التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

مسافة السّكة إلي عاصفة الحزم! الدوافع والعقبات 

ما بين رغبتها في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، وبين تخوفها من “فيتنام يمني” يكرر التجربة الناصرية في العام ١٩٦٢، تكمن صعوبة الحسابات المصرية في اختبار “مسافة السكّة” للمشاركة في عاصفة الحزم. قرار الرفض الذي اتخذه البرلمان الباكستاني أمس الجمعة عبر دعوته للحكومة التي يرأسها نواز شريف بالتزام الحياد في الحرب الدائرة حاليا في اليمن، كان بمثابة الصدمة للحليف السعودي، زاد من طينة الاختبار المصري بلةً .

تشير المعطيات والوقائع إلى أن مصر قرّرت الدخول في العاصفة ولو بشكل تدريجي خاصةً أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد عقب اجتماعه مع قادة الجيش “أننا لن نتخلى عن أشقائنا في الخليج، وسنقوم بحمايتهم إذا تطلب الأمر”. عندما نتحدّث عن أي تدخل مصري نقصد البري منه، فالسعودية لا تحتاج إلى سلاح الجوي المصري(مقاتلة مصرية شاركت في العملية)، فسلاحها الجوي هو الأضخم في المنطقة، لذلك تريد الرياض حسم المعركة على الأرض لأن سير المعارك الميدانية ليست في صالح التحالف .

لا يخلو المشهد المصري حالياً من الضبابية، رغم سيره باتجاه التدخل البري، خاصةً أن تهديد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش، باكستان وتركيا لرفضهما المشاركة في العدوان على اليمن، حمل في طياته رسائل مبطّنة للجانب المصري حينما اعتبر أن “الأمن العربي من ليبيا إلى اليمن عنوانه عربي” وأن “أمن الخليج في خطر ولحظة الحقيقة تميّز الحليف الحقيقي من حليف الإعلام والتصريحات” وتأكيده أن”المواقف المتناقضة والملتبسة في هذا الأمر المصيري تكلفتها عالية “.

لكن بغض النظر عن تضارب الآراء في مصر من الحرب السعودية، فهناك رأي يقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسي التقى قيادات الجيش المصري قبل اسبوع، وكذلك اعضاء المجلس العسكري وأخذ موافقتهم على التدخل البري، وفقا لنصوص الدستور المصري الذي يحتم هذه الموافقة في حال الرغبة بإرسال اي قوات مصرية الى الخارج في ظل عدم وجود برلمان كما هو الحال في مصر. في المقابل هناك رأي آخر يؤكد ان الرئيس المصري الذي يواجه حربا حقيقية في الداخل (سيناء)، وتهديداً امنياً وعسكرياً خطيراً للبلاد في الخارج جراء تغلغل الجماعات الارهابية في معظم انحاء ليبيا، يبدو متردداً في الدخول بالحرب السعودية في اليمن، فما هي دوافع وعقبات التدخل المصري في عاصفة الحزم؟ وهل سيقتصر على الضربات الجوية والحضور البحري، أم أننا سنرى جحافل الجيش المصري تتجه نحو اليمن مجدّداً؟

العقبات والتكاليف

تكشف المشاركة المصرية في عملية “عاصفة الحزم” عن جملة من العقبات والتحديات التي تواجه سلطات القاهرة أبرزها :

أولاً: الأوضاع من سيناء إلى ليبيا

 توقيت العملية العسكرية قد لا يكون الأنسب لظروف مصر الأمنية والاقتصادية وحتى السياسية، فمصر تبدو حاليًا محاطة ببؤر اشتعال كثيرة في ليبيا غربًا وفي سيناء شرقًا، لذلك فإن مشاركتها في “عاصفة الحزم” ترتب عليها تكاليف باهظة في هذا السياق .

ثانيا: النتائج الكارثية للتدخل البري

تضاريس اليمن الصعبة تجعل أي حديث عن الحسم العسكري عبر الضربات الجوية فقط أمرًا بعيدا، ما يجعل خيار التدخل البري واردًا بكل ما يحمله ذلك من مخاطر تعيد للأذهان المصرية ذكريات أليمة. يمثّل اليمن عقدة عسكرية للجيش المصري تعود إلى فترة الستينات حين تدخل الجيش في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمساندة الثورة اليمنية حيث تحول هذا التدخل إلى حرب استنزاف وحرب بالوكالة خاضتها ضده السعودية؛ ما أدى إلى مقتل أكثر من ١٥ ألف جندي وضابط، من حوالي ٧٠ ألفا من القوات المصرية .

ثالثاً: عقدة الإخوان

رغم سحب تركيا -الحليف الأقوى للإخوان- يدها من التحالف السعودي، المشاركة المصرية في “عاصفة الحزم” تعني بشكل أو بآخر دعم نظام السيسي لحزب التجمع اليمني للإصلاح -الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن- وإعادته طرفًا أساسياً في المعادلة الداخلية، ما يثير قلق السلطة المصرية خشيةً من عودة الإخوان مجدداً إلى الساحة العربية، وهذا ما يرفضه السيسي الذي يرفع لواء العداء للإخوان المسلمين ويعتبرهم جماعةً إرهابيّة .

رابعاً: معارضة الإعلام والنخب

المزاج الشعبي المصري في معظمه لاسيّما النخب معارض لاي تدخل بسبب الكوابيس التي ما زالت تقض مضاجعه من تجربة ١٩٦٢ والتي خسر خلالها اكثر من ١٥ الف جندي، بالتزامن مع تحذير السيسي من الدخول في حرب ليس لمصر فيها ناقة ولا جمل. كذلك يلعب الإعلام المصري الذي يعارض حالياً التدخل البري دوراً أساسياً في صنع القرار، خاصةً أن سلطات القاهرة لطالما استخدمت ماكينتها الإعلامية لتمرير رسائل يصعب تمريرها عبر القنوات الدبلوماسية .

الدوافع والحوافز

في مقابل العقبات الحقيقية والتكاليف الباهظة التي تواجهها مصر من خلال مشاركتها في عاصفة الحزم، هناك جملة من الدوافع التي بدت حاكمة في قرار القاهرة بالمشاركة في هذا التحالف العشري :

أولاً: الدعم الاقتصادي

يرتبط بالدعم الاقتصادي الضخم الذي قدمته السعودية ودول مجلس التعاون لمصر بدءً من مرحلة ما بعد ٣ يوليو/تموز ٢٠١٣ وصولاً إلى مؤتمر “شرم الشيخ” الاقتصادي .

ثانياً: مقايضة العاصفة بالقوة المشتركة

قد تسعى مصر من خلال المشاركة في العملية العسكرية إلى مقايضتها بتشكيل قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب وحماية أمن الدول العربية، خصوصًا أن الرياض لم تُبدِ حماسًا واضحًا لهذا المقترح في البداية، وموافقتها مؤخراً في القمّة العربية بدت كرفع عتب ليس إلا .

الأحاديث التي يتم تداولها عن المصالح المصرية المباشرة، وهي حماية وتأمين الملاحة البحرية في مضيق باب المندب وقناة السويس التي تشكِّل عائداتها مصدر الدخل الأجنبي الرئيسي لمصر تبدو مجانبة للحقيقة، فأنصار الله أكدت استعدادها لإعطاء ضمانات لمصر في هذا السياق، كما أنه ليس في صالح الجيش اليمني التعرض لأي سفينة مصرية تمر عبر البحر الأحمر .

في الخلاصة، تبدو مصر مكبّلة بين عقبات ودوافع ترسم مستقبلها على الصعيدين الداخلي والخارجي، فلا مجال لها لإمساك العصى من الوسط لأنها على مفرق طرق كلها مكلفة وشديدة الحساسية وعليها أن تختار خيارا واحدا من بينها ، مضحيةً بالخيار الآخر. ولكن قد تكتفي مصر بالتدخل البحري والجوي هاربةً من أي تدخل بري وبالتالي ضاربةً “عصفوين بحجر واحد”، فتحافظ على الدعم الاقتصادي السعودي وتتجنب الوقوع في التجربة الناصرية، ولكن ما هو موقف السعودية حينها ؟

بعيداً عن الاختلاف في السياق التاريخي الذي يحيط بانخراط مصر في استعادة أمن واستقرار اليمن حالياً مقارنة بتجربة مصر في ستينيات القرن الماضي، الأيام القليلة القادمة سترسم مستقبل التحالف الذي تحوّل بسبب انسحاب باكستان وتذبذب مصر من عشرياً إلى تحالف الـ”٨+١ “.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق