الأمير تركي والخوف المرضي من إيران
منيب السائح /
لا يمكن التفريق بين فحوى خطابات الأمير السعودي تركي الفيصل ، وبين خطابات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ، حول ايران والبرنامج النووي الايراني والمفاوضات التي تجريها مجموعة 5+1 مع ايران ، الى الحد الذي يصعب تحديد الى أي الرجلين قال هذا الخطاب في حال حذفنا اسم المتحدث ، فالرجلان يعانيان من خوف مرضي من ايران لا يمكن تصوره.
اذا كان من حق نتنياهو أن يعاني من هذه الحالة، لأسباب باتت معروفة، ولكن أن يعاني مسؤول عربي مسلم، بلاده جارة لايران ، من هذا الخوف المرضي الزائد عن الحد وغير المعقول، فهذا أمر يستحق أن نقف أمامه قليلا، فهذه الحالة اذا ما استفحلت ستعود بالضرر لا على السعودية فقط بل على المنطقة برمتها ، لسبب بسيط ، وهو ان المصاب بهذا الرهاب او الخوف غير الطبيعي ، قد يقدم على ممارسات خارجة عن كل ما هو مألوف.
في الوقت الذي ينتظر العالم ان تصل المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 ، الى صيغة تحترم حق ايران في امتلاك برنامج نووي سلمي ، وتطمئن بالمقابل الجهات التي ما زالت تشكك بنوايا ايران ، وتجنب المنطقة مخاطر ومشاكل هي في غنى عنها، نرى في المقابل شخصين يخالفان الاجماع الدولي برمته ، الاول رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي أخذ يدق طبول الحرب ، الثاني الامير تركي الفيصل الذي اعتبر الاتفاق ، في حال التوصل اليه ، سيشعل سباقا نوويا بالمنطقة.
ففي تصريحات لـ”بي بي سي”، قال الأمير تركي: “قلت دائما، مهما كانت نتيجة هذه المحادثات فإننا سنريد المثل .. اذا كان لإيران القدرة على تخصيب اليورانيوم بأي مستوى، فإن السعودية لن تكون الوحيدة التي تطلب هذا الأمر .. العالم كله سيصبح مفتوحا على انتهاج هذا المسار بلا مانع”.
هذه العبارات هي ذاتها التي كررها المهرج نتنياهو في حفلة التهريج البائسة التي أقامها في الكونغرس الامريكي مؤخرا، والتي لم تقنع حتى الصهاينة أنفسهم، فقد أشارت استطلاعات الرأي الى ان نتنياهو خسر الكثير من أصوات الناخبين بعد خطابه الفضيحة ، لذا فمن الاولى الا تقتنع الشعوب العربية والاسلامية وخاصة الشعب السعودي بكلام الامير تركي ، من ان الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ليس في صالح المنطقة وشعوبها.
الملفت في كلام الامير تركي اشارته الى أن بلاده لا تقبل أن تمتلك ايران أي قدرة على تخصيب اليورانيوم بأي مستوى كان ، وهو ما يعني ان السعودية تدعو الى تفكيك البرنامج النووي الايراني بالكامل ، وهذا بالضبط هو المطلب الاول والاخير لنتنياهو، الذي يعتبر أن الاتفاق الجيد هو الذي يفكك البرنامج النووي الايراني برمته، فالامير تركي يخير العالم بين تفكيك البرنامج النووي الايراني وبين أن تسعى السعودية لشراء سلاح نووي، ونتنياهو يخير العالم بين تفكيك البرنامج النووي الايراني وبين هجوم عسكري يشنه على ايران!!.
كما قلنا ان من حق نتنياهو ان يعيش في هذه الحالة المرضية وان يموت بسببها ايضا، ولكن كيف استطاع الامير تركي وهو رئيس سابق للمخابرات السعودية ، أن يعيش ، اكثر من نصف قرن تحت ظل ترسانة نووية، تقدر ب400 رأس نووية ، لكيان عدواني يغتصب أقدس مقدسات العرب والمسلمين، ويضطهد شعبا عربيا اقتلعه من جذوره ومسحه من جغرافية بلاده ، ويعتدي وقت ما يشاء على الشعوب العربية ، بينما ينتاب الامير تركي كل هذا الرعب، من برنامج نووي لبلد جار مسلم ، لم يدخل على مدى تاريخه في حرب مع السعودية او اي بلد عربي، ويخضع برنامجه لاشراف كامل وعلى مدار الساعة ، من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، التي أصدرت عشرات التقارير اكدت جميعها سلمية هذا البرنامج.
لا نتهم الامير تركي ، اذا قلنا انه يحب “اسرائيل” ، ومن احب شيئا عمي عن مساوئه ، ويحلم بزيارتها واقامة علاقات طيبة معها ، فالرجل اعترف بذلك وعلى رؤوس الاشهاد ، في الكلمة التي ألقاها يوم الثلاثاء 8 تموز / يوليو 2014، أمام مؤتمر “إسرائيل” للسلام !! ، وهي كلمة مسجلّة، نقلتها الصحافة العربية والعالمية، يقول الامير تركي في جانب منها:
“تخيّلوا لو أننّي أستطيع أنْ أستقّل طائرة من الرياض، والطيران مباشرةً إلى القدس، وأنْ أصل إلى قبة الصخرة أو المسجد الأقصى، لكي أُشارك في صلاة يوم الجمعة، وبعد ذلك أقوم بزيارة حائط المبكى وكنيسة القيامة. وفي اليوم التالي أقوم بزيارة قبر أبينا إبراهيم في الحرم الإبراهيميّ بالخليل، ومن هناك، أُسافر إلى كنيسة المهد في بيت لحم، وأُواصل وأزور متحف ياد فاشيم ، كما زرت متحف الهولوكوست في واشنطن، عندما كنت سفيرًا في واشنطن”.
بدورنا ندعو الامير تركي الى ان يضع خوفه المرضي من ايران جانبا ، وان يجرب التعامل معها بشيء من الانفتاح والتسامح والطيبة التي ابداها في تعامله مع “اسرائيل” ، فايران تستحق مثل هذه النظرة الودية والمتسامحة ايضا ، فما دام الامير تركي يحمل مثل هذا القلب الكبير والرؤوف ، الذي فاض بعطفه على “اسرائيل” ومسح ستين عاما من الاحتلال والحروب والقتل والدمار والتهويد والاستيطان والعدوان ، للوصول الى سلام دائم معها ، فان بامكانه ان يجد مخرجا من حالته هذه مع ايران، مستعينا من هذا المعين الذي لاينضب من الحب في قلبه الكبير، والتي لم تسفك قطرة دم سعودية واحدة حتى عن طريق الخطأ، ونتمنى أن يجرب الامير تركي تحّمل ايران، ويعتبر ذلك نوعا من الرياضة الروحية، تعود اليه بالفائدة اكثر من غيره.