التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

لماذا تصر تركيا على رحيل الرئيس الأسد؟ 

في إطار استنكاره لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والتي اعترف ضمنها بضرورة التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل حل الأزمة الدائرة في هذا البلد منذ أربع سنوات، ادعى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو “أن مشاكل سوريا الحالية سببها نظام الأسد” وتسآل الوزير التركي في لقاء جمعه مع الصحافيين: “ماذا هناك لكي يتم التفاوض حوله مع الأسد؟ أي مفاوضات ستجري مع نظام قتل أكثر من ٢٠٠ ألف شخص واستخدم أسلحة كيميائية” -على حد تعبيره-

 

كلام الوزير التركي هذا يأتي في سياق السياسة الخارجية التركية تجاه سورية والتي أخذت طابعاً عدائياً منذ بدأ الأحداث الدامية في هذا البلد.عداءٌ يعلن تأبين سياسة الصفر مشاكل مع الجيران لتتحول إلى مزيج من سياسة التهديد والوعيد والتدخلات في كافة الميادين.

 

هي أحلام إحياء الإمبراطورية العثمانية من جديد، أحلامٌ ما فتئت تراود السياسيين الأتراك لتدفع بهم إلى انتهاج هذه السياسة العدائية والتي جعلت تصريحاتهم وقراراتهم تخلو من الحكمة واللباقة الدبلوماسية.

 

فبعد التقارب والعلاقة الوطيدة التي جمعت البلدين الجارين سوريا وتركيا في عهد حكومة الرئيس بشار الأسد (قبل بدأ الحرب) والزيارات المتبادلة والاتفاقيات الموقعة والتي فتحت سوريا على إثرها حدودها أمام البضائع التركية، لتدفع الصناعة السورية ضريبة هذه العلاقات، حيث ضحَّت سوريا في ذاك الوقت بكل شيء لأجل تطبيع علاقتها مع الجار الشمالي حرصاً منها على العلاقات التاريخية وأواصر القربى التي تجمع الكثير من العوائل التركية والسورية.عمدت تركيا إلى إعلان الحرب على الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد مستخدمة كل الوسائل الممكنة من أجل الوصول إلى الهدف المنشود المتمثل بإسقاط الدولة السورية.

 

يقول متابعون للشأن التركي: إن تركيا لم ترع حقوق جارها السوري، حيث هدف السياسيون الأتراك عبر التقارب الذي شهدته العلاقات السورية التركية قبل الحرب السورية إلى تعزيز نفوذ الإخوان المسلمين في سوريا وتقديم التسهيلات لهم ودعمهم بكل الوسائل الممكنة حتى وصل بهم الأمر إلى مطالبة الرئيس السوري بتقاسم السلطة معهم، الأمر الذي يحمل حساسية كبيرة بالنسبة للدولة السورية وهي التي عانت ما عانته من الإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي، تدخلٌ في شؤون الجار لا يبرره سوى التوق التركي لإعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية والتي كانت تحكم جميع الدول العربية في يوم من الأيام.

 

ومع بدأ الحرب السورية عام ٢٠١١م تصاعدت وتيرة وحِدَّة التصريحات التركية فيما يتعلق بالشأن السوري حتى وصلت إلى درجة المطالبة برحيل الرئيس الأسد والذي ولمدة قريبة كان يصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالأخ، استمر مسلسل الاستهداف التركي للدولة السورية فعين أردوغان “فيصل يلماظ ” المعروف بتوجهاته القومية المتطرفة وعلاقته الوثيقة بالمخابرات التركية وبقيادة الإخوان المسلمين “واليا” على سوريا في خطوة انتقدتها المعارضة التركية ووصفتها أنها”من شأنها تذكير السوريين والعرب بفترة الحكم العثماني لسورية والدول عربية، وهي حقبة تاريخية خالطتها ممارسات خاطئة لولاة عثمانيين وخاصة في سورية والعراق.”

 

لم تكتف الحكومة التركية بهذه الممارسات بل عمدت إلى فتح حدودها أمام شذاذ الآفاق من إرهابيين وتكفيريين لتستضيفهم وتدربهم ومن ثم تقوم بإرسالهم إلى سوريا ليُعملوا بدورهم سكاكينهم في رقاب الشعب السوري. يقول الدكتور بشار الجعفري المندوب الدائم لسوريا في الأمم المتحدة في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الأمن الدولي:”مما لا شك فيه أن تسهيل السلطات التركية لعبور آلاف الإرهابيين والمتطرفين والمرتزقة الأجانب من شتى أنحاء العالم إلى سوريا ومدهم بالمال والسلاح وبأشكال الدعم المباشر الأخرى هو انتهاك صارخ للصكوك الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وخرق فاضح لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة” ، إذاً الدعم التركي للارهابيين في سوريا بات أمراً مسلماً بالنسبة للسلطات السورية وهي التي اشتكت مراراً من التدخل التركي في الشأن السوري وخصوصاً العسكري منه حيث قام الجيش التركي باستهداف مواقع للجيش السوري داخل الأراضي السورية مرات عديدة.

 

في منتصف العام ٢٠١٤م وبعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل العراقية وتوجهه إلى الهجوم على إقليم كردستان العراق، قامت أمريكا وشركاؤها من الدول الغربية والعربية بتشكيل تحالف دولي إدعت أن من شأنه توجيه ضربات لتنظيم داعش ومنعه من التقدم واحتلال مناطق جديدة من العراق وسوريا، لم تشارك تركيا في هذا التحالف-وهي الدولة العضو في تحالف الناتو- بل اشترطت ثمناً لذلك تعهد الدول الغربية بالعمل على إسقاط الرئيس الأسد وتشكيل منطقة عازلة في الشمال السوري تمهيداً منها لسيطرة جيشها على هذه المنطقة وضمها إلى تركيا.

 

قمارٌ سياسي:

 وفي الوقت الذي يرى العالم أجمع تمسك الشعب السوري بخيار الدولة السورية ومحاربة الإرهاب الذي عاث في هذا البلد خراباً ودماراً، وفي الوقت الذي نرى فيه إذعان دول العالم المختلفة -حتى أمريكا- بحتمية الحل السياسي للأزمة السورية، وأن الرئيس الأسد باعتباره رئيساً منتخباً من قبل الشعب السوري هو جزءٌ أساسي من هذا الحل، نرى تركيا مستمرة في سياستها العدائية تجاه سوريا والشعب السوري، حيث ربطت تركيا سياستها الخارجية بإسقاط الرئيس الأسد مهما كان الثمن، حتى لو كان هذا الثمن عزلتها السياسية وإنفضاح دورها في دعم الحركات الإرهابية في سوريا والعراق والتي لن يكون الشعب التركي بمنأى عن ارهابها. فحزب العدالة والتنمية (الإخواني التوجه)لن يتحمل الهزيمة الناجمة عن بقاء الأسد في الحكم وهو الذي ربط مستقبله بزوال النظام السوري، كما أن تركيا الساعية للإنضمام للاتحاد الأوروبي تريد أن تثبت للعالم الغربي مدى إخلاصها وولائها، فهي ومن أجل قصم ظهر محور المقاومة عبر القضاء على النظام السوري الداعم للمقاومة، حاضرة أن تتحمل كل الخسائر والأضرار حتى لو كانت هذه الأضرار تستهدف أمن شعبها وعلاقاتها مع جيرانها، فهي بذلك تريد أن تثبت استعدادها لانتهاج السياسة الغربية المعادية للحقوق العربية والإسلامية والتي تستهدف دول الممانعة وحركات المقاومة بشكل خاص. كما أن تركيا اليوم تخشى من سوريا قوية يرأسها الرئيس بشار الأسد والذي تخاف أن يعمد للانتقام منها عبر تشجيعه للعلويين أو لحزب العمال الكردستاني للعمل ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، هذا الحزب الذي حول تركيا إلى عدو أحمق في نظر جيرانها ودفع بها إلى الدخول في نفق مظلم لا أحد يعرف كيف ستخرج منه.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق