التفاوض مع إيران الثورة يختلف عن التفاوض مع بريجنيف وغورباتشوف
بينما المحادثات النووية بين ايران والغرب وصلت إلي أيامها الأكثر أهمية، فإن تصور تغيير سلوك جمهورية إيران الإسلامية تجاه الغرب، يلعب دوراً في نظرة قادة أمريكا السياسيين للتفاوض مع إيران. ففي مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز ذكّر ديفيد بروكس المسؤولين في إدارة أوباما بأن لا يعقدوا آمالاً كبيرة علي تغيير سلوك إيران الثوري.
ويعتقد بروكس -وهو محافظ سياسياً- بغض النظر عن كل ما يقال عن عدد أجهزة الطرد المركزي وقدرة إيران علي تخصيب اليورانيوم ، فإن تسوية الرئيس أوباما المحتملة مع إيران، مقامرة كبيرة حول طبيعة النظام الإيراني.
لكن السؤال الرئيسي بالنسبة للأمريكيين هو أنه حكام إيران يشابهون لينين أكثر أو غورباتشوف؟ هل الإيرانيون مازالوا يؤمنون بثورتهم، وهل سيستفيدون من الثروة التي سيحصلون عليها بعد إلغاء العقوبات، لتصدير ثورتهم وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط؟ أو أنهم فقدوا الثقة في الثورة، والتوصل إلى اتفاق النووي سيجعل علاقاتهم جيدة مع الغرب؟
يوم الخميس الماضي تلقي الغرب إجابات هامة في هذا الصدد. آية الله علي خامنئي المرشد الاعلى الايراني ، ألقي أول كلمة له بعد أن وصلت إيران و ١+٥ إلي اتفاق إطاري بشأن النووي؛ ولكن ماذا تعلمنا نحن من هذه الكلمة؟
أولاً أن أمريكا مازالت هي العدو الأول. لقد ردد المجتمعون هتافات “الموت لأمريكا”، والمرشد الأعلي ندد بنوايا أمريكا الشريرة . وعندما يستخدم المرشد الأعلي مثل هذه المصطلحات، فهو يؤمن بها.
ثانياً اتضح أن أمريكا هي أكثر من إيران حاجة إلى التوصل إلى اتفاق. وأشار قائد إيران في كلمته إلى أنه لم يكن متفائلاً أبداً للتفاوض مع أمريكا.
إدارة أوباما تسعى لتوافق، ولكن هذا الأمر لم يثر الإيرانيين. ولهذا السبب اضطر المفاوضون الأمريكيون إلي التخلي عن العديد من مطالبهم الأولية. في البداية كانت أمريكا تصر على وضع حد للبرنامج النووي الإيراني وتعليق تخصيب اليورانيوم في هذا البلد، ولكنها الآن تراجعت عن هذه الأمور لمواصلة المحادثات مع إيران.
النقطة الثالثة هي أن الإيرانيين يتوقعون الوثوق بهم تماما، ولكن في المقابل لا يثقون بأمريكا مطلقاً. يصر الإيرانيون علي أن جميع العقوبات يجب أن تلغي دفعة واحدة، ويصرون على أنهم لا يسمحون بتفتيش منشآتهم العسكرية من قبل المفتشين الدوليين.
والنقطة الرابعة هي أن الإيرانيين والأمريكيين لديهم تصورات مختلفة عن الحقائق. تفسير الإيرانيين للاتفاق الحاصل مختلف، ويتهمون الأمريكيين بالكذب حيال ذلك.
والنقطة الخامسة هي أنه حتى في أكثر مراحل المفاوضات حساسية ، إيران تعبر علناً عن انتقاداتها تجاه أمريكا والسعودية.
الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الاماراتي وصف مؤخراً سلوك الإيرانيين بالقول إن الإيرانيين يؤمنون بتصدير ثورتهم، وهذا هو جزء من النظام الإيراني والأيديولوجية الإيرانية.
تصريحات القيادة الإيرانية يمكن أن تكون لها أهداف تكتيكية داخلية وخارجية أيضاً، لكنها تتفق تماماً مع السلوك الإيراني في الآونة الأخيرة. إيران مازالت تري نفسها في معركة مع الغرب علي القيم والمصالح المتضاربة. تصريحات المرشد الايراني تؤيد مقال كيسنجر وشولتز الذي نشرته وول ستريت جورنال مؤخراً، حيث يري أن مصالح الطرفين ليست في اتجاه واحد.
إيران الثورية هذه حتى مع وجود اتفاق نووي، سوف لن توقف تقدم برنامجها النووي، وستستخدم قدرتها النووية وحتى العسكرية أو تهدد باستخدامها لأهدافها الثورية. والدول الإقليمية الأخرى لن تبقي صامتة وسيحدث في المنطقة ما يشبه السباق النووي.
قد يكون صحيحاً رأي أولئك الذين يعتقدون أن إيران آخذة في التغير، ولكن أمريكا لديها سجل سيء بشكل رهيب في التنبؤ بتطورات الشرق الأوسط. لقد توقع الجمهوريون والديمقراطيون دائماً نقاط تحول للشرق الأوسط، الجمهوريون بعد التدخل العسكري في المنطقة والديمقراطيون بعد المفاوضات، ولكن أحلام أمريكا لم تتحقق في أي وقت من الأوقات.
في بعض الحالات تم تجاهل علامات التغيير، ولكن الخطاب الأخير للمرشد الإيراني الأعلي لم يتضمن أي تغيير. مفاوضات معاهدة الحد من الأسلحة مع بريجنيف وغورباتشوف كانت قضية، ولكن بالنسبة إلي التفاوض مع إيران فلا يمكن إلا التعبير عن الأمل فحسب.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق