كيف يحاول اللاعب الأمريكي إقصاء العراق عبر التدخل في معركة تكريت
إن الحرب المفروضة اليوم في المنطقة لا تكشف أوراق الجميع فحسب، بل تكشف الأوجه الحقيقية لهم. ولأن للعراق دورٌ بارزٌ في تحديد وجهة الصراع وتقييم قوة اللاعبين، فإن الساحة العراقية تُعد امتحاناً لجميع الأطراف، ليس على صعيد التجربة فقط، بل على صعيد النوايا. لذلك أظهرت معركة تكريت حقيقة اللاعبين الإقليميين، وبالخصوص الطرف الأمريكي، ودول الخليج الفارسي التابعة له، كما أظهر حقيقة الطرف الإيراني المتعاظم دوره. من هنا كيف يمكن قراءة تدخل التحالف في معركة تكريت؟ وكيف أدى هذا التدخل المخطط له من أمريكا ودول الخليج الفارسي، الى ضرب سير العملية العسكرية الناجحة، للجان الشعبية والحشد الشعبي الى جانب القوات العراقية؟
لا شك أن سير العمليات العسكرية في تكريت فاجأ العالم بأسره. ولذلك كان التعاطي الأمريكي مع ملف عملية تكريت، يوحي ومنذ البداية أن اللاعب الأمريكي يعيش حالة من الصدمة، نتيجة إعلان إيران الجريء، عن دعمها للعملية وبكل الوسائل المتاحة. مما أثار ارتباكاً في الموقف الأمريكي، بسبب رهانها على تحييد إيران نفسها من دعم العراق والدخول في العملية، لما تحمله العملية من تعقيدات على الصعيد العملي. وهنا كانت ردة الفعل الأمريكية في إعلان رفض التحالف التدخل في العملية. مما جعل إيران وحيدةً في تقديم الاستشارة اللازمة ودعم القوات العراقية على الأرض. وكانت النتيجة، أن أثبتت إيران مرةً أخرى أنها لا تحتاج لأحد، وأنها كما قالت منذ البداية، مستعدةٌ لدعم وحدة الشعب العراقي وأرضه. وفي المحصلة وبعد أن تبين نجاح القوات العراقية، ووصلت الأمور الى خواتيمها بقرب تحقيق الانتصار على الإرهاب، قامت أمريكا منذ يومين بشن غارات للتحالف، تحت غطاء أن الحكومة العراقية طلبت مساعدة التحالف في المعركة. لكن الحقيقة أن اللاعب الأمريكي الذي يتعاطى مع الواقع ببراغماتيته المعهودة، وجد في الانتصار العراقي، نجاحاً جديداً لإيران. فقرر وضع يده وكأن له دورٌ في النتيجة. والأهم من ذلك أن ما قام به التحالف من غارات جوية، انعكس سلباً على سير العمليات العسكرية. وهنا لا بد من الإشارة الى الأمور التالية :
إن قيام التحالف بالغارات العسكرية، عطَّل عمل طائرات الاستطلاع التابعة للقوات العراقية على الأرض، مما انعكس سلباً من الناحية العسكرية، على قدرة هذه القوات على السيطرة والتحرك .
بدأت مقاتلات التحالف الدولي مساء الأربعاء الماضي، شن غارات مكثفة على مدينة تكريت استمرت حتى فجر الخميس، ما أدى إلى تداعي قيادات الحشد الشعبي وفصائل المقاومة لبحث خياراتها في ضوء الدخول الأمريكي على مسرح العمليات. وهنا فإن قرار عدم المشاركة في العمليات التي ستحصل تحت الغطاء الجوي الأمريكي لم يستغرق وقتاً طويلاً، حيث سارعت فصائل المقاومة تباعاً إلى إعلان سحب قواتها المرابطة على تخوم تكريت ورفضها العمل تحت مظلة التحالف الدولي. فالقرار الأمريكي والمُنسق مع دول الخليج الفارسي، كان يهدف لفرض واقع عسكري جديد على القوات العراقية، قد يمنعها من تحقيق الانتصار بسهولة. ولذلك لم تقبل هذه القوات المشاركة بهذا الأمر. فلو أن خسارة ما تحققت، فعلى الأمريكي والتحالف تحمل مسؤوليتها، ولو أن انتصاراً ما سيتحقق، فإن التحالف لا يستحق أن ينعم بتسجيل إنجاز لنفسه وهو الذي تخاذل بطلب أمريكي خليجي عن دعم العراقيين في معركة تكريت .
وفي حالة تكريت تحديداً، فإن المحاولة القائمة حالياً المتمثلة بوجود الغطاء الجوي للتحالف الدولي، وهو بحسب كل التجارب لا يشكل عاملاً حاسماً، خصوصاً أن الجيش العراقي يمتلك طائرات مقاتلة ومروحيات قادرة على تأمين غطاء كهذا. مما قد يؤدي الى حصول انتكاسة ميدانية للقوات النظامية في معركتها الحالية لاقتحام تكريت. وحتى مساء أمس، بدا أن المحاولات الميدانية الدؤوبة لاقتحام المدينة منذ يومين لم تسجل نجاحات ملحوظة، إذ إن القوات لا تزال تقاتل على تخوم المدينة ولم تتقدم بعد باتجاه حافتها العمرانية الأمامية، نظراً إلى متانة الاستحكامات الدفاعية التي أعدّها الدواعش حول المدينة .
لذلك، فإن الهدف الحقيقي من هذا التدخل الأمريكي، تطويق القدرة الميدانية للقوات العراقية على الأرض وبالتحديد قوات الحشد الشعبي. والتي أثبتت جدارتها وقدرتها العملية. ولذلك يعتبر وجودها في الميدان داعماً للقوات الأخرى. وهنا تحاول أمريكا كسر هذه القوة. لذلك فمن المتوقع أن يفشل الأمريكيون والتحالف في تحقيق أي إنجاز يذكر في الميدان التكريتي، مما سيؤدي الى تعزيز أسهم الحشد الشعبي وتحويله إلى المخلص الفعلي للعراق من الاحتلال الداعشي .
إننا أمام مشهد سيؤدي الى فضح الأمريكيين ودول الخليج الفارسي أكثر من أي وقت مضى. أمام مشهد سيكون بداية وعي الشعوب لحقيقة الخداع الذي تمارسه أمريكا والسعودية بالتحديد. فالعدوان السعودي على اليمن اليوم، ليس إلا نتيجةً لتراجع دورها في المنطقة. لكن الأهم من ذلك، أن هذه الدول التي تظن أنه ما يزال لها مستقبلٌ في المنطقة، ستعرف في المستقبل القريب من هو عراب السياسات الجديد. حتماً إنه لن يكون الأمريكي المشغول بمصالحه الجديدة خارج منطقة الشرق الأوسط. وهنا يأتي الحديث عن إيران التي أثبتت أنها قادرةٌ على إدارة الملفات بنجاح. فكيف ستتعامل هذه الدول التي أحرقت نفسها، مع السيد الإيراني الجديد؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق