عاصفة الحزم تطال الكاتب محمد حسنين هيكل
أثارت مقابلة المفكر والصحفي المصري محمد حسنين هيكل مع قناة cbc المصرية والتي تحدث فيها عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء العدوان السعودي على اليمن، عاصفةً من الانتقادات اللاذعة طالت المفكر والقناة، حيث انبرى العديد من الكتاب والسياسيين الخليجيين والعرب المحسوبين على المحور السعودي لمهاجمة هيكل ولتوجيه مختلف التهم إليه، هذه المقابلة التي أجرتها الصحفية لميس الحديدي مع المفكر المصري ضمن برنامج مصر أين ومصر إلى أين وقامت قناةcbc ببثها ليل الجمعة الماضي وكانت قد أجلت القناة بثها سابقاً، الأمر الذي أثار حينها العديد من التساؤلات عن أسباب هذا التأجيل، ليُحل اللغز ببث القناة لكلام هيكل يوم الجمعة الماضي.
ماذا قال الصحفي المصري محمد حسنين هيكل في هذه المقابلة؟ وما هي أبرز ردود الفعل على هذه المقابلة؟ ولماذا لاقى كلام هيكل كل هذا الغضب، أسئلة سنحاول الإجابة عليها في مقالنا هذا.
لفت انتباهي حدة الانتقادات والاتهامات اللاذعة التي وجهت للصحفي المصري المخضرم محمد حسنين هيكل على لسان العديد من الصحفيين والسياسيين الخليجيين، الأمر الذي دفع بي لقراءة نص هذه المقابلة والتمعن بما قاله هيكل علَّني أعرف السر الكامن وراء هذه الانتقادات.
وجه محمد حسنين هيكل بأسلوبه المعروف الانتقاد للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وللرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي جراء سلوكهما في القمة العربية الأخيرة حيث تساءل هيكل: “أليس ملفتاً أن الملك قام وقام معه الرئيس اليمني عبد ربه منصور السابق أو الحالي لا أعلم، وفهمت أن الملك سلمان أنهى كلمته وأنهى رسالته وأعطى إشارته ورحل، وأنا مستعد أن أجد الأعذار للملك سلمان، لكن الغريب أن رئيس اليمن غادر والقمة منعقدة من أجل اليمن، وكنت أتصور أنها قضيته، وأنه ربما عليه أن يبقى بعض الشيء ولكن لأنه علم أن القرار اتخذ فقرر الرحيل”.
وأشار هيكل إلى أن السعودية كانت قد اتخذت قرارها بشأن التدخل العسكري في اليمن بشكل منفرد وجاءت إلى القمة العربية في شرم الشيخ لتفرض الأمر الواقع على العرب ليقول الملك السعودي «هذا قرارنا ومن يريد أن ينضم لنا فلينضم، ومن لا يريد فله ما يشاء»، ألقى سلمان كلامه هذا وفرض على الحكام المجتمعين ما يريد ثم غادر غيرآبه بالمجتمعين فهو كان قد اتخذ قراره ولن يرده عنه أي شيء.
وأضاف هيكل: ” إن قيادات الخليج التى دخلت فى «مود» أن العدو إيران ومن خلفهم الشيعة، يخوضون المعركة وهم مطمئنون بسبب العقوبات التى تفرضها أمريكا على إيران، وهم بشكل ما يعتبرون ذلك سنداً يمكن الاطمئنان إليه فى هذه اللحظة، لكن رفع أوباما هذا السند بالتحدث مع إيران ومحاولة تسوية الخلاف معها، ذلك كان بمثابة الصدمة لكثيرين، وهو ما دفع التطورات فيما بعد إلى أن تستبق التصرفات القرارات.”
هيكل: إلى الآن ليست هناك قيادة عربية مشتركة
وانتقد هيكل اللجوء الخليجي إلى خيار الحرب في اليمن بقوله: “واليمن يعانى إما من صراعات سلطة أو صراعات قبلية أو حروب أهلية محتملة، وفي الثلاث حالات عليك أن تفكري قبل استخدام قوة السلاح، في بدائل أخرى سواء بالترتيب أو بالتوازي …أنا أعتقد أن أفضل شيء فعلته هذه الدول حتى الآن، أنها لم تشتبك برياً، وفي الحلقة السابقة قلت إن السلاح يلعب دوراً لكنه لا يحل كل المشكلة، السلاح يلعب دوراً في القوة بمعناها الشامل وفي أداء القوة بالقدر الذي تمكنه وسائله منه، لكن إلى الآن ليست هناك قيادة عربية مشتركة كل ما نراه هو ضرب بالطائرات.”
القوة العربية المشتركة لا تستهدف داعش
شكك هيكل في كلامه بالقوة العربية المشتركة وأهداف إنشائها واتهم أصحاب هذه الفكرة بفقدانهم الهدف الواضح فهم لا يدرون بالضبط ماذا يريدون يقول هيكل:” القوة العربية المشتركة لا يمكن أن تواجه داعش، فأين ستذهب إلى سوريا أم العراق الذي تحكمه قيادة شيعية، أرجوكم أفهموني ماذا تريدون أن تقولوا؟ لابد أن تتضح ميادين القتال في عقولنا أولاً، فأين سنحارب بالضبط؟ نتحدث عن ماذا في هذه اللحظة، نتحدث عن اليمن، وموضوع داعش والشام والعراق قضية لها مواصفات اخرى.”
أسباب العدوان السعودي الخليجي على اليمن
لخص هيكل سبب لجوء السعودية إلى العدوان العسكري على اليمن في أمرين اثنين، الأول التوصل إلى اتفاق إطار بشأن الملف النووي الإيراني وتحول إيران إلى دولة نووية باعتراف جميع دول العالم والثاني قلة تجربة الحكام الجدد في السعودية، يقول هيكل: “قلت إن كيرى أبلغ الزعماء العرب الموجودين في شرم الشيخ إنه سيتم التوصل لاتفاق مع طهران قريباً، وقلت إن هذا صدمة.. فلماذا؟ لم يكن يتصور أحد لفترة طويلة أنه يمكن أن تثمر هذه المباحثات المعقدة عن اتفاق… وهذا تصادف مع شيء مهم جداً وهو انتقال السلطة في السعودية، فالملك سلمان تولى الحكم في المملكة وأنا أعرفه …الملك سلمان ينتمي لجيل الأبناء، وهذا الجيل ورث من الملك عبدالعزيز التقاليد القبلية وكل ما يمكن أن تتعارفي عليه في المجتمعات التقليدية، وسلمان عندما جاء عين ابنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي وليس هو فقط، فأنت هنا تتحدثين عن ظاهرة مهمة جداً وهي انتقال السلطة من الجيل التقليدي إلى جيل جديد وهو جيل الأحفاد.”
العدوان على اليمن عدوان أمريكي أيضاً
في معرض إجابته على سؤال هل ضربت أمريكا في اليمن؟ أجاب هيكل بقوله: “ضربت في اليمن بالفعل، فأمريكا قتلت ٣٠٠٠ شخص قبل الحرب الأخيرة، وعندما جاءت عاصفة الحزم فإن أول شيء فعلوه هو إخلاء مركز به ١٠٠ خبير يتولون عملية التوجيه وأريد أن أقول لك إن أحد مواقع التوجيه كانت موجودة في أحد القصور الرئاسية في ظل الفوضى في اليمن، حتى الأمريكان كانوا مشتركين وموجودين ويضربون ولكنهم اليوم يتركونك تتصرفين وهم يراقبون”.
إيران بلد مهم جدا في المنطقة
كما أشار الأستاذ هيكل إلى أهمية دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسعي أمريكا لاستعادة بعض من نفوذها في إيران حيث قال هيكل “أمريكا تسعى إلى عودة ما كان لها من نفوذ في إيران وهي أكبر خسارة لأمريكا باعترافها، هي خسارة ايران في الثورة الاسلامية، فإيران كانت مهمة في مسألة البترول، والآن أصبح الكثيرون لديهم بترول لكن الأهمية الكبرى لأمريكا باتت هي الموقع المتميز فأنت في عصر المرتكزات.”
انتقادات واتهامات وتخوين
شن عدد كبير من الصحفيين والكتاب الخليجيين والعرب حملةً إعلامية شعواء لم تترك قدحاً أو ذماً إلا واستخدمته ضد الأستاذ هيكل حيث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بكلام وتغريدات هؤلاء الكتاب. المستشار السابق لرئيس الجمهورية المصري أحمد المسلماني وصف هيكل بأنه كان مستشاراً إعلامياً للزعيم الإيراني آية الله الخميني منذ أن قابله في باريس وزاره في طهران مشيراً إلى تولي هيكل الحملة على الشاه والتعظيم للخميني وثورته وأضاف بقوله إن نقد هيكل للعمليات العسكرية في اليمن أمر طبيعي، ذلك أن هيكل كان دوماً حليفاً فكرياً وإعلامياً للمنظومة الإيرانية -بحسب ادعاءات المسلماني-.
وفي هذا السياق لم يترك الصحفي المصري سليم عزوز المؤيد للرئيس المخلوع محمد مرسي تهمةً إلا وألصقها بهيكل حيث خصص عزوز لاتهاماته مقالة نشرتها صحيفة القدس العربي في عددها الصادر بتاريخ ١٠/٤، إلى ذلك علق الدكتور السعودي محمد عبد الله العزام على تصريحات هيكل قائلاً: ” أخيراً يعترف هيكل بأن السعودية والخليج لها قرار مستقل عن قرار أمريكا!! …صدق وهو كذوب.. والفضل ما شهد به العدو .”
الداعية الإسلامي الكويتي الشيخ حامد العلي اكتفى بنشر بعض تصريحات هيكل على صفحته الشخصية واضعاً في نهايتها علامة تعجب، للتعبير عن استنكاره لتصريحات هيكل، حيث كتب على موقع تويتر: محمد حسنين هيكل: إيران كانت ضمن اهتماماتي.. وجمعتني صداقات مع «الشاه» و«الخميني !! ».
كما تساءل الصحفي عبد الله العذبة رئيس تحرير صحيفة العرب القطرية: هل يريد هيكل أن يتم دفنه في إيران كأمنية أخيرة يا إخوان؟
بينما عمدت الصحفية الكويتية فجر السعيد المعروفة بولائها للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك إلى الاستهزاء بالأستاذ هيكل في حين اتهمه الكاتب المصري عبد الواحد عاشور بالجنون والخرف.
ما سر هذه الحملة التي استهدفت هيكل:
من المؤكد أن ما تضمنته تصريحات الصحفي العريق محمد حسنين هيكل من انتقاد لحكام دول مجلس التعاون جراء شنهم عدوانهم على الشعب اليمني وما ذهب إليه هيكل من نصح هذه الدول ومعها مصر بعدم التمادي في خيار الحرب والعودة إلى الطرق السلمية والحوار من أجل إنقاذ اليمن ومنع انتشار الفوضى إلى سائر الدول العربية كانت هي السبب الرئيس لما لاقاه هيكل من انتقادات واتهامات، محمد حسنين هيكل والذي تكلم بكل صراحة ومن دون مواربة نسف بكلامه هذا محاولات دول مجلس التعاون وشركائها تصوير عدوانهم على اليمن كأنه محاولة لإحلال السلام والأمن ودحر (الإرهاب) من اليمن، وكشف للمتابع العربي لهث هذه الدول وراء مصالحها الضيقة غير آبهة بأمن المنطقة وما سيعقب هذه الخطوة من ويلات سترتد حتماً على هذه الدول نفسها.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق