السعودية والمستنقع اليمني
باسم حسين الزيدي /
لا يمكن مقارنة الخطر الذي تشكله الازمة الحالية في اليمن على امن واستقرار السعودية بأية ازمة أخرى يمكن ان تهدد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وباستثناء إيران (التي تعتبرها المملكة المسبب الاول لأغلب المخاطر التي تحيق بها) من هذه المعادلة، فان اليمن اصبحت التهديد الحدودي الأخطر والاقرب (متجاوزة التهديد القادم من العراق) للسعودية، بعد ان شكل الحوثيون بتحركاتهم المفاجئة والسريعة في سبتمبر الماضي نحو العاصمة صنعاء، وإلغاء شرعية الرئيس والحكومة والبرلمان اليمني المدعوم من السعودية، تحديا حقيقيا للسياسة الخارجية السعودية وهيبتها الخليجية والإقليمية، إضافة الى وضع الملك السعودي الجديد “سليمان بن عبد العزيز” امام اول تجربة خارجية يمكن ان تقدم عليها المملكة، خصوصا على مستوى العمل العسكري داخل اليمن، وهو تحرك سيكون محط اهتمام ومراقبة الكثيرين. السعودية بادرت فعلا الى التحرك، أولى الخطوات جاءت على لسان وزير الخارجية السعودي “سعود الفيصل” الذي أطلق عدة تصريحات “نارية” هاجم فيها الحوثيين معتبرا ان “تصعيدا خطيرا جراء انقلاب ميليشيا الحوثي على الشرعية الدستورية، وما يشكله من تهديد لأمن واستقرار اليمن والمنطقة بل والعالم بأسره”، وهاجم إيران بالقول أيضا “نحن ضد أي تدخل إيراني في شؤون الدول العربية، تدخلها في اليمن أو غيره يأتي كعدوان، وهو ليس بطلب من الشرعية في اليمن، فكيف يمكن أن يكون أحد مع هذا العدوان؟”، مؤكداً على تصعيد الموقف بالقول “نحن بصدد حماية اليمن وحماية الشرعية اليمنية التي يمثلها الرئيس عبد ربه هادي، أعتقد أن كل أصدقائنا سيهبون للمساعدة إذا ما طلب منهم ذلك، خاصة إذا كان هناك تعد على الشرعية يستطيع أن يطالب بتنفيذ المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”، كما تحركت السعودية أيضا على لسان وزير الخارجية اليمني الجديد “رياض ياسين”، الذي طالب بتدخل “درع الجزيرة” سيء الصيت، بالقول “نطالب بأن تتدخل قوات درع الجزيرة لوقف هذا التمدد الحوثي بمساندة إيرانية”، كما اكد “ياسين” إنه “جرت مخاطبة الأمم المتحدة، وكذلك المجتمع الدولي، بأن يكون هناك منطقة طيران محظورة، وأن يمنع استخدام الطائرات العسكرية في المطارات التي يسيطر عليها الحوثيون”، فيما اشارت مصادر مقربة من الرئيس اليمني “هادي” إن “طائرات عسكرية تابعة لقوات درع الجزيرة المشتركة ستصل إلى عدن لحماية أجواء المدينة، ومنع تحليق الطائرات الحربية في سماء عدن”، مع الإشارة الى إن “طيارين مصريين سيقودون تلك الطائرات”. وسبق للرئيس المصري “السيسي” ان تحدث عن تشكيل “قوات عربية” لمواجهة خطر انتشار التنظيمات المتطرفة في ليبيا وغيرها من الدول العربية، وهي دعوة لاقت استحسانا من الملك “عبد الله” في الأردن، واعتبر الرئيس المصري ان “باب المندب” ممر مائي استراتيجي وحيوي لمصر لن يسمح لأي جهة ان تهدد امن مصر واستقرارها من خلاله، ويجري التنسيق بصورة كبيرة بين دول الخليج ومصر والأردن على تحجيم دور الحوثيين في اليمن، وان اختلفوا في طبيعة “القوات العربية” التي تحتاجها للقضاء على التمرد الحوثي، ويمكن ان يعوض “درع الجزيرة” عن تشكيل قوات عربية جديدة في حال قررت هذه الدول الدخول في مستنقع اليمن، وهو امر مستبعد في الوقت الحالي لعدة اعتبارات امنية وسياسية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية البريطاني “فيليب هاموند” خلال مؤتمر مشترك مع وزير الخارجية السعودي (الذي ذهب الى إمكانية استخدام الخيار العسكري) بالقول “أعتقد أن الأمير سعود الفيصل شرح الموقف من وجهة نظر المملكة العربية السعودية، لقد اتفقنا أننا سنناقش بيننا ومع الأمريكيين خيارات متعددة يمكن أن نتخذها لتأكيد موقف الرئيس هادي ودعمه وتقوية الحكومة الشرعية ودعمها في مواجهة العدوان الذي يحدث ضدها، لا أحد منا يرى حلًا عسكريًا ضد هذا الصراع، نريد أن نرى جميع الأطراف في البلد تتناقش على أساس المبادرة الخليجية”. وتدرك السعودية ان الوضع أكثر تعقيدا في اليمن من البحرين (عندما قامت قوات درع الجزيرة بسحق المعارضة الشيعية دعما للنظام السني عام 2011 وقتلت وجرحت الالاف من المتظاهرين) لعدة أسباب: 1. ان المعارضة في البحرين سلمية ولم ترفع السلاح، بينما حركة “أنصار الله” التابعة للحوثيين، لها جناح عسكري متمرس خاض 6 حروب ضد نظام “علي عبد الله صالح” وحرب لمدة شهر مع السعودية، وزادت قوة الحوثيين في الآونة الأخيرة بعد ان شكل تحالفا قويا مع الجيش وعدة قبائل يمنية. 2. لا توجد قوة واحدة في اليمن، بل على السعودية والقوات المتحالفة معها مواجهة الحوثيين وفرع تنظيم القاعدة في اليمن الذي يعتبر اقوى فروع التنظيم ويسيطر على مساحات واسعة من اليمن، إضافة الى تنظيم (الدولة الإسلامية/ داعش) الذي تؤكد مصادر يمنية انه استطاع تثبيت قدمه في اليمن مستغلا الفوضى الأمنية والأوضاع المربكة، وقد أعلن التنظيم مؤخرا مسؤوليته عن التفجيرات التي طالت مساجد يصلي فيها الحوثيين وراح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، وهو ما عده مراقبون اعلانا رسميا لدخول داعش الى اليمن. 3. ارتفاع وتيرة الصراع الطائفي (السني- الشيعي) والإقليمي (السعودي- الإيراني) الذي قد يؤدي فعلا الى ارتفاع تهديد التنظيمات المتطرفة التي قد تستغل مثل هكذا صراعات لتقوية نفوذها، وقد يمتد تهديد الصراع داخل اليمن الى مناطق حيوية أخرى قد تشمل باب المندب ودول الجوار لليمن، وبالأخص السعودية الغنية بالنفط. 4. قد يؤدي دخول هذه القوات الى اندلاع “حرب أهلية” في اليمن، والتي حذرت منها الأمم المتحدة، اذ ان إمكانية حسم المعركة لصالح القوات الخليجية والدول الداعمة لها بسرعة سيكون امر من الصعب تحقيقية في ظل هكذا تعقيدات، ما يعني المزيد من الانقسامات والتحالفات والصراعات داخل اليمن وبالتالي الوقوع في هاوية الحرب الاهلية، كما ان عدم الحسم السريع يعني استنزاف درع الجزيرة الذي لن يستطيع الانسحاب بسهولة وترك اليمن الى المجهول. وقد تلجأ السعودية الى استنساخ فكرة “التحالف الدولي” في توجيه ضربات جوية محدودة ضد معاقل الحوثيين لشل تحركاتهم تجاه عدن (كما حدث في ليبيا)، مع دعم الجماعات الموالية للرئيس اليمني “هادي” بالسلاح والأمور الأخرى، للضغط على الحوثيين واجبارهم على التراجع عن “التعبئة العامة” التي أعلنها زعيم الحوثيين لمواجهة الموالين لهادي، ويرى مراقبون ان السعودية تخشى من التحرك بمفردها خوفا من ان تعلق في المستنقع اليمني المعقد، وهي في سبيل ذلك تستعين بالتحرك الجماعي لحلفائها (الولايات المتحدة الامريكية، بريطانيا) والمقربين منها (دول الخليج، مصر، الأردن)، لكن لن تفيد تحركات السعودية العسكرية (في حال وقوعها) الا في تعقيد المشهد اليمني الذي يحتاج الى توافق سعودي-إيراني على التهدئة (وقف اطلاق النار بين الطرفين) أولا، ومن ثمة الحوار السياسي عبر المفاوضات للخروج من المأزق والدخول في مرحلة الحل السياسي الشامل.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق