كيف يدفع الأوروبيون ثمن نفاق دولهم السياسي، في مجاراة العقوبات الأمريكية علي إيران وروسيا؟
لقد أصبح اليوم من السهل وصف كل من يقف في صف السياسة الأمريكية بالأحمق. فالحماقة التي يتصف بها هؤلاء، سببها أنهم يتبعون الطرف الأمريكي الذي تكلفهم سياساته، خسارةً لشعوبهم ودولهم. ولعل الدول الأوروبية التي تجاري أمريكا في عقوباتها على إيران وروسيا، تعمل في السياق نفسه. فالأزمة الاوكرانية الأخيرة والتي تذاكى من خلالها الأوروبيون على روسيا، وفرضوا عليها عقوباتٍ إقتصادية، إنعكست عليهم سلباً. والتبرير الأمريكي المتعلق بسعي إيران لإمتلاك السلاح النووي، أدى الى قيام الإتحاد الأوروبي بمجاراة أمريكا أيضاً، وساهم معها في فرض العقوبات على إيران. الأمر الذي انعكس سلباً، على قطاعاتهم الإقتصادية. فماذا في الأثر الإقتصادي السلبي للعقوبات على روسيا وإيران من قبل الإتحاد الأوروبي وبالتحديد على القطاع الزراعي؟ وكيف يتحدث خبراء الإقتصاد الأوروبيون عن عدم جدوى هذه العقوبات؟ وكيف ينصح هؤلاء السياسيين بعدم إدخال الإقتصاد في لعبة التبعية السياسية؟
أولاً: الأضرار الإقتصادية لا سيما الزراعية، والتي يعبر عنها خبراء أوروبيون
بعد اجتماعات وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي، كان هناك دائماً من يدرك انعكاسات سياسات الإتحاد الأوروبي ضده. فوزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغايو، كشف أنّ الإتحاد الأوروبي خسر بسبب العقوبات على روسيا ٢١ مليار يورو. ولا شك أن إسبانيا تدفع فاتورة كبيرة جراء العقوبات، بسبب ما يؤديه ذلك الى تضاؤلٍ في أعداد السياح الروس وتوقفٍ لتصدير معظم المنتجات الزراعية الإسبانية إلى روسيا. وقد لا تقتصر الخسائر على البلدان الزراعية فحسب، فهناك ٦ آلاف شركة ألمانية تعمل في السوق الروسية قد بدأت باحتساب الأضرار. ويصب كل ذلك في سياق انخفاض الصادرات الألمانية ومنها الزراعية العام الماضي بـ ١٨ في المئة ما يشكل ٦ مليارات دولار. وفيما تعتبر ألمانيا الدولة الأضخم في أوروبا إقتصادياً، حذر خبراؤها من أن هناك ٣٠٠ ألف وظيفة في ألمانيا ضمن قطاع التصدير إلى روسيا، فقد منها حتى الآن ٦٠ آلفاً، منها في القطاع الزراعي. كما أن العقوبات على روسيا، أدت الى قيام الشركات الروسية بتطوير شراكات بين قطاعات الأعمال الروسية والصينية والكورية الجنوبية. مما سيشطب ما بنته الشركات الألمانية في السوق الروسية خلال ربع قرن تقريباً. ولعل الأمر الخطير والذي يدل على حجم إرتهان هذه الدول للسياسة الامريكية وإن بنسب متفاوتة، هو أن الجميع يدركون أنه سيصعب تعويض هذه الخسارة حتى بعد إلغاء العقوبات. وهذا ما حذر منه العديد من كبار رجال الأعمال الألمان، كرئيس شركة الطاقة الضخمة وينترشال راينر زيله، والذي يصف طريق العقوبات بالمسدود. وهنا يتم الحديث عن سبب قيام الإتحاد الأوروبي بالتماشي مع سياسة أمريكا، والتي لا تصب في مصلحة شعبه ودوله. فالعقوبات على إيران مثلاً، قد تؤدي الى فرض إيران عقوباتٍ مضادة تشمل صادرات الغاز الى أوروبا والعالم. وهذا ما لوحت به إيران في الفترة السابقة. وأوروبا تعرف جيداً معنى ذلك، لحاجتها للغاز في أمور حياتها اليومية وبالتحديد للإتقاء من البرد المميت. كما حذر رئيس هيئة الشرق في الإقتصاد الألماني إكهارد كوردس من أُثر العقوبات على إيران وروسيا ملوحاً بأن العامين الحالي والمقبل “سيكونان صعبين جداً” وقف تعبيره، مطالباً حكومته بالإبتعاد عن المواقف المنحازة. وفي محاولةٍ للتقليل من خطر الحظر الأوروبي كشف رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، عن أن بلاده توصلت مع روسيا إلى وسيلة لتجاوز الحظر الروسي المفروض على الواردات الغذائية من اليونان دون الإخلال بقوانين الإتحاد الأوروبي. وقال تسيبراس يوم الخميس ٩ نيسان في مؤتمر بمعهد العلاقات الدولية في موسكو: “في القطاع التجاري حددنا أمس إمكانيات زيادة الصادرات اليونانية إلى روسيا، وخاصة في القطاع الزراعي، الذي تعرض لأضرار جسيمة بسبب العقوبات من جانب روسيا، وفي نفس الوقت وجدنا وسيلة لتجاوز الصعوبات من دون أن نخلق أي مشاكل في العلاقة بين بلدنا وبين روسيا والاتحاد الأوروبي”. فروسيا وكردة فعلٍ منها فرضت في شهر آب من العام ٢٠١٤ حظراً على واردات المنتجات الغذائية من الدول التي فرضت عقوبات عليها، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، وتضررت اليونان بشكل كبير من هذه العقوبات حيث تشكل المنتجات الزراعية أكثر من ٤٠% من صادراتها إلى روسيا، وشمل الحظر لحم البقر والخنزير والدواجن، والنقانق والسمك والخضروات والفواكه ومنتجات الألبان وبعض المنتجات الأخرى .
ثانياً: قراءة تحليلية :
إن جميع الخبراء الإقتصاديين متفقون على حقيقة أن الأمور سيئة وتسير نحو الأسوأ. وهو ما يجب الوقوف عنده لإستخلاص التالي والمهم :
– إن ما تقوم به أوروبا قد يؤدي الى انهيارها إقتصادياً، كما في السابق في ظل الأزمات المالية. وهو ما يجب الإلتفات له من قبل الدول الاوروبية التي أصبحت تدرك انه قد فات الأوان، في الوقت الذي تدرك فيه أيضاً أن أمريكا لن تنقذها من أي مصيبة مقبلة .
– يظهر حجم النفاق السياسي الأوروبي المشابه لنفاق الحكام العرب، في التعاطي مع شعوبهم. فهم يبيعون مصالح دولهم من اجل البقاء في الحكم. وهو ما أصبح واضحاً اليوم. ولذلك تنهار القطاعات الإقتصادية كافة ولا سيما الزراعي الذي يعتبر مأوى المواطن الفقير عادةً، دون أن يجد من يسأل عنه .
لم تعد أوروبا بنظر الكثيرين تمثل مظهر الرقي الديمقراطي. فقد أظهر قادتها أنهم ادواتٌ للسياسة الأمريكية في العالم. ولا شك ان الشعوب ستدرك سريعاً ذلك في الآتي من الأيام. ولكن السؤال الأهم: هل ستستفيق الشعوب الأوروبية قبل أن تدفع ثمن سياسات حكامها؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق