بغداد بين تغليب مصلحة الوطن و تقديم التنازلات السياسية
سعي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال رئاسته للوزراء إلي توفير الحد الأدنى من الأمن في بغداد بأي طريقة كانت، وتأتي جهوده هذه في حين أنه قد واجه ملف داعش منذ بداية مشواره، ويجب عليه أن يكون دائم التفكير بشأن محاربة هذه الجماعة الإرهابية. والمؤشر الواضح علي جهود العبادي، هو رفع حظر التجول في بغداد الذي أعطى أمره قبل بضعة أيام ، كي يتمتع سكان هذه المدينة بعد ١٢ عاماً بحركة المرور ليلاً وبشكل حر، وعدم الحبس في البيوت. وبالإضافة إلى ذلك فقد خفض عدد نقاط التفتيش في المدينة ، كي تتم حركة مرور الناس بشكل أسهل دون أن يضطروا للوقوف في نقاط التفتيش المتتالية.
هذه الموجة من الانسحابات وتعليق التعاون مع مجلس الوزراء، هي صدمة سياسية ضد الحكومة والتي لم يواجهها العبادي في الأشهر القليلة الماضية، وهي تشير إلي وجود خطة لممارسة الضغط السياسي على رئيس الوزراء. وتأتي هذه الضغوط والهجمات السياسية في حين وصل وزير الدفاع والوفد المرافق له إلي قاعدة عين الأسد العسكرية، لدراسة الوضع العسكري في بلدة البغدادي، وسط اشتداد الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي في المناطق الأخري.
لا يمكن تجاهل العلاقة بين الهجمة السياسية من قبل فصيلين في البرلمان العراقي ومساعدي الرئيس ورئيس الوزراء، مع هجوم داعش علي بلدة البغدادي. إذ إن التزامن بين هذين الحادثين يدل على العلاقة الوثيقة بين الضغطين والتنسيق بينهما. وبعبارة أخرى، إن الجهة السياسية المسلحة التي هاجمت الجنابي وقتلت عمه الشيخ قاسم السويدان، قد أعطت الذريعة لهذه الجهة السياسية كي تضاعف الضغوط علي العبادي وتجبره علي تقديم التنازلات.
وكان نوري المالكي قد خبر هذه المناورات السياسية قبل العبادي، وكانت سياسته هي الصمود أمام الضغوط وعدم تقديم التنازلات. واليوم تختبر هذه الجهة السياسية حظها مع العبادي للمرة الأولى، ويجب أن نري هل سيتخذ رئيس الوزراء سياسة مثل سلفه، أم إنه سيفضل في هذه الظروف تقديم التنازلات والامتيازات علي الصمود والمقاومة ضد الضغوط. ولعل العبادي سيعطي الأولوية لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي ويبدي المرونة تجاه هذه الجهات السياسية، ولكن ينبغي أن نلاحظ أن مثل هذه السياسة لا تؤدي إلي سيطرته علي الأوضاع، وإرضاء ملتمسي العذر بالنقاط التي سيحصلون عليها.
وفي الواقع إن السلوك العنيف للحصول علي التنازلات السياسية، مألوف في العراق وقد أثبتت التجربة الماضية أن المطالبة بالتنازلات لا حدود لها، بل أمام كل تنازل تزداد سياسة العنف للحصول علي مزيد من التنازلات. لذلك من الأفضل أن ينظر العبادي إلي حجم المؤامرة الحالية بنحو أدق، ولا يشجع طلاب العنف من خلال إعطائهم المزيد من التنازلات. وبدل ذلك بإمكانه من خلال إعلان الاستعداد للحوار والتعاون مع المجموعات والأحزاب السياسية وحتي هاتين الكتلتين، أن يظهر بأنه غير مستعد للرضوخ أمام الضغوط. وطبعاً نظراً للخبرة السياسية الكبيرة التي يتمتع بها العبادي، فلا نتوقع منه غير ذلك.