“إتفاق لوزان”..وأنجز الحائك سجادته!
عشر سنوات مرّت على المفاوضات النووية بين ايران العظمى والدول الست، أتم خلالها الحائك الإيراني سجادته النووية بنجاح عبر توقيعه في لوزان السويسرية على “اتفاق إطار” تعهدت فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالحد من أنشطتها النووية مقابل رفع الحظر الاقتصادي المفروض عليها من الجانب الغربي .
“اتفاق الإطار” الذي سيوقع في ٣٠ حزيران(يونيو) لن يكون ملزماً للطرفين وبالتالي يمكن إلغائه، وهذا ما أراده الجانب الغربي وبالتحديد الأمريكي الذي لا يريد لإيران الإسلامية أن تعيش برخاء وعزّة اقتصادية كما حالها اليوم على الصعيدين السياسي والعسكري، وهو الذي تعوّد على نكث العهود والضرب بالحلفاء فكيف بالأعداء .
الخطوة الجديدة التي تم التوصل إليها في مدينة لوزان تثير في أذهاننا العديد من التساؤلات أبرزها: ما هي أبعاد “اتفاق الإطار”؟ من هو الخاسر الأكبر؟ ما هي الحقائق التي يمكن استخلاصها؟ وما هي الخطوة التالية للجانب الامريكي؟
لطالما أكّدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سلمية برنامجها النووي، كما أن الفتوى الدينية للمرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي التي أصدرها في عام ٢٠٠٩ واضحة في هذا الصدد وتقارير منظمة الطاقة الذرية ليست عن هذا ببعيدة، لكن إصرار الجانب الغربي خلال المفاوضات بزعامة امريكا سراً منذ اللحظة الاولى وعلناً بعد وصول الرئيس روحاني إلى سدّة الرئاسة بفترة وجيزة على “عسكرة” البرنامج النووي، هدفه الأساس ضرب “إيران الإسلام”. فواشنطن نفسها (حليفة شاه ايران) هي التي ساهمت بإطلاق برنامج إيران النووي في خمسينيات القرن العشرين كجزء من برنامج “الذرة من أجل السلام “، لكن مفجر الثورة الإسلامية الإمام الخميني(قدس) أسقط المشروع الأمريكي حينما أمر بحل الأسلحة النووية السرية للبرنامج، لأن هذه الأسلحة محظورة بموجب الأخلاق والفقه الإسلامي .
لقد نجحت الدبلوماسية الإيرانية من خلال توقيعها على اتفاق لوزان في حياكة نصر جديد حقق لطهران معظم مطالبها، بدءاً من الاعتراف بمشروعها النووي وهو ما كانت تعارضه أمريكا منذ اللحظة الأولى وصولاً إلى رفع العقوبات المتعلقة به .
في المقابل أمريكا التي اعترفت بإيران النووية ولو بشكل مبدئي بانتظار انتهاء فترة أوباما الرئاسية ، تراهن على عامل الوقت، حيث أرادت أن تكون مدة الاتفاق لعشر سنوات، يحقّ لإيران خلالها تشغيل خمسة آلاف جهاز طرد مركزي فقط من أصل ١٩ ألفاً تمتلكها البلاد، ويسمح لها باستخدامها في مفاعل “نتانز” حصراً، ولا يمكن لإيران أن تُخصّب اليورانيوم بنسبة أعلى من ٣.٦٧ في المائة، كما سيسمح لها بتشغيل ألف جهاز طرد في منشأة “فردو” النووية، التي تم الاتفاق على تحويلها إلى مؤسسة للتحقيق والأبحاث العلمية الفيزيونووية، في مقابل أن تُزوّدها دول ٥+١ بالتكنولوجيا التي تحتاج إليها، لتستفيد إيران من الطاقة النووية في المجالات الطبية والزراعية والصناعية .
وافقت ايران في اتفاق لوزان على توقيع البروتوكول الإضافي من معاهدة “الحدّ من انتشار الأسلحة النووية” ، وهو البروتوكول الذي يسمح بإجراء تفتيش مفاجئ ومباغت للمنشآت، خلال يوم أو يومين كحد أقصى ما اعتبره البعض انتصاراً للغرب، لكن من لم تخنه الذاكرة يعلم أن إيران علّقت التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي وغير الملزم مع وكالة الطاقة الذرية في ٦ فبراير ٢٠٠٦، بسبب القرار الظالم الذي أصدره مجلس الأمن حينها .
ومن أهم أبعاد اتفاق لوزان أن المفاوض الإيراني توصل إلى النتيجة الحالية من منطق القوة لا منطق الضعف، ولو لم يكن كذلك لكنا اليوم أمام معاهدة “فرساي ثانية” كما حصل لألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى التي أُرغمت فيها على أن تعلن أنها هي المسؤولة الوحيدة عن اندلاع الحرب وعن كل محنها وويلاتها، كما تم نزع سلاحها ومطالبتها بدفع تعويضات مادية، بالإضافة إلى تعويضات من مواردها الأخرى. لو كان حال إيران اليوم كحال ألمانيا حينها لتم تفكيك بنيتها الصاروخية، فضلاً عن وقف دعمها لحركات المقاومة في المنطقة، ولربما أُرغمت على دفع التعويضات للكيان الإسرائيلي بسبب خسائره البشرية والاقتصادية في الحروب التي يشنها على الشعوب الإسلامية، هذا ما أراده الأمريكي لكن الذين اقتربوا من الشعب الإيراني، يعرفون أنه شعب طويل النفس، طويل الصبر.. وطيلة سنوات المفاوضات لم يضيّع الحائك وقته، لأنه يؤمن أن الوقت هو المادة التي صُنِعت منها الحياة ، ويدرك جيداً أن ويلات التوقيع من منطلق الضعف أصعب بكثير من تهديد العقوبات الاقتصادية التي حولها الشعب الإيراني إلى فرصة ثمينة .
لا شك أن أوباما الذي يعيش في وضع لا يحسد عليه بسبب الوضع الاقتصادي من ناحية والصدام الحالي مع الحزب الجمهوري الذي سيطر مؤخراً على الكونغرس من ناحية أخرى، يريد تحقيق انتصار يحفظ ماء الوجه قبل انتهاء الفترة الرئاسية، الأمر الذي ساهم في اتفاق نووي مبدئي يرسخ حقائق عدّة أبرزها :
أولاً: إيران دولة حرّة انتزعت شرعيتها رغم أنوف قوى الاستكبار، كما أن المفاوض الإيراني لا يحيد عن الخطوط التي رسمها له الشعب الإيراني قيد أنملة .
ثانياً: المشكلة الأساس مع ايران تكمن في إسلامها ودعمها لحركات المقاومة ووقوفها في وجه “البعبع” الامريكي، ومشروع باكستان النووي خير دليل على ذلك، وسيثبت المستقبل القريب هذه الحقيقة الراسخة .
ثالثاً: “منطق القوة” هو الذي يحكم عالمنا اليوم، فلولا اقتدار الجمهورية الإسلامية الإيرانية لما رضخت أمريكا للاعتراف بحقوق الشعب الإيراني في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية .
رابعاً: الصيغة “الفضفاضة” للاتفاق تشير إلى مؤامرة أمريكية في المستقبل القريب، ولا نستغرب أي غدر أمريكي قد يحصل، ولربما تحاول أمريكا نقل هذه العقوبات من العنوان النووي إلى العنوان الصاروخي أو “الإرهاب “.
خامساً: أمريكا هي “الآمر الناهي” في المفاوضات منذ بدئها وما القوى الأخرى(الأوروبية) إلا دمى تحركها الإدارة الإمريكية متى شاءت وكيف أرادت، وسنين المفاوضات مع الجانب الأوروبي خير دليل .
سادساً: نتنياهو هو الخاسر الاكبر من هذا الاتفاق لأنه بنى استراتيجيته على استخدام الخيار العسكري لتدمير المشروع النووي الايراني، وبعد التوصل الى هذا الاتفاق باتت مهمته (العدوان العسكري) صعبة إن لم تكن مستحيلة .
اذاً، أدخل “اتفاق الإطار” العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص في مرحلة جديدة عنوانها “إيران العظمى”، لكن الأمريكي الذي تجرّع كأس السم الإيرانية عبر المفاوضات هذه المرّة، وليس عسكرياً كما كان الحال سابقاً في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة، لن يقف مكتوف الأيدي بل سينتقل إلى سيناريو جديد وهو اللعب على صيغة الاتفاق الفضفاضة لابتزاز طهران في قدرتها الصاروخية ودعمها لحركات المقاومة بدءاً من فلسطين ولبنان مروراً بسوريا والعراق وصولاً إلى اليمن والبحرين، لكن لسان الشعب الإيراني سيبقى يردّد “نوقع أقوياء أو نموت أعزاء “.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق