من سرق بقرتنا …؟
د. ماجد اسد
كان هناك في احد القرى رجل ضرير لا يمتلك من الدنيا الا بقرة – تقول الحكايا – و في ذات يوم ذهب رجل ليراها فلم يجدها و في تلك اللحظات سمع صوت اذان الفجر فهرول مسرعا الى المسجد و عندما اراد الوقوف في الصف الامامي لم يجد مكانا له فبحث عن مكان في الصف الثاني فلم يجد فسحة له و هكذا اضطر ان يقف خلف الجميع لانه لم يجد مكانا يقف فيه .. فصاح :
– ايها المؤمنون …. من سرق بقرتي ….؟!
هذه حكاية قديمة و لكنها ذكرتني و انا استمع الى مئات الفضائيات على امتداد الوطن العربي الكبير شرقا و غربا ، شمالا و جنوبا ، بل و في مناطق بعيدة ايضا و اشاهد فيها ما لا يحصى من المتحدثين .. و المتكلمين .. و الساسة .. و الوعاظ .. و الاساتذة .. و القادة .. و الخطباء .. و جلهم يتحدث عن :
– الامانة ..
– الايمان ..
-مخافة الله ..
– المشاركة في المصير ..
– الصدق و الاحسان ..
– نبذ العنف و كراهية العدوان ..
– و الدعوة الى رص الصفوف .. و تجنب الخلافات .. و التشهير .. و حب العدل .. و الاستقامة .. و الوقوف بحزم ضد الارهاب …. الخ .
دعوات تأتي عبر الفضائيات .. و شبكات الاتصال .. بمختلف انواعها : المرئية .. و المسموعة .. و المطبوعة .. و عبر النقل المباشر و المتلفز … الخ .
و هي لا تهمل ما ستؤول له مصائر البشر ، لانها وجيزة و وجيزة جدا ، و ان الموت لن يترك قويا .. او غنيا .. او دكتاتورا .. او بطلا .. او فقيرا ، يفلت منه ! فالحياة لا تعدو اكثر من ومضة من التراب و الى التراب …!
و لكن عندما نشاهد – و في هذه القنوات ذاتها – انباءاً : الاقتتال .. و المذابح .. و الهدم .. و الدخان .. و تشريد الابرياء .. و موت الاطفال بردا .. و مرضا .. و جوعا .. و سبي النساء .. و تدمير الممتلكات .. و اضاعة الثروات … الخ .
نتساءل :
من يهدم .. و من يخرب .. و من يسفك دماء الاطفال و النساء و الشيوخ .. و من يسرق اموال الشعب .. و من ينشر الفوضى و يروج الخرافات .. و يسهم بحرب الكل ضد الكل … الخ .
فأذا كان ( الجميع ) لا يدعون الا الى الوحدة و الاصلاح و الايمان و مخافة الله ، و يحذرون من ايذاء الابرياء و سرقة اموالهم … فمن سرق بقرة الفلاح المسكين ، و من سرق احلام الملايين و سلبهم حقوقهم عبر عصرنا الحديث … ؟!