محاولة إقصاء العراق المنتصر بجيشه الموحد في تكريت، عبر التحريض علي الفتنة المذهبية
إن الهجمة الأمريكية التي شهدتها المنطقة، والتي سعت أمريكا من خلالها الى السيطرة على مقدرات الشعوب، تشهد اليوم انحساراً، يتمثل في تراجع هيبتها وقدرتها على التأثير في قرارات المنطقة الإستراتيجية. ولا شك أن العراق كان بلداً محورياً في هذا الصراع، وهذا ما تشير له الأحداث على مر التاريخ السياسي المعاصر. لكن الأهم من كل ذلك هو محاولة الأطراف التي تخسر دوماً، والتي تخرجها سياساتها الفاشلة، من الساحة السياسية، اللجوء الى الفتنة كسبيلٍ للعودة الى الملعب السياسي. وهذا ما يمكن إطلاقه على الحملة الممنهجة، ضد العراق اليوم، بعدما أثبت وحدته وقدرته على الوقوف في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي. كما وأن الدور الإيراني المتعاظم والذي جاء نتيجة الرؤية الإيرانية الحكيمة وسياساتها المتوازنة، ساهم في إنجاح الوحدة العراقية، وجعل العراقيين يقفون صفاً واحداً داخل الجيش العراقي للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي. مما جاء عكس التوقعات التي كانت تراهن على فشل ذلك وبالتحديد، عملية تكريت الأخيرة. فماذا في الأحداث المتعلقة بالملف العراقي؟ وما هي دلالاتها الإستراتيجية؟
إن الجرم الأمريكي في العراق، هو الجرم الذي يستحق الإدانة في هذه الظروف اليوم. وليس التهجم على الدور الإيراني وانجازات السياسة الإيرانية، التي ساهمت في تغيير خارطة المنطقة، لما فيه مصلحة الشعوب كافة. فأمريكا هي التي أدخلت التقسيمات المذهبية الى هذا البلد وكرستها، وهي التي جاءت بالسياسات الحاضنة لنمو تنظيم داعش الإرهابي، وتمدده في العراق وسورية والمنطقة العربية برمتها. كما أن السياسة الأمريكية في العراق ومنذ إسقاط النظام العراقي السابق، لم تأت إلا بالويلات على الدولة العراقية والشعب العراقي. فالتدخل الأمريكي في الشأن العراقي، والذي ساهم في ضرب وحدة الجيش العراقي، أدى الى ضرب مقومات الدولة العراقية، والقضاء على النسيج الاجتماعي العراقي .
ومن يحاول الادعاء بأن اللاعب الأمريكي سعى في يومٍ من الأيام الى تحقيق مصلحة العراق، فهو واهم. فبالرغم من أن التحالف الذي تقوده أمريكا، وضع القضاء على الإرهاب الداعشي هدفاً له، إلا أن النفاق الأمريكي ظهر بوضوح، عندما تنصلت أمريكا وكل الدول الأخرى وبالخصوص العربية منها، من مساعدة العراق في معركة تكريت الأخيرة. وعندما علمت الأطراف السياسية حينها بأن إيران لا تتنصل من تعهداتها الرامية الى مساعدة شعوب المنطقة، ووجدوا أن إيران لن تتوانى عن دعم العراق موحداً في القضاء على الإرهاب الذي يهدده، قرروا ترك العراق وحيداً، مراهنين على فشل اللاعب الإيراني، في حال تصدى للإرهاب وحده. وبالرغم من ذلك، أعلنت إيران أنها لن تتوانى عن دعم العراق جيشاً وشعباً، ووقفت الى جانبه، مما ساهم في نجاح الجيش العراقي في تسطير البطولات في معركة تكريت الأخيرة. مما جعل الأطراف كافة تجد فيما حصل، انتصاراً للعراق الموحد، وإيران الداعمة. وهنا وجد الأطراف أنفسهم محرجين أمام الإنجاز العراقي .
لذلك اختار اللاعبون الإقليميون على الساحة العراقية، محاولة إظهار أن المشكلة التي تعاني منها المنطقة اليوم تتمثل في التعاظم الإيراني. إلا أن السياسة الأمريكية المعتادة في التحريض على الفتنة ومحاولة تحريك الرأي العام عبر الإعلام الممنهج، لم تعد تنفع مع الشعوب التي وجدت اليوم في السياسة الأمريكية نفاقاً واضحاً، بينما أيقنت أن الطرف الإيراني لا يبيع أو يشتري، أمام مصلحة الشعوب، بل يبقى على مواقفه الثابتة.
وهنا رأى المعنيون في التخطيط الإستراتيجي للسياسة الأمريكية في المنطقة، أن الهجوم على الدور الإيراني، أمرٌ محكومٌ عليه بالفشل. فقرروا اتباع سياسة التخفيف من الإنجازات. ولذلك بدأوا في الهجوم على إنجازات الجيش العراقي الموحد، والذي انخرطت تحت قيادته قوات الحشد الشعبي والعشائر والبيشمركة، ووقفوا جميعاً سنةً وشيعةً وأكراد، في عملية تكريت الأخيرةً، للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي. ولأن لإيران دورٌ كبيرٌ في تقديم الاستشارات اللازمة، لتوحيد الصفوف داخل الجيش العراقي، وتقديم الدعم اللوجستي، للقوات المسلحة، حُسم الأمر في الميدان، لصالح الشعب العراقي، في حربه ضد الإرهاب .
وهنا تجدر الإشارة الى أن الجميع اليوم، يعلن حالة الإفلاس السياسي أمام تحدياتٍ إقليمية كبيرة. ولا شك أن المخطط الأمريكي في القضاء على الإرهاب في المنطقة، لم يعد يملك الكثير من فرص النجاح في ظل هذا التخبط الذي نراه. وإن حقق نجاحاً فإنه سيكون بطيئاً ومكلفاً وجزئياً، وسيؤدي الى خلق بدائل لا تقل خطورة عن الخطر الأساسي. فلعبة دعم الأطراف انطلاقاً من المبدأ المذهبي، لا بد أن ترتد سلباً على المدى البعيد. وهذا ما حصل مع أتباع السياسة الأمريكية، وبالخصوص دول الخليج الفارسي، والتي استخدمت هذا النهج في سوريا واليمن وليبيا والعراق اليوم. وهنا تأتي المفارقة، عند الحديث عن الدور الإيراني الذي استطاع ضرب هذا المشروع والمراهنة على الدولة ومؤسساتها في كل الدول. لذلك كان الدعم الإيراني للنظام السوري واضحاً، وكذلك كان الأمر بالنسبة لدعم وحدة الجيش العراقي، وهو الأمر ذاته عندما تتعلق المسألة باليمن.
إذاً هو الزمن اليوم، لا يفرض فيه إلا اللاعبون الأقوياء شروطهم. ولأن إيران استطاعت أن تفرض نفسها على الساحة الإقليمية والدولية، ساهمت في بناء خارطةٍ جديدةٍ للشعوب، ستؤدي في المستقبل القريب، الى إخراج شعوب المنطقة من الهيمنة الأمريكية. وحديث بعض الأبواق الشاذة والتي تهاجم إنجازات القوات العراقية في تكريت اليوم، ليس إلا جزءاً من المؤامرة الكبرى التي يظهر أنها أصبحت في خواتيمها. فتصريحات الأزهر الأخيرة، لا تستحق الوقوف عندها أو حتى إعطاء أي اهتمام لمنطلقاتها المذهبية. لأن الشعب العراقي قال كلمته، عندما نزل الى الميدان موحداً. وبالتالي فإن هذه التصريحات ولدت ميتة، ولا تستحق حتى مجرد التعليق عليها. فالكلمة اليوم للشعوب فقط، وقد رأى العالم بأسره موقف الشعب العراقي. ولكن على الذين بدأوا إعلان حالة الإفلاس السياسي، ونهاية مشروعهم في المنطقة، أن يحترموا السيد الجديد للمنطقة، أي اللاعب الإيراني، لأن مشروعه ما يزال في بداية الطريق …