عندما تتفنن واشنطن في ليّ أذرع الحلفاء!
فصول جديدة تتكشف في ملف موظف وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن مع تصريحات زيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية حول تهديدات واشنطن لبرلين كي لا تمنح اللجوء لسنودن.
ونقل قال غابرييل وهو وزير الاقتصاد الالماني أيضا تعليقا على الموضوع في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أمريكية منها “ذا انترسيبت”: “قالوا لنا في واشنطن إنهم سيوقفون التعامل معنا في مسائل الأمن ولن يخبرونا عن المؤامرات وغيرها من التقارير الاستخبارية” في حال أقدمت ألمانيا على منح سنودن اللجوء.
غابرييل الذي كان يتحدث في هانوفر للصحفيين لم يحدد الجهة الحكومية الأمريكية التي “هددت الألمان”، وفق تعبيره.
ألمانيا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فهنالك الكثير من الأمثلة عن ضغوط تارة وتهديدات تارة أخرى من قبل واشنطن لمراكز قوة في العديد من العواصم الأوروبية.
ولطالما وجدت واشنطن هذه العلاقة مستوية وملائمة وغير مكلفة، لا سيما أنها لم تكن تدفع شيئا مقابل الخدمات التي تحصل عليها، على الرغم من أن دولا كبريطانيا عادة ما تبادر الى إرسال جنودها في مهام عسكرية تصب بصورة أساسية في مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يشفع لبريطانيا هذا التعاون، فالتقارب الحاصل بين بكين ولندن لم يمر بدون تعليق أمريكي يلمح لعدم الارتياح، وكانت مناسبة التعليق قرار بريطانيا الانضمام إلى بنك البنية التحتية والاستثمار الآسيوي، وهو منافس محتمل لمؤسسات مالية دولية تتحكم فيها واشنطن، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. فقد أعرب مسؤول في البيت الأبيض قبل مدة عن أسفه تجاه “الموافقة البريطانية المستمرة للصين”، الأمر الذي يحدث منذ 2013، عندما بدأت لندن تحصد ثمار التجارة والاستثمارات الصينية.
نقطة أخرى في فيض العلاقة مع “الحلفاء” وضعتها عمليات التنصت الشامل من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية على اتصالات المستشارة الألمانية وحكومتها، بما في ذلك المكالمات التي تجريها عبر هاتفها الشخصي. وقد اعتبرت ذلك نوعا من الخيانة وقلة الاحترام، في حين رأت إدارة أوباما أن مثل هذه الأمور تعتبر شيئا طبيعيا في العلاقات بين الدول المتحالفة.
نلوي الأذرع كي نستمر
الولايات المتحدة كثيرا ما تترك التلميحات جانبا وتلجأ للكلام المباشر في رسم الطريقة التي تراها مناسبة لـ”حماية مصالحها”، وهو ما نجده في تصريحات الرئيس باراك أوباما في فبراير/شباط الماضي حين قال إن الولايات المتحدة تعمد إلى “لي ذراع” دول أخرى للحصول على النتائج المرجوة في علاقاتها الخارجية.
هذه الطريقة المبتكرة في التعامل تهدف حسب الرئيس الأمريكي إلى مواصلة النهج الذي يكرس مواصلة الولايات المتحدة لقيادة العالم.
وأوضح أوباما في تصريحه أنه لولا سياسة “لي الذراع في إجبار الدول على التنفيذ” لما استطاعت الولايات المتحدة مواصلة هذا النهج.
إلى متى ؟
أصوات بدأت في أوروبا تدعو علنا للخروج من القاطرة الأمريكية وسلوك نهج سيادي يليق بمركز أوروبا السياسي والاقتصادي.
فقد أعربت مارين لوبان، زعيمة الحزب الفرنسي اليميني “الجبهة الوطنية” في 20 مارس/آذار عن أملها بأن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التخلص من ضغط الولايات المتحدة الذي تمارسه لتحقيق مصالحها في أوكرانيا.
وأكدت لوبان أن الجميع يعلم بمشاركة واشنطن الفعالة في الأزمة الأوكرانية “من أيامها الأولى”، متسائلة: “بم كان يفكر من أسّس الاتحاد الأوروبي؟ ما الحاجة للاتحاد الأوروبي الذي كانت فكرته أن يكون مركز قوة سياسية، إذا كان يخضع لأوامر الولايات المتحدة؟”.
وقالت: “آمل أن تستطيع وزارات خارجية بعض دول الاتحاد الأوروبي التحرر من الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة لتمرير مصالحها في أوكرانيا”.
في أوكرانيا أيضا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، الجار الطبيعي والشريك الحتمي، ما تسبب بخسائر فادحة للطرفين.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إنه من الأفضل للاتحاد الأوروبي النظر إلى مصالحه قبل اتخاذ أي قرار بشأن فرض عقوبات جديدة ضد روسيا.
وأضاف أن هذه الخطوات في حال اتخاذها يجب أن تكون على أساس المصلحة الوطنية وليس لأسباب غامضة وضعت من قبل طرف مجهول.
بدورها حذرت وزارة الخارجية الروسية في بيان رسمي الجمعة 20 مارس/آذار واشنطن من استمرار السير في طريق تجاهل مصالح الأمن الأوروبي، مؤكدة أن موسكو تعول على ألا تنساق أوروبا وراء الولايات المتحدة في انتهاج الصدامِ مع روسيا.
سياسة لي ذراع الحلفاء نهج يكشف عن “بلطجة” أمريكية لا يستثني الصديق ولا الغريم، وهو لا يليق بدولة تعتبر نفسها سيدة العالم وتدعي الدفاع عن القوانين الدولية والعلاقات بين الدول، وهو يكشف ضعفا في الحجة لدى مراكز القرار في بلاد العم سام.