التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

كيف قدمت إيران نموذج القوة المحترم: هروب السعودية نحو تركيا (الجزء الثالث) 

 أن يأتي العالم بأسره لإرضاء إيران ليس أمراً مستغرباً بعد اليوم. فقد رضخت أمريكا التي يصفها الكثيرون بأنها القوة العظمى في العالم، للطرف الإيراني، بعد ٣٧ عاماً من الحروب. لذلك لم تكن مستغربة زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى طهران. لكن المفاجئ كان زيارة الملك السعودي الظرفية الى تركيا، قبل يوم واحد من زيارة الرئيس التركي الى إيران. وهذا ما يؤكد وقبل كل شيءٍ على محورية الدور الإيراني، وبالتحديد بعد الاتفاق التاريخي الذي انتزعته طهران، والتي بموجبه أرضخت العالم بأسره، وارتقت لمستوى القوة العظمى. فماذا في مجريات الأحداث الأخيرة؟ وكيف يمكن تحليل زيارة الملك السعودي المفاجئة؟ وأين تقع تركيا من كل هذا؟

أولاً: تطورات رئيسية يجب الوقوف عندها، لفهم المشهد السياسي الجديد :

إن المشهد الذي كرسته التغيرات الجذرية في المنطقة، فرض على الجميع العودة الى الملعب الجديد. ولا شك أن اللاعب الأبرز في هذا الملعب هو الطرف الإيراني. وهنا يمكن وصف آخر مظاهر المشهد السياسي أو ما يمكن التعبير عنه بأهم النقاط التي يجب الالتفات لها لتحليل الواقع الجديد بالتالي :

تعيش المنطقة حالةً من إعادة التموضع وبالخصوص بعد العدوان السعودي على اليمن. وهنا تزايد الحديث عن محاولة السعودية تشكيل تحالفٍ ذات طابع مذهبي معين، لمواجهة تمدد النفوذ الايراني في المنطقة. لكن باكستان التي تفهم حساسية وضعها الداخلي، نأت بنفسها عن الطرح السعودي حتى الآن، خوفاً من الحرب الأهلية فيها، مما جعل السعودية تقف أمام واقعٍ ظنت أنها تستطيع التعامل معه، لكنها لم تستطع .

إن التوصل الى اتفاق إطارٍ بين الدول الست الكبرى في العالم وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، جاء كضربةٍ على الرأس السعودي. فالسعودية الساعية كعادتها لتهميش إيران، وتقليل نفوذها، استسلمت لواقع أن سيدتها أمريكا أصبحت مجبرةً على احترام الطرف الإيراني. وإلى جانب المعنى السياسي للاتفاق، فإنه وبالمنظور الاقتصادي فإن إزالة العقوبات الاقتصادية عن إيران، سيعزز قوة إيران في المنطقة والعالم أكثر، وسيجعلها محط أنظار الدول كافة، لما تمتلكه إيران من مقومات اقتصادية .

إن جميع الأطراف السياسية في المنطقة باستثناء محور المقاومة الذي تترأسه إيران، وروسيا أيضاً كطرفٍ دولي، كانت تعتمد على الطرف الأمريكي، بل كانت تعمل في إطاره السياسي. كما أن السعودية ودول الخليج الفارسي كانت تعمل عنده وأداةً له. وهنا عندما تجد هذه الأطراف أن سيدها الأمريكي، قد جلس مع الطرف الإيراني رضوخاً، فهذا يعني الكثير، ولا داعي لشرحه .

ثانياً: تحليل هذا المشهد السياسي :

لا شك أن الرئيس التركي تخطى كل الخطوط الحمراء عندما هاجم إيران واتهمها الشهر الماضي بالهيمنة ودعم الإرهاب في المنطقة. لكن الطرف الإيراني الذي أثبت عقلانيةً في التعاطي وردات الفعل، بل تعاطى مع الأمر بطريقة دبلوماسية هادئة، وهذا ما دفع بالعديد من النواب الإيرانيين الى المطالبة بإلغاء هذه الزيارة، فيما استدعت الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال التركي وطلبت منه “توضيحات” لهذه التصريحات التي اعتبرتها مسيئة واستفزازية. لكن كل ذلك لم ولن يخلق مشكلةً بين الطرفين التركي والإيراني، وهذا ما عبر عنه إصرار الرئيس التركي بالقيام بالزيارة. وهنا يجب الإشارة الى أن الرئيس التركي يتميز عن الحكام العرب، في أنه يحتكم لدولة مؤسسات تحاسبه، كما أنه يفصل دوماً بين الملف السياسي والملف الاقتصادي، ويضع مصلحة تركيا نصب عينه، وإن كان ذلك بحسب طريقته. لذلك فالطرف التركي، يدرك وبمقتضى الاتفاق النووي، أن إيران ستصبح دولةً عظمى، تمتلك سوقاً اقتصادية كبيرة، الأمر الذي سيوفر لتركيا، وغيرها من الدول، فرصاً للتصدير والاستيراد، مما يعني قدرةً على مضاعفة حجم التبادل التجاري الموجود أصلاً بين البلدين. وهنا تأتي زيارة الملك السعودي المفاجئة، وهو الرجل الذي يعرف هذه الحقيقة، لعله يستطيع إقناع تركيا وإغراءها. ولا شك أيضاً، أن الرئيس التركي المعروف ببراغماتيته السياسية، والتي أدت الى وصوله للحكم أكثر من مرة، لا مشكلة لديه في التوجه للطرف الإيراني والعمل معه، إذا رأى في ذلك مصلحةً لبلاده. وهذا ما يدركه أيضاً الملك السعودي، فهو الذي خسر الدعم الأمريكي الكامل بسبب حماقته، ولم يستطع إثبات حكمته السياسية. لذلك قد يكون الطرف السعودي سعى وكمحاولةٍ منه لضم تركيا الى محورها المتقهقر أصلاً، ولذلك فقد يكون الطرف السعودي يراهن على حيرة الطرف التركي. فيما يشير البعض إلى أن السعودية قد تجد في المستقبل، تركيا بوابةً للعبور من خلالها الى إيران، والتراجع عن سياستها الحاقدة. ولعل الحقيقة تقول إن الطرف التركي محتارٌ بين ثلاث خياراتٍ لا رابع لهم. قد يختار التركي، بين الوقوف الى جانب السعودية كمحور، أو النأي بالنفس كباكستان، أو أن يكون الطرف الوسيط بين إيران والسعودية. وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة، حين تتوضح سياسة الطرف التركي .

إذاً إن السعودية التي تخوض حرباً شرسة مع الشعب اليمني، تحتاج لشركاء لها في هذا العدوان، ولو شكلياً. لكن الحماقة السعودية بالعدوان على اليمن والذي أثبتت الوقائع أنه مخطط له سابقاً، أدخلتها وكل دول الخليج الفارسي معها، في طريقٍ لا نهاية له إلا الخسارة. وهنا سيقرر الطرف التركي في المستقبل موقعه. مع العلم أن الرهان على الطرف السعودي أصبح أمراً يصفه الجميع بالجنون. ولذلك يعتبر التركي وبواقعه مؤثراً على المشهد السياسي في المنطقة مستقبلاً .

إننا اليوم أمام حقيقةٍ أخرى تظهر قوة إيران الإستراتيجية. فالعالم الذي يشغله اليوم الحديث عن اللاعب الإيراني وكيف سيكون المستقبل في المنطقة، يدرك جيداً أن إيران تميزت بسياستها الحكيمة. وهو ما تقطف ثماره اليوم في ظل القيادة الحكيمة للمرشد السيد علي الخامنئي(دام ظله). وهنا تجدر الإشارة الى أن القوة التي تمتلكها إيران اليوم، ليست معتمدةً على نجاح الاتفاق النووي أو فشله. فإيران ماضية في خياراتها بغض النظر عن مصير الأمور الأخرى. ولا شك أن ترجمة الاتفاق ستؤثر على مستقبل المنطقة ككل. لكن الواقع الحقيقي الذي أصبح مسلماً به لدى الجميع، هو أن إيران قوةٌ يجب أن تحترم. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل ستنجح السعودية في هروبها نحو تركيا؟ وأي ملعبٍ ستختار تركيا؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق