المخدرات الرقمية تُحرج قوانين مكافحة المخدرات.
بغداد – محلي – الرأي –
قبل عام 2003 والى سقوط النظام الحاكم في العراق كانت المخدرات وكل ما يتعلق بها لا تخرج عن حالتها التقليدية, من حيث الانتاج (زراعة او معاملة كيمياوية), وطرق المتاجرة (تهريب او شبه رسمية), او التعاطي (عن طريق الفم او الشم او الحقن الوريدي), اما بعد ثورة الاستيراد للارض التي أضنتها الحروب والحصارات ومنع النظام من دخول تقنيات الإلكترون والاتصالات والبرمجيات واستخدامها, فقد بدأت مرحلة جديدة من إنتاج المواد المخدرة وطرق التجارة بها وتعاطيها لتصل إلى القمة في المخاطر بالمخدرات الرقمية.
إذ تُثبت البحوث العلمية والظواهر الملموسة وجود هذا النوع من المخدرات وتداول تعاطيها والمتاجرة فيها رغم اختلاف تلك البحوث والدراسات في إثبات تأثيرها على المتعاطي واحتمالية إدمانها.
فلم يعد استهلاك المخدرات مقتصرا على ما كان يجرى سابقا بحقنها فى الوريد أو بمضغها أو شمها أو تدخينها وإنما إنقلب ليحوّل نظم التعاطى إلى تعاطٍ إلكترونى أو تناول رقمى يُحدث التأثير نفسه الذى تحدثه المخدرات الطبيعية أو المنتجة الأخرى, وهناك مواقع في الانترنت متخصصة ببيع هذه المخدرات (ملفات موسيقية) دون رقابة رسمية أو حظر لمثل هذه النغمات في الوقت الحالي، ويتم ترويجها ايضا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقابل مبلغ بسيط، إلى جانب إمكانية الحصول عليها عبر موقع يوتيوب او نقلها بالبلوتوث بشكل مجاني.
ويمكن الاشارة الى المخدرات الرقمية (Digital Drugs) الى انها عبارة عن ملفات لنغمات موسيقية بترددات مختلفة تقوم بخداع المخ, ليبدي محاولته فى توحيد تلك الترددات فيؤدي الى حدوث اضطرابات ذهنية تؤثر على السمع والجسد وتسبب إرتعاشات تطابق مرحلة النشوة التي يصلها المتعاطي للمخدرات التقليدية.
ورغم محاولة البعض المتفائل او الغير مدرك لخطورة هذا النوع من المخدرات باطلاقة إصطلاح (مدمن إفتراضي) على متعاطي هذا النوع, الا ان الوقائع تثير قلق اصحاب الاختصاص بشدة والذين قرعوا ناقوس الخطر بعد ان عجز القانون العراقي السابق لمكافحة المخدرات عن تجريم المخدرات بصورتها الرقمية .
فقانون مكافحة المخدرات رقم (68) لسنة 1956 ورغم تاكيده بالعموميات على تجريمه للمخدرات انتاجا وتجارتا وتعاطي, الا انه امسى جثّة هامدة امام شكل تقنية الانتاج (غير المادي) ووسائل الترويج والتوزيع (اللامرئية) وسرعة انتشارها وطريقة التناول والتداول (بالاثير) التي لاتكلف سوى سماعة اذن لايمكن للقانون ان يُجرّم امتلاكها.
إذ ان القانون اعلاه حرم المتاجرة وصناعة المخدرات والاستخراج والتحضير والحيازة والتقديم والعرض للبيع والتوزيع والشراء, ولم يُجوّز المتاجرة بالمستحضرات الحاوية على مخدرات مهما كان نوعها وهو امر من الجيد ان يسير على اطلاقه لو لم تُقيده الفقرة (ب) من مادته ال(14) والتي افترضت ان مصدر المخدرات هو مادي اي (مرئي وملموس) فحرمت زراعة المخدرات وقيدت انواعه بنباتات القنب وخشخاش الافيون والقات وجنبة الكوكا, ولتاكيد القيد المادي حرم نفس القانون نقل نباتات من هذه النباتات في اي طور من اطوار نموها.
وهنا نشات الاشكالية القانونية المتمثلة في امكانية اثبات انتاج المخدرات الرقمية والمتاجرة فيها وبالتاكيد تعاطيها في حال القبض على أحد الأشخاص يستمع لمثل هذا النوع من ملفات الموسيقى المخدرة . فالقانون المذكور لمكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، اكد في نصه على أن المخدرات هي (مادة) أي أنها شيء مرئي وملموس، والسؤال في حالة المخدرات الرقمية، هو كيف سيتم تعريف هذه الملفات الصوتية على أنها مادة, وهي في الأصل غير ملموسة؟ بل كيف يمكن محاسبة من روج لهذه الملفات كونها لم تكن جريمة لولا وجود سماعات الاذن المباحة في الاصل؟ وكيف يمكن التمييز بين التعاطي لهذا النوع من المخدرات, والتناول على اساس علاج بعض الحالات النفسية، لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف في حالة المرضى الذين يرفضون العلاج السلوكي (الأدوية)، ولهذا تم العلاج عن طريق تذبذبات كهرومغناطيسية، لفرز مواد منشطة للمزاج؟
اضافة الى ذلك, هل يستطيع القاضي القياس على حالة المخدرات الرقمية بالحكم وفقا للمادة 139 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1965 المعدل؟ هل يستطيع رجل المرور في العراق اتهام قائد مركبة بمخالفته قانون ادارة المرور العراقي رقم 86 لسنة 2008 في القسم (22). لقيادته تحت تاثير المواد المخدرة لمجرد وضعه سماعات الاذن؟ وهل يمكن اعتبار هذا النوع من المخدرات كبقية المخدرات التقليدية التي تُعتبر سببا من اسباب التفريق القضائي بين الزوج والزوجة وفقا لقانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959؟.
وعلى تقرير اي مختبر يعتمد القاضي في فحص واثبات تعاطي احد الازواج لهذا النوع من المخدرات؟ ان عدم الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها من علامات الاستفهام يدل على ان تشريع تجريم المواد المخدرة في القانون العراقي وفقا لقانون مكافحة المواد المخدرة رقم (68) لسنة 1965 وغيرة من التشريعات ذات الصلة لم تعد منسجمة مع تطور اصل المادة المخدرة واساليب تداولها وتعاطيها, وهو امر يهدد الفئة العمرية الفعالة والمسؤولة عن مستقبل الوطن.
المشاور قانوني وناشط حقوقي
سلام جبار عطية
في محلية