السودان و”عاصفة الحزم”، الخلفية والمغزي والمآلات
عندما ننظر إلى الدول المشاركة في عملية “عاصفة الحزم” بادئ ذي بدء نرى أن كافة الدول التي انضوت تحت قيادة السعودية لتوجيه ضربة لـ”أنصار الله” لها مآرب خاصة من مشاركتها في هذه العملية الجوية حتى اللحظة. بعيداً عن الدول العربية الخليجية والتي تعبر عن القوام الرئيسي للعاصفة تأتي دول أخرى كمصر والسودان والمغرب وباكستان. ولكل دولة أسبابها التي دفعتها لحزم أمرها وخوض غمار حرب أدخلت المنطقة في نفق مظلم .
لقد أسست تحالفات “عاصفة الحزم” لمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية، في هذا الصدد نناقش مشاركة السودان في العدوان السعودي الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين، لأن الجيش السوداني غير مؤهل لخوض أي حرب في هذا الوقت بالتحديد خاصةً أنه مشغول بمحاربة العديد من الجماعات المتمردة. فما هي دوافع السودان للمشاركة في مثل هذه العملية ؟ وما هي التطورات التي أجبرتها على الدخول في صراع مع طهران أحد أبرز الداعمين للنظام السوداني الحاكم منذ نشأته في أوائل التسعينيات من القرن الماضي؟
بالتزامن مع بدء العملية العسكرية على اليمن، أعلن الجيش السوداني في بيان مصور “أن المشاركة في عمليات عاصفة الحزم تأتي من منطلق المسؤولية الإسلامية لحماية أرض الحرمين الشريفين، والدين والعقيدة، وتأتي مشاركة السودان بقوة ومنعة وعزة في هذه العمليات، لتبقى السعودية آمنة مستقرة، بلدًا حرامًا” وذلك حسب البيان الذي أصدرته قيادة الجيش السوداني، كما أوضحت الخرطوم أنها وضعت ٤ طائرات حربية و٦٠٠٠ جندي تحت تصرف الرياض .
لفهم هذا القرار الذي أقدمت عليه السودان، ينبغي علينا مطالعة مستجدات العلاقة بين السودان ودول مجلس التعاون وبالتحديد السعودية، كذلك لا بد من مراجعة العلاقات السودانية الإيرانية، التي شابها مؤخراً الكثير من الفتور بعد أن كانت إيران شريكاً مهما ورئيسياً للسودان في المنطقة والعالم .
العلاقات السودانية-السعودية
لم تكن العلاقات بين الرياض والخرطوم في أفضل أحوالها خلال الفترة الماضية، وفي أغسطس من عام ٢٠١٣ منعت السعودية طائرة الرئيس السوداني عمر البشير من عبور أجوائها في طريقها إلى إيران، وقد عبّرت هذه الحادثة بوضوح عن تردي العلاقات بين الخرطوم والرياض .
لكن هذه الحادثة أصبحت صفحة من الماضي بعد قرار السودان بالابتعاد عن طهران وتحويل قبلتها نحو دول مجلس التعاون، وقد أنهى “البشير” قبل أسبوعين زيارته إلى السعودية وقبلها في فبراير المنصرم زيارة إلى دولة الإمارات، وذلك تتويجاً لقرار الخرطوم بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية .
القرار السوداني المتعلق بالمشاركة في العدوان السعودي على اليمن لم يأت من فراغ، بل بناء على ضغوط دول “مجلس التعاون”على رأسها السعودية، وقد حضر”عمر البشير” إلى الرياض، قبل يوم من “عاصفة الحزم” حيث التقى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز فيما يبدو لأخذ الثقة من السودان أنها ستقف مع السعودية في العدوان على اليمن. بات واضحاً أن السعودية تنتهج سياسة “الكروالفر” مع السودان حسب مصالحها، وتبني علاقاتها على أساس المصلحة السعودية حصراً .
“براغماتية” البشير
أظهرت مواقف البشير في الفترة الاخيرة براغماتية لا ريب فيها، وبما أن الأشياء تعرف بأضدادها، ولفهم أسباب وأهداف قرارات الخرطوم تجاه السعودية ودول مجلس التعاون لا بد لنا من متابعة سير السياسة الخارجية للسودان تجاه الملفات الحساسة في المنطقة .
حاول الرئيس السوداني خلال زيارته لدول مجلس التعاون تسويق مواقف جديدة لغاية في نفس “البشير”. مواقف انتقد خلالها بجرأة كبيرة التنظيم الدولي للإخوان واعتبره مهددا لأمن المنطقة، كما أكد على موقف الإمارات من حماس باعتبارها جماعة إرهابية، وقال البشير للصحافة الإماراتية: “لست إخوانيا وليس لدينا علاقة تنظيمية بهذه الجماعة “.
براغماتية البشير مهّد لها سابقاً عبر الملف الإيراني الذي لا يقل حساسية لدى دول مجلس التعاون عن ملف الإخوان بل يفوقه حتى. فقد قرّرت السلطات السودانية إغلاق عدد من المراكز الثقافية الإيرانية في السودان، وطلبت من القائمين عليها مغادرة الأراضي السودانية في أقل من ٧٢ ساعة فقط .
القشة التي قسمت ظهر العلاقة مع طهران تمثلت بالتصاريح التي أطلقها وزير الخارجية السوداني علي كرتي في مؤتمر صحفي بعيد مشاركته في قمة شرم الشيخ الأخيرة بمعية الرئيس السوداني عمر البشير، وبرأ فيها حكومة بلاده من أي علاقة سابقة مع إيران، كما أعلن أن “السودان لم يكن يوما حليفا لإيران، وما يروج لذلك عار عن الصحة” رغم ما كان مشهودا من تقارب بين البلدين .
القرارات والتصاريح السودانية التي تحاول التنصل من علاقات إستراتيجية جمعت بطهران ردحا من الزمن؛ علاقات لطالما وصفت خلال العقد الماضي بالدافئة والعميقة، وانعكست برداً وسلاماً على العلاقات التجارية والعسكرية والثقافية، تحمل في طياتها مؤشرات عدّة أبرزها أن العلاقات القوية بين البلدين لم تعد بمستواها السابق، في ظل تقدير الخرطوم ان مصلحة بلادهم الآنية تتطلب الابتعاد عن الحليف الإيراني .
صحيح أن السياسة هي فن الممكن بمعنى أنه ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بين الدول، فالمصالح هي الأساس ولكن بشرط أن تقدّر المصالح على نحو الصواب، فلماذا تقطع السودان علاقاتها مع طهران وبالتالي تخسر شريكاً قوياً على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، مع أن الأخيرة لم تفرض أي شروط على السودان في علاقاتها الخارجية، كما أنه خلال فترة الحرب السودانية بين الجنوب والشمال قبل سنوات، واتهام المحكمة الدولية للرئيس عمر البشير بارتكاب جرائم حرب جنوب السودان، لم يجد الأخير حينها حليفا أفضل من طهران، والتي أبرمت مع السودان استثمارات اقتصادية مهمة (مناجم الذهب)، ونصبت منصات صواريخ ردعاً لانتهاك طيران الكيان الإسرائيلي سماء السودان .
لا شك في أن السودان التي تعرضت لضغوط خليجية من أجل فك علاقتها بطهران عبر التهديد بطرد العمالة السودانية من دول مجلس التعاون والترغيب بإعانتها لها ماليا في أزماتها الاقتصادية، أخطأت التقدير عندما تنازلت لمصلحة آنية على حساب طويلة الأمد أو بالأحرى تنازلت عن الإستراتيجية لصالح التكتيك، كحال مشاركتها في العدوان على شعب عربي مسلم .
السودان هي المتضرر الاكبر من سياستها الحالية، والخرطوم ليست القاهرة حتى تتدفق عليها المليارات الخليجية التي تدفقت إلى مصر عقب إقالة الرئيس المصري السابق محمد مرسي. هذا الأمر سيتجلى كالشمس التي لا يحجبها الغربال عندما ينجح الشعب اليمني قريبا في صد العدوان والعصف بـ”الحزم”، حينها ستتبادل السعودية وحلفائها التهم من ناحية، كما ستطفو الخلافات بين آل سعود على السطح من ناحية أخرى، وعندها لا مكان للسودان في حسابات السعودية .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق