لماذا تعطل السعودية الاستحقاق الرئاسي اللبناني؟
“ليس من أدبيات المملكة ولا من طباعها أن تتدخل في أي شأن من شؤون دولة أخرى”، جملة شهيرة سمعها اللبنانيون من السفير السعودي على اراضيهم، فكان الشعب اللبناني موعود مع عاصفة من التصريحات السعودية وتصرفات لم تصل اللبنانيين الا الى فراغ سياسي ورئاسي اعتاده اللبنانيون منذ حوالي السنة. فما هي الا ايام تفصلنا عن الذكرى السنوية الاولى للفراغ الرئاسي اللبناني. فمنذ ان خرج الرئيس اللبناني السابق من القصر الرئاسي بتاريخ ٢٤ ايار ٢٠١٤، بقي كرسي الرئاسة اللبنانية خاليا من الرئيس الاول في لبنان. وبهذه المناسبة المؤلمة سياسيا، وبعد الإشارات التي تؤكد رفض السعودية لوصول رئيس لبناني يسد الفراغ السياسي لا بد من الإجابة على سؤال لطالما طرحه اللبنانيون، لماذا يصر السعوديون على المحافظة على الفراغ الرئاسي اللبناني؟ وماذا يستفيد السعوديون من الفراغ السياسي اللبناني؟
فراغ رئاسي طويل والسعودية ترفض عون
ليست المرة الاولى التي يعيشها اللبنانيون مع الفراغ الرئاسي فقبل عام ٢٠١٤ كان اللبنانيون على موعد مرتين مع الفراغ الرئاسي عامي ١٩٨٨ و٢٠٠٧. لكن المقارنة بين استحقاقي ١٩٨٨ و٢٠٠٧ اللذين قادا إلى الفراغ وبين اليوم لا تجوز، ففي الاول كان لبنان تحت الحرب، وكان الانقسام من طبيعة طائفية، وعدم الانتخاب قاد إلى حكومتين مسيحية وإسلامية، وبالتالي الخروج من هذا الواقع كان لا بد له من “طائف” يعيد ترتيب الوضع الدستوري السياسي والعسكري .
وفي الاستحقاق الثاني كان الانقسام على أشده بين قوى ٨ و١٤ آذار، ما أشعل فتيل أحداث ٧ أيار بغية تحريك الوضع وإعادة التوازن إلى السلطة التنفيذية عبر إدخال الثلث المعطل في “الدوحة” لفرملة الاندفاعة الحكومية لقوى ١٤ آذار التي أنتجت ما سمي بالمحكمة الدولية. والواضح عبر التاريخ ان الانتخاب الرئاسي كان لا بد له من محرك، فعام ١٩٨٩ كانت “حرب التحرير” التي قام بها عون وعام ٢٠٠٧ كانت احداث ٧ ايار ولكن اليوم ورغم كافة المحركات لم يستطع اللبنانيون ان ينعموا برئيس جمهورية يخرجهم من الوضع السياسي الحالي .
ورغم كل المؤشرات التي تظهر زيادة حظوظ النائب ميشال عون في الوصول الى كرسي الرئاسة، تظهر الوقائع ان انتخاب الرئيس ليس قريبا ففريق ٨ اذار يرفض اي رئيس يتطاول على محور المقاومة ويدمر المعادلة الذهبية “الشعب والجيش والمقاومة”. بينما يرفض فريق ١٤ اذار ومن ورائهم السعودية وصول رئيس الى بعبدا لا يتفق مع السياسات السعودية في محاربة التيار المقاوم والممانع .
وقد أشارت صحيفة السفير اللبنانية ان مصادر لبنانية تتردد على السعودية بشكل دوري وأوضحت أن الرئيس سعد الحريري عقد لقاءا كان مقررا بينه وبين الملك السعودي، بحضور وزير الخارجية سعود الفيصل الذي جدد خلال اللقاء رفضه القاطع لوصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. وأشارت المصادر، لصحيفة “السفير”، الى أن الحريري حذر خلال اللقاء من مغبة استمرار الفراغ الرئاسي من زاوية تأثيره على الاستقرار، واتفاق الطائف في آن معا .
كلام في الهواء
السعودية من خلال سفيرها في لبنان “علي بن عواض عسيري” اعتبرت في بيان أصدرته في الايام الماضية ان “السعودية مشهود لها بأنها لا تتكلم لغتين وأعلنت مرات عدة على لسان مسؤوليها أن الرئاسة اللبنانية شأن لبناني بحت وهي لا تدخل في لعبة الأسماء والمرشحين بل تدعم كل ما ومن يتوافق عليه اللبنانيون “.
لكن الرفض السعودي لوصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، الغير مبرر، لا يمكن تفسيره سوى بان الكلام السعودي “كلام في الهواء” لا يمكن تصديقه او البناء عليه فمصالح السعودية في لبنان اكبر من ان تسمح لاي شخص من الوصول الى بعبدا بصفة رئيس جمهورية. فالرئيس الجديد يجب ان يسير تحت المظلة السعودية منفذا لرغباتها ومؤيدا دون نقاش للسياسة السعودية وهذا ما لا تجده السعودية في تصرفات النائب ميشال عون .
ولا شك ان سببا اخر يمنع السعودية من القبول بالانتخابات الرئاسية الجديدة يتمثل بالنقمة السعودية المتزايدة على “حزب الله” وحلفاءه منذ تدخله العسكري في سوريا مع ما يحمله هكذا تدخل من ضرب لمصالح المملكة في المنطقة على حساب ايران. وعدم قدرة السعودية من إنجاز مهامها الامريكية في المنطقة والتي تعتبر السعودية “حزب الله” المسؤول الاول والاخير عن هذا الإخفاق من خلال دعمها للثورة البحرينية واليمنية والفلسطينية وحمايتها لمحور المقاومة .
الحليف الاساسي للسعودية ايضا لا بد انه المحور الثالث من التدخل السعودي لتعطيل الانتخابات الرئاسية فقوى ٨ اذار لن تقبل بأن يصل من هو اقل تمثيلا في السياسة اللبنانية الى كرسي بعبدا والسعودية ايضا لن ترضى بان يخرج الحليف الاول “سعد الحريري” من السياسة اللبنانية كما خرج من الاراضي اللبنانية. فكانت المقايضة بين كرسي بعبدا وكرسي رياض الصلح الحكومي، ما رفضه حلفاء ٨ اذار مصرين على التمثيل بحسب الارضية الشعبية .
السياسة السعودية إذاً أغلقت ابواب بعبدا امام الجميع، مانعة بقدراتها ونفوذها في لبنان اي شخصية من الوصول الى كرسي الرئاسة تاركة الفراغ السياسي الرئاسي سيد الموقف. فهل تبشر سنوية الفراغ برئيس جديد وتبعد المصالح السعودية عن لبنان تاركة الشعب اللبناني وسياسييه سادة القرار؟ سؤال برسم الايام القادمة …
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق