إنتقاد الدور الإيراني في معركة تكريت، تعبير عن حالة الضعف لمن راهن علي تنظيم داعش الإرهابي
في ظل الحديث عن بدء الجيش العراقي هجومه لتحرير مدينة تكريت، وفي ظل ما تعنيه هذه العملية على الصعيد الإستراتيجي، خرجت بعض التصريحات الشاذة، والتي لا شغل لها سوى محاولة النيل من إيران، والتخفيف من دورها الفاعل في المنطقة عموماً. ولأن الساحة العراقية هي أحد الساحات الساخنة هذه الأيام، في ظل الخسارات المتتالية التي تلحق بتنظيم داعش الإرهابي، ولما لإيران من دورٍ كبير في ذلك، خرجت أصواتٌ تعبر عن سياسة الدول التي كانت قد راهنت على هذا التنظيم الإرهابي، لتحاول التخفيف من هذا الدور الإيراني الفعال. بناءاً لما تقدم، ما هي مجريات معركة تكريت وأهميتها؟ وما هي المواقف من الدور الإيراني فيها؟
أولاُ: معركة تكريت وأهميتها:
بدأ الجيش العراقي مدعوماً بقوات الحشد الشعبي هجوماً واسعاً من عدة محاور على مدينة تكريت لاستعادة السيطرة على المدينة من تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر عليها منذ منتصف العام الماضي. وتقول القوات العراقية إن ٢٧ ألف مقاتل ينفذون العملية على خمسة محاور. يأتي هذا وسط ظهور علني للواء قاسم سليماني في تكريت وهو ما أعلنته وكالة أنباء فارس الإيرانية.
وفي إشارة الى أهمية هذه المعركة، تعتبر معركة تكريت مقدمة لمعركة الموصل. فهي مدينة مهمة وذات موقع إستراتيجي، والأمر فيها لا يتعلق بالسيطرة على الأرض فقط، بل تتميز المعركة التي يتم الحديث عنها بالحشد الضخم والتعبئة الإعلامية، الى جانب أنها نمط جديد من المعارك، الجامع بين الحرب النظامية وحرب العصابات وتحتاج للخبرة العالية في التعامل معها.
ثانياً: الدور الايراني المتعاظم وتحليل المواقف منه:
في ظل معركة تكريت الإستراتيجية، تأتي أهمية الدور الإيراني الإستشاري، المتواجد في العراق، والمرحب به من الشعب العراقي وأغلب الأطياف السياسية. وذلك يتمثل في مواقف المرجعية الدينية في النجف، وكذلك الأطراف السياسية كالمجلس الأعلى والتيار الصدري وحزب الدعوة، الى جانب موقف الطائفة السنية المرحِّب، وموقف الأكراد الداعم. وبالرغم من أن أغلب الأطراف العراقية ترحب بالدور الإيراني الحكيم في العراق، إلا أنه يوجد أحد الأصوات التي تحاول التقليل من أهمية هذا الدور، ومن ضمنها نائب رئيس الجمهورية العراقية أياد علاوي، والذي أشار في آخر كلامٍ له، الى أن العراقيين لا يحتاجون الى من يدعمهم في جبهات القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي، مشيراً الى أن القوات العراقية قادرة على حسم المواجهات لصالحها فهي تمتلك خبرات عسكرية واسعة.
ولا شك أن هذه الأصوات تعبر في الحقيقة عن موقف أنظمة دول الخليج الفارسي وفي مقدمتها السعودية، والتي تعاني اليوم من مشكلة، إثبات الوجود في المنطقة. فهذه الدول الى جانب تركيا، لم تستطع فرض نفسها على الساحة السياسية في المنطقة وبالتحديد في العراق. وذلك بسبب سوء سياساتها الخارجية المبنية على المصالح والإنتهازية. فالسعودية التي كانت من الداعمين لتنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، تحاول اليوم إعادة ترتيب سياستها الخارجية، وتحاول إعادة النظر في أولوياتها. وهي الدولة التي طالما حاولت المس بالدور الإيراني المتعاظم في المنطقة من خلال الهجوم عليه، لأنها لا تجد وسيلة غير ذلك وهو ما يعبر عن حالة الضعف التي تعيشها السعودية. وفي المقابل تجد أن مواقف إيران، لا تعبر إلا عن حالة القوة. وهي التي أثبتت حضورها وفعاليتها في كافة الملفات المتعلقة بدول المنطقة ومنها العراق. وذلك بسبب وضوح سياستها الخارجية بالتحديد، الأمر الذي جعل العدو والصديق يحترمها، وهنا يأتي في هذا السياق ما أعلنه رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، أمس الثلاثاء، في كلامٍ له أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، عن أن دور إيران في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم داعش الإرهابي، يمكن أن يكون “ايجابياً”. فيما أمريكا ذاتها والتي تسعى اليوم للجلوس الى جانب الإيرانيين للإتفاق معهم، تعتبر السعودية أداةً لها، ليس أكثر.
إذاً، إن هذه الأصوات التي تظهرُ معارضةً للدور الإيراني، لا تعبر إلا عن الخلفية الإقليمية لها. فإيران اليوم أصبحت بحد ذاتها، قائدةً لمحور المقاومة في المنطقة. وعلى الأطراف الأخرى التي ما زالت تبحث عن دور لها، أن تكون بمستوى التحديات، وأن تقرر أين تضع نفسها. وها هو العراق اليوم، ينتصر على الإرهاب الداخلي. ولا شك أن الأطراف العراقية بأسرها، تحترم الدور الإيراني الذي ساعد في ذلك. وفي الوقت نفسه، تعرف الأطراف العراقية جيداً، من راهن على تنظيم داعش الإرهابي، وسعى لتقويته. فإن كان هناك من يخجل في نقل الحقائق، فالتاريخ لن يخجل، بل سينقل الحقائق ولن يرحم أحد.