فنانون: ليل بغداد كان مضاءً بأنوار المسارح
يعد الاحتفال باليوم العالمي للمسرح عيدا للمسرحيين العراقيين، إذ كانوا من أوائل المسرحيين العرب الذين نبهوا إلى أهميته، ومن تابع احتفالاتهم لا يجدها متمظهرة بالتواجد في يوم 27 من آذار، الذي وافق يوم أمس الجمعة، إنما بالتهيئة له طوال عام، وقد أسهم هذا العيد بتنشيط الحركة التأليفية والإخراجية والتمثيل والأزياء والموسيقى والديكور.
لأن اللجنة المكلفة بمنح الجوائز للمبدعين، كانت تختار المتميزين في كل مجالات العملية المسرحية، وكانت الجوائز بمثابة تقييم للعاملين والكثير منهم طور عمله وطور المسرح العراقي، لذلك شهدت السبعينيات وإلى منتصف الثمانينيات أكثر المراحل ازدهارا في المسرح العراقي.
رسالة دولية
وعندما خيم شبح الحرب ضعف المسرح والتجأ البعض إلى المسرح التهريجي، لأن الدولة كانت تريد أن يلتحق المسرح بالحرب، ومن هنا فقد العيد رونقه وأهميته إلى ان انقطع المسرحيون عن الاحتفال به.
يذكر أن يوم المسرح العالمي اعتمدته منظمة اليونسكو في حزيران العام 1961، ونظم الاحتفال الأول في السابع والعشرين من آذار 1962 في باريس تزامناً مع افتتاح مسرح الأمم، كما أرست اليونسكو تقليدا سنويا بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم، رسالة دولية تعمم على جميع مسارح العالم، لتلقى ضمن مناهجها في احتفالات هذا اليوم، بهذه المناسبة التقت “الصباح” عددا من المسرحيين لتستذكر معهم هذا اليوم و تناقش معهم أحوال المسرح العراقي.
تقاليد مسرحية
رافقت المسرح العراقي منذ نشأته تقاليد رصينة، استمرت لفترة طويلة قبل أن تشهد في العقدين الأخيرين انحسارا ملحوظا، ولعل أبرزها الاحتفال باليوم العالمي للمسرح، الذي رافقه متأخراً الاحتفال بيوم المسرح العراقي، قال الرائد المسرحي طه سالم: شكلت لجنة تحضير دائمة للاحتفال بهذه المناسبة، من رؤساء الفرق المسرحية ونقاد، لجنة حقيقية تتعامل باحترافية عالية وبإخلاص، مسؤوليتها متابعة العروض على مدار السنة وتقييمها، لتمنح جوائز لأفضل مخرج وممثل أول وثان وللمؤلفين والممثلين الواعدين… مضيفا: كان للمسرح العراقي القدح المعلى، نافس جمهور وعروض السينما الأجنبية، إذ يشهد ليل بغداد يومياً تقديم أربعة عروض مسرحية مختلفة، كما كانت الساحة الفنية تتوفر على عدد من الممثلين النجوم، فقد أسهمت “وزارة المعارف” في بداية الخمسينيات في إرسال بعثات دراسية إلى الدول الاشتراكية وأميركا، وقد حمل هؤلاء عند عودتهم ما استجد في الساحة المسرحية العالمية فتطور النص والدراما والحركة المسرحية عموماً. قدمت مسرحيتي ” فوانيس” و” طنطل” وفق رؤية أن المضمون هو الذي يفرض الشكل على العكس من مفهوم أرسطو.. بمثل هذا الألق كان المسرح العراقي. أما اليوم فان العروض المسرحية متباعدة وتجريبية،لا وجود للنص العراقي فيها إلا قليلاً، لذا لا يمكن أن نطلق عليه مسرحا عراقيا، فعمر العرض المسرحي في العراق قصير “يومان ” وهذا أمر مخجل لمسرح تصدر المسارح العربية زمنا طويلاً، أتذكر أننا عرضنا مسرحية ” فوانيس” و” البقرة الحلوب” في بغداد والكوت والديوانية وتقاطر عليها الجمهور من كل أرجاء العراق.
الخوف على المسرح
وصف الممثل ميمون الخالدي الاحتفال بالبادرة الجيدة ، بعد ان قرر المركز العراقي للمسرح ودائرة السينما والمسرح بعد فترة تباعد أن يحتفلا معا بهذه المناسبة ، ولكنها أتت متأخرة في ظل تراجع المسرح العراقي عن أداء دوره، إذ لا نستطيع القول ان هناك مسرحا عراقيا بوصف المسرح مؤسسة تواصلية أو ظاهرة ثقافية مستمرة، كما هو الحال في السابق، منذ أكثر من عقد والعروض المسرحية متباعدة والأسباب كثيرة، تبدأ بالحكومة وبرنامجها الذي أهمل الثقافة والفن بشكل عام، وكأننا نمحو نصف وجهنا اذا ما اعتبرنا الثقافة الوجه الآخر للبلد. فضلا عن وجود مسرح واحد صالح للعرض في بلد تعداده أكثر من ثلاثين مليون انسان، وعدم تنشيط الفرق الأهلية، واخيراً أوقفت الحكومة الميزانية وربما ستمنح دائرة السينما والمسرح ميزانية تشغيلية فقط.. بصراحة أنا خائف على المسرح العراقي.
برنامج الاحتفال
أكد المخرج والممثل هيثم عبد الرزاق، مواصلة التحضير للاحتفال بهذه المناسبة عبر قراءة كلمة كتبها مخرج من بولونيا، وتقديم عرض مسرحي، ومشاركة كل من الفرقة الوطنية للفنون الشعبية والفرقة السيمفونية العراقية، فضلا عن تكريم عدد من الفنانين العراقيين الذين برزوا في الموسم المسرحي للعام الماضي.
وصف عبد الرزاق حال المسرح العراقي اليوم، بالبيت القديم، عدد سكانه محدود ومعلوم، يحتاج إلى تكييف عبر إعادة علاقته بالإعلام لأنه عنصر تواصلي، المفترض به أن ينفتح على المجتمع بأكمله، وهو معني ببناء المواطن.
مضيفا: أحد اسباب تراجع المسرح العراقي هو غياب ستراتيجية المعرفة والثقافة، ليتحول إلى فعاليات فردية يثيرها مخرج أو مثقف بين فترة واخرى ، على الرغم من أن مساحة التغيير واسعة مقارنة بالفترة السابقة المؤدلجة، إلا انه لم يشكل ظاهرة، على المسرح أن يكون جزءا من اقتصاد السوق ليتم الترويج لأعماله التي تهتم بقضايا الإنسان والمجتمع.
هوية المسرح العراقي
على الرغم من الرغبة الحقيقية بتقديم نشاط يبدأ به الموسم الجديد في اليوم العالمي للمسرح، إلا ان الأمور غير واضحة لغاية الآن، قال المخرج اكرم عصام، واضاف: إذ لا توجد ميزانية مقرة لدائرة السينما والمسرح، في هذه الحال كيف نقدم نشاطا مسرحياً؟ نحن بحاجة الى اعادة تقييم النظام المعمول به في دائرة السينما والمسرح.
وأشار الى اعتماد المسرح العراقي في السنتين الأخيرتين على عنصر الشباب، وهذه ميزة بحد ذاتها، إلا انها تبقى ضمن إطار العروض التجريبية التي تحاول اكتشاف مديات جديدة، فعروض المخرج تحرير الأسدي متنوعة، وعروض المخرج علاء قحطان متأثرة بالمسرح التونسي، وتميل إلى التجدد، بينما اتخذ المخرج علي دعيم من عروض التعبير الجسدي رؤية مغايرة. إن هوية المسرح العراقي مهددة بقلة المخرجين الشباب، فمعهد وأكاديمية الفنون لا يصدران طاقات جديدة ، فضلا عن أن الجيل الشاب لا أب مسرحيا له، هناك فجوة بينه وبين الجيل الذي سبقه، معتقدا بتعافي المسرح العراقي إذا ما اعطيت الفرصة كاملة للشباب.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق