أردوغان يكشف عن حقيقته
سامح مظهر /
التصريحات الاخيرة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حول الازمة اليمنية، أذهلت حتى المقربين منه في حكومته وحزبه حزب العدالة والتنمية، ذلك عندما دعا “الحوثيين” الى مغادرة اليمن !! ، وان سياسة ايران تجاوزت حدود صبره واقلقت تركيا والسعودية، وانه مع “عاصفة الحزم” السعودية على اليمن ، كما اعلن عن استعداده لتقديم المساعدة للسعودية في عدوانها على هذا البلد العربي الفقير.
تصريحات اردوغان هذه ، كانت غير مفاجئة للعارفين بالطبيعة النفسية للرجل ، وحبه للظهور بمظهر المنقذ دائما ، واطلاقه تصريحات صادمة ، ليكون دائما تحت الضوء وفي مركز المشهد، لارضاء جنون العظمة في داخله، والتي ما تنفك تظهر عن نفسها ، كلما صرح بتصريح حول القضايا الحساسة التي تمر بها منطقتنا ، وزاد من وقع هذه التصريحات الشاذة ، الطابع الطائقي المقيت الذي يصبغها ، دون أن يعي تداعيات هذه المواقف على تركيا كبلد إسلامي كبير في المنطقة والعالم.
التصريحات غير المألوفة والخارجة عن الأطر الدبلوماسية لأعلى مسؤول تركي ، ضد جارة تربطه ببلاده روابط وثيقة وفي مقدمتها العلاقات الاقتصادية، حيث وصل حجم التبادل التجاري معها الى 30 مليار دولار، والذي من المفترض أن يزورها يوم السابع من شهر نيسان /ابريل القادم ، هذه التصريحات وقف عندها المراقبون كثيرا، ومنهم من فسرها على خلفية الاتفاق النووي المزمع ان توقعه الدول الكبرى مع ايران حول برنامجها النووي ، والذي سينهي الحظر المفروض عليها، وبالتالي انتفاء حاجة ايران لتركيا، التي كانت اكثر المستفيدين والمستغلين للحظر المفروض على ايران، لذلك وجد اردوغان ان الوقت المناسب ان يستغل الفرصة السانحة، وهي حاجة السعودية لحلفاء في عدوانها السافر على الشعب اليمني ، عسى ان تعوض السعودية تركيا عن خسارة السوق الايرانية.
قد يكون في هذا التفسير شيء من الحقيقة ، الا انه ليس كل الحقيقة بالتأكيد ، فالرجل لم ينطلق فقط من دوافع مادية واقتصادية في تصريحاته عن الازمة اليمنية وايران ، بل هو مدفوع بالروح الطائفية الكريهة التي يحملها، والتي ظهرت وبشكل عار في اكثر من مرة ، في تصريحاته ومواقفه إزاء العراق وسوريا، فكثيرا ما تدخل وبشكل استفزازي عنيف في الشأن العراقي متهما الحكومة العراقية بانها تعادي “السنة” وانها تقصي مكونات الشعب العراقي الاخرى ، فيما موقفه ازاء سوريا فحدث ولا حرج ، فقد حول تركيا الى معبر لجميع تكفيري العالم للوصول الى سوريا ، ودخل في اكثر من مرة بالحرب المفروضة على سوريا ، عبر قصف مواقع الجيش السوري لصالح المجموعات التكفيرية الارهابية ، ناهيك عن خطابه الطائفي الوقح حول سوريا.
وصل الحقد المرضي بالرجل الى استفزاز حتى حلفائه وفي مقدمتهم امريكا ، لرفض الاخيرة، التدخل عسكريا في سوريا، عندما امتنع عن الانخراط في الائتلاف الدولي الذي اعلنته امريكا ضد “داعش” ، لانه يستثني الحكومة السورية ، وعمل المستحيل لدفع الامريكيين والاوروبيين للتدخل عسكريا في سوريا ، ومازال يحاول حتى اليوم، رغم ان الجميع وصل الى قناعة ان من الصعب اسقاط الحكومة السورية بالقوة ، لالتفاف قطاعات واسعة من الشعب السورية والقوات المسلحة السورية الى جانب حكومتهم.
استنادا الى ما تقدم لا يمكن فصل تصريحات اردوغان عن اليمن وايران عن باقي مواقف الرجل، فتصريحاته هذه كشفت عن حقيقته الطائفية وبشكل واضح لا لبس فيه ، بعض المحللين السياسيين فسروا موقف اردوغان الطائفي من ايران في إطار الازمة اليمنية ، واعلان استعداده للانخراط في التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن ، لاعادة عبد ربه منصور هادي الى الحكم مرة اخرى ، بانه محاولة لتوجيه دفة التحالف نحو سوريا ، وتكرار السيناريو اليمني في سوريا لمحاربة حكومة الرئيس بشار الاسد.
هذا التحليل يحمل الكثير من الصواب ، فاردوغان يتشبث بكل شيء من اجل اسقاط الحكومة السورية ، بعد أن خذلته واشنطن والغرب ، ولكن الشيء الذي فات السلطان العثماني الغارق بجنون العظمة والطائفية، ان التحالف الكارتوني الذي تقوده السعودية ضد اليمن يرفع شعار اعادة الشرعية الى اليمن ، بينما اردوغان يريد ان يحارب الشرعية في سوريا بذات السلاح.
الكارثة هي ان اردوغان يتعامل مع الازمتين اليمنية والسورية بمنطق واحد بينما الامرين يختلفان جذريا ، فاردوغان في اليمن مع “شرعية” عبدربه منصور هادي ، بينما الرجل ليس لديه اي شعبية تذكر بين الجيش والقوات المسلحة اليمنية ، والتي من المفترض ان يكون هو قائدها الاعلى ، كما ليس لديه اي شعبية بين ابناء اليمن الا بين بعض الجهات التي اشترتها السعودية بالمال ، وما فراره المتكرر من العاصمتين السياسية والاقتصادية ومن ثم هروبه الى السعودية الا دليلا على هذه الحقيقة ، في المقابل ، يحاول اردوغان مع عشرات الدول الاخرى ، ومنذ اكثر من اربعة اعوام ، وبكل امكانياتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والاعلامية ، اسقاط حكومة الرئيس بشار الاسد ولكن دون جدوى ، والسبب هو التفاف الجيش والقوات المسلحة والشعب السوري حول حكومته ، وان الانتصارات المتتالية التي تحققها الحكومة السورية على الارض، تؤكد هذه الحقيقة، الا ان عيني اردوغان العوراء لا ترى في كل ذلك من شرعية ، والسبب هو ان بشار الاسد “علوي” ، وهذه هي جريمته.
ان تصريحات اردوغان عن الازمة اليمنية والدور الايراني في المنطقة، اسقطت آخر ورقة توت كانت تستر عورة اردوغان الطائفية البغيظة ، والتي حاول خلال الفترى الماضية ، ان يبقي عليها ، الا ان الطبع انتصر في الاخير على التطبع ، وظهر على حقيقته ، طائفيا حتى العظم ، في تعاسة تركيا ، التي يقودها رجل مثل اردوغان تنخره الطائفية نخرا.