الباب بريف حلب مثلاً، وفي آب العام ٢٠١٢، وبعد سيطرة فصائل مسلحة تتبع لـ “الجيش الحر”، شهدت المدينة التي تحولت في ما بعد إلى معقل لتنظيم “داعش” الإرهابي جريمة لم يلتفت لها العالم حينها، حيث جمع عناصر “الجيش الحر”  مجموعة من الموظفين في الدولة وعدد من العناصر والضباط فوق مبنى البلدية  )أعلى مباني المدينة)، وقاموا برميهم على مرأى من جميع سكان المدينة، وسط تهليل وترحيب من قبل الداعمين للمسلحين حينها، حيث لم تصنف هذه الجريمة في سجلات الجرائم العالمية .

وفي مدينة دير الزور في آب العام ٢٠١١، تناقلت وسائل الإعلام تسجيلاً مصوراً يظهر قيام مجموعة من المسلحين بتقطيع جثة عنصر أمن، ولم يتوقف أحد عنده .

“أبو صقار”، الإرهابي الذي ظهر في ريف حمص وهو يقوم بتشريح جثة جندي سوري ويأكل كبده، تناقلته وسائل الإعلام أيضاً على عجالة لتُطوى صفحته، من دون أية ردة فعل .

وفي حلب أيضاً، تم توثيق عشرات حالات الإعدامات وعمليات تنكيل وسحل، منها على سبيل المثال ما قام به مسلحو “لواء التوحيد”، وهو فصيل تعتبره القوى الغربية معتدلاً ويتبع إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، بحق رئيس قسم شرطة الصالحين حيث تمّ سحله والتمثيل بجثته على مرأى سكان الحي  . أما عن الإحراق حتى الموت، فقد شهدت سوريا عشرات الحالات المماثلة لمسلحين يقومون بإحراق عناصر من الجيش السوري، أو مواطنين متهمين بالوقوف إلى جانب الحكومة وتأييدهم لها، منها على سبيل المثال ما قامت به “كتيبة الأبابيل” في الغوطة الشرقية في تشرين الأول العام ٢٠١٢

وسجل الجرائم، التي شهدتها سوريا منذ بداية الحرب وحتى الآن، مليء، من حلب إلى حمص إلى اللاذقية وصولاً إلى الشرق الذي يضم مئات المقابر الجماعية والتي يشهدها العراق يومياً من تفجيرات والتي تشهدها فلسطين من إرهاب الصهاينة لم يحرك مشاعر العالم ليقوموا بالإدانة والشجب مع فارق ما شهدناه في حادثة إحراق الطيار الكساسبة من إحترافية في الوحشية غير البشرية والتي لا تمت الى الإسلام بصلة.

كلّ هذا وغيره من الجرائم التي تحصل يومياً  بحق شعوب أمتنا لم يحرك مشاعر العالم ولكن عندما تحصل حادثة في فرنسا أو إعدام مواطن أمريكي أو بريطاني تقوم الدنيا ولا تقعد، ولكن مع الشك الكبير وعلامات الإستفهام الكثيرة حول هذه الإحداث ومن وراءها وما هي أهدافها.

 العالم العربي والإسلامي اليوم حزين على الكساسبة الذين مات مظلوماً على أيدي غير البشر. فالضابط الأردني الذي خرج لتنفيذ مهمة أُوكل بها لم يكن يعرف أنّ مصيره سيكون بهذه الطريقة وأنّه سيكون محط أنظار العالم للصورة الوحشية لما جرا له.

 نعم صحيح لا يحصل يومياً مثل ما حصل في هذه الحادثة. فالفيديو الهليوودي المتقن الإخراج والتمثيل لم نره من قبل ولكن شاهدنا رسائل مشابهة في الكثير من الحالات كإعدام الصحفي الأمريكي والبريطاني. ولكن في كل مرة تكون الرسالة موجهة إلى الغرب وخاصةً أمريكا وحلفائها بعدها مباشرةً تبدأ عملية الإستثمار السياسي والتخطيط لخطوات جديدة “لمواجهة الإرهاب”. فلماذا هذا يحصل في أوقات معينة وما الذي سيحصل بعد عرض هذا الفيديو وماذا يريد مَن صنعه وأخرجه؟ وهل أنّ فعلاً داعش من أنتج هذا الفيلم ولماذا؟

كل من شاهد الفيلم طرح العديد  من علامات التعجب في الشكل مرافقةً لعلامات إستفهام في المضمون عن الرسائل والإهداف وما بعد الحدث. فالمؤكد أنّ ليس داعش وحدها وراء ما شاهدناه ولو أنّه لم يعد خافياً على أحد من وراء هذا الإرهاب من دول ومنظمات عربية وغربية على رأسها أمريكا والعدو الصهيوني تموّله وتدعمه عسكرياً ولوجستياً. ومن المؤكد انّه ليس عناصر داعش الآتين من بيئة متخلفة تنبذ كل أشكال التطور والتكنولوجيا هي التي تقدم هذا المشهد الوحشي المروع بصورة تزرع الرعب في قلوب الضعفاء وتظهر داعش والمجموعات الإرهابية أنها ماضية في وحشيتها وإرهابها رغم كل ما يُقال ويُشكّل من تحالفات لمواجهتها ومواجهة المجموعات الأخرى مثيلاتها وهذا أحد أهداف حادثة الإعدام حرقاً.

فإظهار داعش وأخواتها بهذه الصورة يهدف الى إبراز قوة هذه المجموعات وتنظيمها المزيّف من أجل توجيه رسالة قد تفهم بوجهين: الأوّل الى محور المقاومة الذي يتولى مواجهة الإرهاب بشكل فعلي في سوريا والعراق واليمن وغيرها، ولكن هذا المحور قد خبُر هذه المجموعات ولقّنها الكثير من الخسائر في أكثر من محور فالرسالة بالنسبة لمحور المقاومة هي منتهية الصلاحية. أما الوجهة الأخرى فمفادها أن التنظيم عازم على متابعة مشروعه في المنطقة متحديّاً كل العالم وقواته وأسلحته وهذا ما يصبّ في مصلحة أمريكا وحلفائها لأنّ خطر هذه المجموعات ووحشيتها يطال بالدرجة الأولى دول محور المقاومة، وشعارات هذه المجموعات لا تطال العدو الصهيوني والغرب، ولو شهدت بعض الدول فبركات إستخباراتية للإشارة الى استهدافها من قبل الإرهاب. بل إنّ العدو الصهيوني هوالراع الأساسي لهذه المجموعات خاصةّ التي ثبتّ وجودها على حدوده لتشكل خط الدفاع الأول عنه في مواجهة محور المقاومة كما حصل ويحصل الآن في الجولان المحتل.

نعم قد يكون من الصعب فهم بعض ما يخططه الأمريكي وأدواته الصهيونية والعربية من خلال صناعة هذه المجموعات الإرهابية والتكفيرية وتصويرها في لباس القوة والقدرة والتطور لكن من المؤكد أنّ على القارئ العربي أن لا ينجر وراء هذه الدعايات الإعلامية الأمريكية المؤثرة والتي عهدناها في أفلامه ووثائقه المفبركة والموجهة لضرب صورة الإسلام وإضعاف محور المقاومة.

 فهما حاولت أم الإرهاب أن تبثّ الرعب من خلال أدواتها الإرهابية فقد وعت شعوب أمتنا هذا المؤامرة التي يكون دائماً ضحيتها الأبرياء. ولكن يتضح يوماً بعد آخر أنّ هذا الإرهاب لا يتقيّد بضوابط ولا يحترم مواثيق، بل كلّ ما يتقنه هو سفك الدماء والقتل والوحشية وهذا ما لن يستطيع صانعوه السيطرة عليه فقد يأتي الزمان ولم يعد بعيداً أن تضع سنة تدافع وتقاتل الظالمين أوزارها وينقلب السحر على الساحر.

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق