التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

القصيدة وحدود النظرية 

النص الشعري بحكم تركيبته، وتضافر ثلاثي اللغة والإيقاع والفكر في عمل مركزي واحد، يمتلك امتياز التجاوز للمنطق العلمي بأنواعه. فاللغة تعمل ولها منجزها الصياغي الخاص، والموسيقى تعمل في مديات التعبير ومن بدء النص الى منتهاه. والفكر متسرب الإيحاءات في القصيدة من جملتها إلى مقاطعها، ليكتسب اكتمال ما يمكن تسميته – الفحوى- أو المضمون في بعض من جوانبه

ولذلك، وعلى الرغم من كل هذه السنين الخصيبة التي جرت على الألسنية، ما استطاعت أن تقول حكما أخيرا في مجمل الأساليب وحركتها. وهنا يكون القسم الأول – من ثلاثي اللغة الايقاع الفكر، قد انتهى إلى تشابه وتخالف الاتجاهات من غير ما استقرار أخير. ويبدو أن هذه النتيجة التي ترضي الألسنيين أكثر وتنتهي إلى ما لا يرضي أو يقنع سواهم، هي لذة الدرس الألسني على كل حال، الموسيقى، الإيقاع ومجمل المسار الإيقاعي للقصيدة، تطورت من الإيقاعات المحددة في الأسباب والأوتاد لتجتمع في التفعيلة وإلى انتظام موسيقى البيت الشعري إلى سيمفونية تمام القصيدة واكتمالها. لكن هذه تتعرض في زماننا إلى ما يشبه التمرد وإعادة النظر باعتماد الإيحاءات البنائية وتوالي المعاني لتعطي جوّا قد يكون بديلاعن الموسيقى.. ومع أن مصطلح وتعبير موسيقى داخلية لم يتأكد تحليليا أو علميا. إلا انه، على ما يبدو، يُستشف ويُمنح رضا أو اقتناعا بكونها بديلا عن تلك التي ورثناها. لكن الدراسات الحديثة في تشريح النص الشعري، ما تزال تعتمد الإيقاعات الوزنية، ربما لأنها تمتلك صفة علمية يمكن بها إخضاعها للدرس والقياس.

وهنا نكون أمام ثالثة الأثافي وهو الفكر. لكن المقصود هنا في هذه الورقة، هو الفكر الشعري أو تكاملات المعاني لنكون أمام المضمون العام. وهذا هو أيضا تعرض لاحتجاجات وتمردات. فمنهم من رأى القصيدة تلقائية صوتية ومنهم من لم ير ضرورة للمعاني والأفكار ويرونها صيحات واهتزازات الداخل الإنساني. أيضا، لم تعتمد الدراسات الحديثة بعد هذه “الصيحات” وان اهتمت ببعض ما أشارت له. هذه المسألة شغلت حقل الفلسفة، قبل أن تشغل حقول الأدب وقبل تداخل أمور العقل، المعنى والمنطق تداخلا أربك اتجاه البحوث في المجالات الثلاثة. في الأدب ظلت مسألة المعنى مرتبطة بالفكر وتركيبة المعاني، بعموم فلسفة الكاتب أو الشاعر.

وهكذا ترون أننا لا نستطيع أن نجمّد حركة النص ليمكن إخضاعه لنظرية محددة ولا نستطيع تجزئته لننتقي منه ما يلائمنا. القصيدة كل متكامل، لغتها وموسيقاها وأفكارها. والشواهد مجتزآت قد تدل على المبنى الذي سُلخت منه ولكنها لا تمثله كله. ان أية نظرية في الشعرية لا يمكن أن تحقق سلامة إشاراتها المعيارية أو النقدية إذا لم تمتلك مزية الاتساع وتجاوز الحدود المرسومة. أقول اذا لم تمتلك مرونة الانفتاح على اللا متوقع. وهذا اللا متوقع هو وراء الإدهاش والإثارة وكسر الاعتيادية وتحويل الجملة الخبرية إلى تعبير شعري. اتساع اللامتوقعات يعني حيوية النص الشعري أو تدفقه لأبعاد اخرى. فهل بوسع النظرية أن تتجاوز حدودها المرسومة لتحيط بهذا الاتساع الذي يتزايد، وربما لاتجاهات عدة في نص واحد يبدو جُمَلا صامتة على ورق؟ النقاد هم المرشَّحون للإجابة، وان كنا لانعتقد بأن أيا من أجوبتهم سيكون شافيا ونهائيا.انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق