آل سعود يتبرؤون من العروبة
الحكومات العربية شبه متفقة على انشاء قوة عربية مشتركة، والتي ستكون لضرب العرب لا سواهم، وبهذا القرار يثبت الخليجيون وعلى رأسهم آل سعود إنهم يتبرؤون من العروبة.
تخرج الحكومات العربية من قمتها بموافقة شبه كلية على إنشاء قوة عربية مشتركة دون تحديد واضح لمهام هذه القوة، ربما يكون الحديث عن تقدم برّي في اليمن ضمن العدوان العسكري الذي أطلقته السعودية وحلفاؤها هو الأساس، وربما يكون في حسابات الدول النفطية الذهاب بمغامرة عسكرية في ليبيا، وقد يكون في حساباتهم أيضاً أن يبدؤوا الحديث عن عملية عربية عسكرية في سوريا، وكل هذه الاحتمالات قابلة للحضور على طاولة النقاش العربي من باب إرضاء الإدارة الاميركية وخدمة المصالح الإسرائيلية في المنطقة.
فالثابت في توجهات الحكومات الخليجية منذ نشأتها تمويل الحروب الاميركية كما حدث في أفغانستان والعراق ولاحقاً في الحرب التي فرضت بالوكالة على الدولة السورية، والثابت إن قرار السعودية بالعدوان ما كان ليجد طريقه نحو النور لولا إن الإدارة الاميركية دفعت السعوديين إلى هذا القرار لجهة تأمين البوابة الجنوبية للبحر الأحمر لصالح الكيان الإسرائيلي، كما إن القواعد الإسرائيلية في “القرن الإفريقي” لا يمكن أن تخرج من دائرة الحدث سواء من خلال تأمين المعلومة الاستخبارية لصالح العدوان السعودي أو من ناحية الإمداد اللوجستي، فالحرب السوق الأمثل لواشنطن وتل أبيب لزيادة المبيعات العسكرية ورفد الخزينة الحكومية في الكيان المحتل واميركا بأموال عربية تنفق على قتل العرب.
والثابت أيضاً من سياسات الخليج الفارسي إن التركيز على رفع مستوى الانتاج النفطي والحفاظ على حركة الأسواق العالمية وفق ما تقتضيه الحاجة الخليجية لضمان بقاء الأسر الحاكمة في كل من هذه الدول هو الأساس في توجيه القرار العربي الذي لم يخدم يوماً إلا هذا التوجه، كما إن العلاقة أصلاً بين دول ما يعرف باسم مجلس تعاون الخليج الفارسي قائمة على الاستفادة من بعضها والتكامل فيما بينها للحفاظ على وجود الأسر الحاكمة بغض النظر عن الشكل السياسي أو حتى الجغرافي لهذه الدول، ولا يمكن الحديث أصلاً عن قرار سيادي في هذه الدول ما بقيت الأنظمة الموجودة حالياً في السلطة.
في جوهر الكيانات الخليجية يحضر نظام التوريث والاستناد إلى تكفير الآخر، أياً كان، في حال عارض توجهات أي من الأسر الحاكمة، فالمعارضة البحرينية على سبيل المثال هي معارضة “كافرة” بكون آل خليفة يعتبرون إن من يعارضهم يخرج عن الإسلام، وكأن موالاة الدول الخليجية وفق توجهات الوهابيين واحدة من فروض أسمى الديانات، ومن وجهة نظرهم أيضاً تحرم الديمقراطية، فالمعتقلات السعودية تضج بالكثيرين من المعارضين والمحكوم عليهم بأسوأ أنواع العقوبات بحجج واهية، فالشيخ “نمر النمر” يواجه حكم الإعدام، في حين إن “رائف بدوي” يواجه عقوبة السجن لمدة عشر سنوات و1000 جلدة لكونه معارضا لآل سعود، والسؤال يقول: “كيف لفاقد للشرعية كآل سعود أن يدافع عن الشرعية في دولة أخرى”، ثم أي شرعية لرئيس انتهت ولايته أصلاً وعلاوة على ذلك تقدم باستقالته، وكيف لنظام رجعي وقمعي مثل نظام آل سعود أن يصون الحريات كما يدعي في سوريا واليمن..؟.
بالعودة إلى قرار الجامعة العربية بتشكيل قوة عربية، يحضر السؤال عن السبب الذي منع هذه الدول العربية من أن تحدد مهام قوتها بمحاربة داعش في سوريا والتعاون الأمني معها في سبيل حماية هذه الدول من خطر داعش وأخواته إن كانت هذه الدول تمتلك القرار المستقل.
وإن كانت هذه الدول قادرة على أن تشكل قوة عسكرية مشتركة، فلما لم تكن فلسطين التي يدعون الخوف على مصلحتها في قائمة أهداف هذه القوة، أم إن الكراسي التي يجلس عليها حكام هذه الدول فوق تلال من الجماجم أهم من أولى القبلتين..؟.
الجواب على كل الأسئلة التي تحضر بمجرد الولوج في تاريخ الجامعة العربية منذ نشأتها يأتي من طبيعة تعامل العرب مع الملف الفلسطيني، وكيف بقيت سوريا هي الدولة الوحيدة من العرب القادرة على أن تقول إسرائيل عدوة، وفلسطين للعرب، وعلى ذلك يمكن فهم طبيعة ما أسموها “قوة عربية مشتركة” والتي ستكون لضرب العرب لا سواهم، وبهذا القرار يثبت الخليجيون وعلى رأسهم آل سعود إنهم يتبرؤون من العروبة.