الخلاف المصري السعودي بين الحقل والبيدر
لم يكن حساب حقل ود العلاقات “الإعلامية” بين القاهرة والرياض في ملفات المنطقة، مطابقاً لحساب “بيدر” القمة العربية السادسة والعشرين، التي عقدت في شرم الشيخ قبل أيام. فقد عكست خطابات السيسي-سلمان فجوة العلاقات وتباين الرؤى والأولويات بين مصر والسعودية، أي أن الخلاف مضموناً أو جوهراً اثر تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في الثالث والعشرين من يناير الماضي، تجسد شكلاً بين الجانبين في قمة شرم الشيخ .
أبعاد الخطابَين لم تكن متقاربة كحالهم أثناء القمة، فقد دخل السيسي عبر بوابة الإرهاب الذي تعيشه دول المنطقة للتأكيد على “ضرورة حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية مثل بطالة الشباب والأمية والفقر، لأنها تدخل في مصاف التهديد للأمن القومي العربي”، ثم عرّج الرئيس المصري في خطابه إلى “بيت قصيده” أي تشكيل “قوة عربية مشتركة” ولكن ” دونما انتقاص من سيادة أي من الدول العربية واستقلالها”، ولم يغب المشهد اليمني الذي كان مقتضباً في خطابه (لعله من باب إكرام الضيف)، ثم نفذ السيسي إلى حيث يريد أن تكون وجهة “القوة المشتركة” أي ليبيا حيث خصص له الفقرة الأكبر في خطابه. بعدها تطرق الرئيس المصري إلى الملف السوري موضحاً “إن مصر لا تزال تتعامل مع الأزمة السورية من زاويتين رئيسيتين، الأولى دعم تطلعات الشعب السوري لبناء دولة مدنية ديمقراطية، والثانية هي التصدي للتنظيمات الإرهابية التي باتت منتشرة، والحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة السورية”، ووصل السيسي أخيراً لمدح جهود الحكومة العراقية في إعادة الأمن والاستقرار وسعيها لترميم علاقاتها العربية، داعياً لدعمها في مواجهة الإرهاب الذي يهدد الأمن العربي برمته، كما دعا الرئيس المصري الأطراف اللبنانية إلى الحوار دون التحيز إلى أي طرف في وجه الآخر، وجميعنا يعلم موقف السعودية من الملفات التي ذكرها السيسي .
في المقابل، استهل الملك السعودي خطابه بالمؤتمر الاقتصادي لدعم مصر والذي عقد في المكان نفسه وقدمت حينها الرياض ٤ مليارات دولار للقاهرة، ومن ثم عبر سلمان إلى الأزمة العربية عبر التصويب على طهران معتبراً أن “التحالف الذي تقوده قوى إقليمية أدت تدخلاتها السافرة في منطقتنا العربية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في بعض دولنا”، ومن هذا الباب دخل الملك إلى “بيت القصيد” أي القصف الجوي السعودي على اليمن المسمى بـ”عاصفة الحزم “.
صحيح أن الخلاف بين مصر والسعودية تاريخي وليس بجديد ، لكن خطاب السيسي وسلمان في القمة العربية الأخيرة أظهر فجوات كبيرة تكشف زيف الود الإعلامي، وأكد أن مصر حالياً تدور عكس عقارب الساعة السعودية، وفي هذا السياق لا بد لنا من ذكر التالي :
أولاً السعودية أرادت من مصر دعماً “أعمى” لعدوانها على اليمن، كما أن بدءها للحرب وعدم انتظارها للقمة التي عقدت بعد بداية المعركة بيومين يهدف لفرض قرارها على القمة وعدم حصول أي معوقات أو تنازلات إذا ما طرح هذا القرار في شرم الشيخ، حتى أن النظام المصري لم يكن يعلم شيئاً عن الحرب، وقد فوجئ بها ولم يبلغ بموعدها، حيث نفى وزير الخارجية المصري قبل ساعات فقط من بدء الضربة الجوية أي نوايا عربية لتحرك عسكري في اليمن، باختصار يريد العاهل السعودي تقليل النفوذ المصري في القضية اليمنية إلى أقل حد ممكن .
ثانياً غابت قضية “القوّة العربية المشتركة” عن خطاب سلمان وهو ما أراده السيسي من قمة “شرم الشيخ” بغية استعادة مصر لدورها الريادي وهذا بالتاكيد ما تخالفه الرياض لأنه بالتاكيد سيكون على حسابها، كما أن مرور الملك السعودي على الملف الليبي الذي تحمّس له الرئيس المصري كثيراً، مرور الكرام قد أحبط الأولوية الثانية للأخير في القمة العربية السادسة والعشرين .
ثالثاً الخطاب الناصري للسيسي عبر استحضار مفردات “الأمة العربية” وغيرها، ينطلي على مواقف ستتخذ في المستقبل القريب، وهذا ما لا تريده السعودية التي تسعى للانفراد بقيادة المشهد العربي. ولا يخفى على أحد أن مصر عبد الناصر لطالما وقفت في مقابل التوسع السعودي في الوطن العربي، وتحديداً في اليمن حيث قدم الجيش المصري حينها عشرات آلاف الشهداء .
رابعاً شكّل الملف السوري خلافاً كبيراً بين الجانبين وإن كان لم يعلن، فخطاب السيسي أكد على ضرورة الحل السياسي والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة السورية، وكذلك استخدامه عبارة “مسؤوليات مصر التاريخية حيال سوريا” تشير إلى حقيقة واحدة مفادها أن مصر تريد التقارب مع الرئيس الأسد باعتباره ممثلاً شرعياً للشعب السوري. وكان لافتاً اثناء القمة مقعد الوفد السوري الذي كان فارغاً، وقد رفع عليه العلم السوري، وليس علم المعارضة السورية الذي رفع في الدورتين الماضيتين للقمة العربية، وهي إشارة كانت بالغة الوضوح من السيسي الذي يدير المؤتمر .
خامساً وفي الملف السوري أيضاً، أكد مصدر عربي كان ضمن أحد الوفود المشاركة في قمة شرم الشيخ لموقع “أسرار عربية” أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بذل جهوداً مضنية خلال الايام الماضية من أجل دعوة الرئيس السوري بشار الاسد للمشاركة في القمة، إلا أن السعودية رفضت ذلك .
سادساً بعض أحداث الخطاب تؤكد نظرية الخلاف، فتذكير الملك السعودي لمصر بالمؤتمر الاقتصادي حمل رسالة واضحة (لسنا في مجال ذكرها الآن)، كمغادرة الملك السعودي للقمة بعد إلقاء كلمته مباشرة دون أن ينتظر سماع آراء الزعماء الآخرين، ومصطحباً معه على طائرته الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، كي لا يتيح حتى الفرصة لأي تباحث ثنائي مع هادي .
بات واضحاً أن السعودية أرادت من القمة العربية نقطة واحدة وهي دعم “عاصفة الحزم”، متجاهلة كافة نقاط الخلاف مع الجانب المصري لأن انكسار شوكتها في اليمن تعادل هزيمة الجيش المصري في حرب١٩٦٧ .
في الخلاصة، يريد كلا الطرفان المصري والسعودي تشكيل مشهد عربي جديد بقيادة منفردة، كما أن كلاهما أراد قمة شرم الشيخ “عاصفة حزم”؛ في حين أرادها الأول أن تعصف بالإرهاب الذي يحدق بنا، وتحزم “قوّة عربية مشتركة” في هذا السياق، أرادها الاخير(السعودي) قمةً تعصف “بالتمدّد الإيراني” في المنطقة، وتحزم الجيوش العربية نحو اليمن لضرب أنصار الله، قد تكون كذلك و”تعصف بالحزم” بسبب الخلافات بين البلدين فالتقارب الذي يظهر فجأة بسبب العوز المصري في مقابل الترف السعودي، سريعاً ما يتبدّد عند أي مفترق، تلك هي أبعاد المشهد السياسي الراهن في العالم العربي ، أبعاد سترسم مستقبل المنطقة، دعونا ننتظر ونرى .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق