التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

نتائج العمليات الجوية السعودية ضد اليمن ودراسة إمكانية العمليات البرية (الجزء الثالث) 

تقييم العملية البرية لآل سعود 

 المشكلة الأولي للسعوديين في الهجوم علي اليمن، هي “شرعية” إجراءهم. بالإضافة إلى أن الجيش اليمني وأنصار الله لم يهاجموا الأراضي السعودية مطلقاً، والوضع اليمني الداخلي هو حالة ثورة شعبية والتي لها درجة عالية من الشرعية في الأعراف السياسية. وعلى افتراض أن المجموعات والأحزاب المحلية في اليمن مختلفة مع بعضها البعض في كيفية إدارة بلادهم، فهذه مسألة داخلية ويمكن لأي بلد أجنبي أن يستخدم ذلك شماعة لتوجيه ضربات جوية أو أرضية لجيرانه .

المشكلة الثانية للسعوديين هي العمل الجاد والمثابرة لدي الشعب اليمني. هذا الشعب لديه خبرة واسعة في المقاومة ضد الغزاة الأجانب. المصريون بقيادة جمال عبد الناصر أسقطوا الحكومة الزيدية في عام ١٩٦٢ عن طريق إرسال ٦٠ ألف جندياً، وأوصلوا حكومة تابعة لهم إلي الحكم في هذا البلد، ولكنهم عندما غادروا اليمن في ١٩٧١، قد فقدوا حوالي ٥٥ ألف من قواتهم، والآن هناك مقبرة كبيرة في اليمن تنتمي إليهم. وفي التجربة القريبة أيضاً لم ينس السعوديون الدروس القاسية التي تلقونها من الشعب اليمني .

وعلى الرغم من أن العمليات العسكرية ضد البنية التحتية تشكل خسارة كبيرة للشعب اليمني الفقير، ولكن هذه البني التحتية تقليدية وقليلة بحيث لا يمكن أن تعطل حياة الناس اليمنيين، وهذه هي المشكلة الثالثة للسعودية في الهجمات الجوية والبرية .

المشكلة الرابعة للسعودية في اليمن هي الأجواء المعادية لأمريكا في هذا البلد. في الواقع إن مشكلة أمريكا والسعودية في اليمن قد بدأت على الأقل منذ عام ٢٠٠٣، حين استبدل الحوثيون الأفكار المتطرفة المتعلقة بالمتطرفين المرتبطين بالسعودية، بالسياسات المناهضة للغرب. الثورة الحقيقية قد بدأت في اليمن في هذا العام من خلال اتخاذ الزيديين مواقف ضد أمريكا والكيان الإسرائيلي. وفي هذه الأثناء اجتمعت السعودية وتنظيم القاعدة وأمريكا والحكومة السابقة في اليمن ضد الزيديين، وتوسع إطار ذلك لاحقاً ليصل إلي شافعية اليمن أيضاً. وعدم قدرة حكومة صالح ومنصور على إدارة التطورات السياسية والاجتماعية والأمنية في اليمن وكذلك الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في المحافظات الجنوبية، أدت إلي تعاطف وتضامن الزيديين والشافعيين في اليمن مع حركة الحوثيين. وبناءً عليه فإن الهجوم السعودي علي اليمن ليس فقط لا يساعد على حل المشكلة، بل يزيد أيضاً من المعارضة الشعبية في اليمن ضد أمريكا وأتباعها الإقليميين واليمنيين .

المشكلة الخامسة للسعودية هي مواجهة جيشها قوة غير نظامية. ما حدث في تاريخ الحروب غير النظامية حتي الآن، كان انتصار القوات غير النظامية على الجيوش النظامية. وهذه المشكلة تتضاعف صعوبتها عندما تقاتل الجيوش القوات غير النظامية علي أرضها. الحوثيون مجموعات مدربة تعرف أراضيها جيداً وتقاتل فيها. السعودية حاربت الحوثيين في عام ٢٠٠٩، وكان أداء الجيش السعودي في هذا العام ضعيف للغاية. علينا أن نتذكر أن الحوثيين هم الآن يخوضون القتال لأكثر من عقد من الزمان وتدربوا لذلك تدريباً كاملاً. إن التحديات والصعوبات التي واجهتها أمريكا في أفغانستان مشابهة جداً لما هو موجود في اليمن، إن لم تكن أكثر .

المشكلة السادسة للسعودية تعود إلي هيكلية جيش هذا البلد. القوات العسكرية السعودية صغيرة وتفتقر إلى القدرات الهجومية، وقدراتها الدفاعية تديرها القوى الخارجية أيضاً. هذا الجيش هو “جيش مؤجر”، والتكنولوجيا والخبرة لديه مستعارة ومستوردة، وتتكون القوى العاملة فيه من القوات الأجنبية من باكستان وبنغلاديش والصومال وحتي اليمن، ومثل هذا الجيش لا يمكنه أن يقوم بهجوم فعال ضد أي بلد .

المشكلة السابعة للسعودية هي التكلفة الغالية لقتال جيشها. السعودية ومن أجل الحفاظ على الائتلاف الذي شكلته، مجبرة على دفع تكاليف مالية عالية. حيث طلبت مصر وتركيا وباكستان مبالغ كبيرة من السعودية لمرافقتها في هذا الهجوم، هذا في حين أن أياً من هذه البلدان لم يدخل حتي الآن في العمليات العسكرية ضد اليمن، وأعلنت باكستان صراحة أنها ملتزمة بالدفاع عن السعودية في حالة تعرضها للهجوم فقط .

من ناحية أخرى، فإن السعودية تستخدم في غاراتها الجوية ضد اليمن قاعدة الملك خالد الجوية على مسافة ١٢١ كم شمال غرب اليمن، وست من ثماني طائرات تحلق لقصف اليمن، هي الطائرات المزودة للوقود والداعمة، الأمر الذي يزيد من تكلفة الحرب للسعودية. السعودية خلال الضربات الجوية ضد اليمن قد دفعت حتي الآن تكاليف فقط دون أن تحقق أي شيء آخر .

المشكلة الثامنة للسعودية في الحرب ضد اليمن، هي “الطابع الإسلامي” للشعب والمجموعات الثورية في اليمن، فضلاً عن الطبيعة المتطرفة للجماعات التي تدعمها للسيطرة على اليمن. الحرب ضد المسلمين في اليمن، ستثير استياء بقية المسلمين سواء الشيعة أو السنة، وتجعلهم إلي جانب الشعب اليمني المظلوم. هذا في حين أن شعوب المنطقة لا تذكر أن السعودية خاضت أي حرب أخرى ضد الغرب والكيان الإسرائيلي لصالح المسلمين. موقف السعودية في حروب الكيان الإسرائيلي ضد الشعب اللبناني وقطاع غزة في أعوام ٢٠٠٦، ٢٠٠٩، ٢٠١٢ و ٢٠١٤ ، كان لصالح الكيان الإسرائيلي صراحة أو ضمناً. في تلك الحروب كان أصحاب الفتاوي من الوهابية السعودية يرفضون شرعية مساعدة المظلومين في لبنان وغزة، إلي درجة رفض المفتي العام للسعودية خلال الحرب التي استمرت ٣٣ يوما، الدعاء لحزب الله من أجل انتصاره!  ووفقاً لذلك، فإن بعض الدول العربية والإسلامية التي يذكر اسمها في التحالف ضد اليمن، لم تشارك حتي الآن في العمليات العسكرية ضد الشعب اليمني .

في هذه الأثناء، إن الحليف اليمني الرئيسي للسعودية في هذا البلد، هو أنصار الشريعة فرع تنظيم القاعدة المنبوذ بين شعوب وحكومات المنطقة. تليه الميليشيات التابعة لمنصور هادي والتي تعتبر أحد أسباب الصراع في اليمن. وبصرف النظر عن السمعة السيئة، فإن هاتين المجموعتين لا تمتلكان القدرة الكافية مقارنة مع أنصار الله واللجان الشعبية وقوات الجيش اليمني، وهزيمتهما في جميع الاشتباكات خير دليل علي ما نقول. وبناءً على ذلك، فإن السعودية إضافة إلي الضغط الذي يمارَس عليها من قبل المجتمعات الإسلامية في المنطقة وخارجها بسبب بدء حرب ضد بلد مسلم آخر ، فاعتمادها علي المجموعات المنبوذة في اليمن يزيد من عدم شرعية الحرب ضد الجيش وأنصار الله .

المشكلة التاسعة للسعودية هي أنها جعلت مواقعها الحساسة عرضة للأعمال الانتقامية المتبادلة. فإذا كان اليمن يفتقر إلي مواقع استراتيجية في الاقتصاد والأمن، لكن السعودية لها مواقع حساسة حتى في حدودها القريبة مع اليمن. القضية الأولى هي أن الصراع الحالي قد عرّض إلي الخطر أمن تصدير نحو ٥/٨ مليون برميل من النفط من السعودية إلي البحر الأحمر وسواحله. موقع أنصار الله في محافظتي صعدة وحجة هو بحيث أن إطلاق صواريخ يصل مداها إلي ٥٠٠ كم أو أقل، يمكن أن يجعل كل السواحل الغربية للسعودية في البحر الاحمر غير آمنة. وهذا الأمر يمارس الضغط علي السعودية من قبل الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي المشترين الرئيسيين للنفط السعودي. الهجوم على اليمن يهدد البنية التحتية النفطية السعودية، ومن النتائج السلبية للتدخلات السعودية في اليمن هي تهديد حقول النفط السعودية وأمن احتياطيات الطاقة العالمية. والتهديد الخطير ضد سوق النفط العالمية، هو مضيق باب المندب الذي يمر من خلاله ٣.٨ مليون برميل من النفط يومياً. ومع هجمات السعوديين علي اليمن، علي سوق النفط العالمية أن تتوقع مزيداً من التهديدات السياسية. وبالإضافة إلى التهديدات النفطية، فإن السعودية وعلى بعد حوالي ٢٠٠ كم من حدودها الشمالية مع اليمن، لها ما لا يقل عن مائة قاعدة جوية وبرية وبحرية والتي يمكن أن تُستهدف بسهولة بالهجمات الصاروخية أو حرب عصابات من قبل اليمنيين .

المشكلة العاشرة للسعودية هي أنها تتحدث بوضوح عن إعادة رئيس مستقيل وحكومة أطيح بها ولا مكانة لهما بين الشعب اليمني. منصور هادي كان خلال فترة حكم علي عبد الله صالح الذي استمر ٣٣ عاماً وأطاحت به الثورة اليمنية ، إحدي الركائز المهمة في حكومة صالح، وبالتالي فإنه في نظر جماهير الثورة اليمنية يعد من المتواطئين معه وشريكاً في جرائمه. ومن جهة أخري، إن تولي منصور هادي السلطة في عام ٢٠١٢ قد تم في إطار مشروع خارجي وفي انتخابات كان هو الوحيد فيها وفاز بأقل الأصوات .

منصور هادي وحسب الاتفاقات المبرمة خلال الحوار الوطني بين الأطراف والحكومة، كان ملزماً بتنفيذ التوافقات التي تم التوصل إليها بما فيها توفير الأرضية لصياغة واعتماد دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية حرة، لكنه لم يفعل أياً من هذه الالتزامات وعمل علي تعميق الأزمة السياسية في اليمن. وانتقاله من صنعاء إلى عدن والإعلام عن إنشاء دولة مستقلة فيها، يعتبر من وجهة نظر الشعب اليمني محاولة لتقسيم البلاد وتوسيع نطاق الصراع الداخلي. والجريمة الخطيرة والكبيرة الأخري التي ارتكبها هادي من  وجهة نظر الشعب اليمني، هو طلبه من القوى الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية لليمن بما في ذلك الهجوم على المرافق والبنية التحتية في اليمن .

ومعارضة حزب المؤتمر ذي التأثير والنفوذ الذي ينتمي إلى عائلة آل الأحمر، وصمت حزب الإصلاح المنتمي إلي الإخوان، ومعارضة أحزاب “اللقاء المشترك” الأربعة، تدل على أن فترة حكومة هادي وعملائه في اليمن قد وصلت إلي نهايتها، ومقامرة آل سعود ستعود إليهم بخسارة كبيرة .

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق