التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

مستقبل السودان الداخلي والخارجي ينتظر نتائج الانتخابات 

يعيش السودان حالةً من التأمل السياسي للمستقبل، في وقتٍ تشهد فيه البلاد انتخابات يمكن وصف نتائجها بالمهمة علي الصعيد الخارجي، أكثر منه على الصعيد الداخلي. فالأطراف الداخلية تتعامل وكأنه لا انتخابات وهذا ما تشير له أقلام الاقتراع، أو ما يمكن وصفه بالإقبال الضعيف. ولكن وبعد سنواتٍ من الخلافات الداخلية نجحت المعارضة ولو شكلياً في توحيد صفوفها تحت تحالف “نداء السودان”. فماذا في الانتخابات الجارية؟ وكيف ينظر لها؟

أولاً: مجريات الانتخابات في السودان

أكمل السودانيون اليوم الثاني من أيام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي انطلقت أمس الثلاثاء وشهدت إقبالاً ضعيفاً من قبل الناخبين وسط دعوات من المعارضة إلى المقاطعة على أن تنتهي الانتخابات اليوم. وفي أول انتخابات تجري في البلاد بعد تقسيم السودان، دعي ٣.١٣ مليون ناخب لانتخاب أعضاء البرلمان (٣٥٤ عضواً) وممثليهم من أعضاء مجالس الولايات في انتخابات يتوقع أن يفوز بها حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ويصوت الناخبون على ٧ بطاقات، الأولى خاصة بمنصب رئاسة الجمهورية الذي يتنافس عليه ١٥ مرشحاً إلى جانب الرئيس عمر البشير وأغلبهم مستقلون ولا يشكل أي منهم تهديداً جدياً للبشير. وتشمل عملية التصويت ٣ بطاقات خاصة بالبرلمان: الأولى للدوائر الجغرافية، والثانية للقوائم الحزبية النسبية، والثالثة لقوائم المرأة التي تستحوذ على ٢٥% من مقاعد البرلمان بنص الدستور. كما وتوجد ٣ بطاقات مماثلة لانتخاب مجالس تشريعية للولايات البالغ عددها ١٨ ولاية. وكانت أحزاب المعارضة التي تحظى بشعبية في السودان، وتشمل حزب “الأمة القومي” بزعامة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، وحزب “المؤتمر الشعبي” بزعامة حسن الترابي، و”الحزب الشيوعي السوداني” قد دعوا إلى مقاطعة الانتخابات. وكان قد أدلى الرئيس السوداني عمر البشير، ترافقه إحدى زوجتيه بصوته في الانتخابات في مركز الاقتراع في مدرسة سان فرانسيس قرب مقر إقامته في القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، وكان برفقته عدد من كبار معاونيه وسط تغطية إعلامية كبيرة .

ثانياً: قراءة تحليلية لأسباب ضعف المعارضة

بعد سنوات طويلة من الخلافات الداخلية وقمع السلطات، قامت المعارضة السودانية بتوحيد صفوفها في تحالف “نداء السودان” والذي أعلن عنه في كانون الأول، ويجمع فئات معارضة تتنوع بين مؤيد للتغيير السلمي وآخر للعمل المسلح وثالث يرفع صوت المجتمع المدني. لكن هذه الفئات المختلفة في سياساتها والمتفقة على أنها معارضة، وجدت نفسها في أول اختبار حقيقي غير قادرة على الحشد في حملة أطلقتها لمقاطعة انتخابات من المرجح أن تمدد فترة رئاسة عمر البشير. ولعل الهدف من هذا التحالف هو إسقاط النظام، لذلك فإن مقاطعة الانتخابات ليست سوى خطوة في هذا الطريق ومن المبكر جداً تقييمها. وللتعبير عن رفض انتخاباتٍ وُصفت بالمزيفة، أطلق “نداء السودان” حملة “إرحل” لمقاطعة الانتخابات، وبدأ اعتصاماً مفتوحاً في مقر حزب الأمة عشية اليوم الأول من الاقتراع، إلا أن النتيجة جاءت عكس ما هو متوقع. فالمشاركة المحدودة للسودانيين لا تقتصر على عملية الاقتراع فقط، بل لم تنجح المعارضة في حشد الجماهير للتعبير عن تأييدهم لمقاطعة الانتخابات. ولعل لغياب الحشد الكبير عن نشاط المعارضة أسباب ومبررات قد يكون أساسها القمع والتخويف والذي قد يصل الى حدود لا مبالاة المواطن السوداني العادي بالشأن السياسي. فجميع الأطراف في البلاد تشعر أن الانتخابات ستنتهي بتمديد فترة حكم البشير المستمر منذ ٢٦ عاماً، لمدة خمس سنوات إضافية. فجميع من ينافس البشير في هذه الانتخابات هم ١٥ مرشحاً غير معروفين على الساحة السياسية. ولم تتوقف حملة الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام وكذلك المعارضين. فهذه الأجهزة كانت قد اعتقلت في كانون الأول المعارضين فاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني إثر توقيعهما وثيقة “نداء السودان”، وأطلق سراحهما يوم الخميس الماضي. وتشن الأجهزة الأمنية كذلك حملة واسعة ضد وسائل الإعلام، حيث صادرت في شباط الماضي النسخ المطبوعة من ١٤ صحيفة. وهو الأمر الذي قلل من أهمية الحشد للمعارضة، ولذلك يقاطع العديد من الشباب الناشط حملة “ارحل” على اعتبار أنها لا تؤدي الى نتيجة. كما وأن المعارضة عُرفت باختلافاتها الداخلية، وهو الأمر الذي يشكل إحدى أسباب غياب المشاركة، بسبب فقدان الثقة بها نتيجة الخلافات الكبيرة فيما بينها. فحزب الأمة على سبيل المثال شهد انقسامات عدة، حتى أن بعض الفصائل المنشقة أصبحت موالية للحكم. كما أن التحالف تنضوي تحته، حركات التمرد المسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والتي تؤمن بالحل العسكري، الى جانب حركة النيل الأزرق التي تدعو الى حلٍ سلمي. وهذا يعتبر سبباً لعدم قوة المعارضة المجتمعة شكلياً، في ظل تعهد حركات التمرد بتعطيل العملية الانتخابية في مناطقها بالقوة، فيما تصر أحزاب ومنظمات اخرى في تحالف “نداء السودان” على الخيار السلمي .

إذاً قد لا يعول على الانتخابات الداخلية في السودان لأنها قد لا تأتي بجديد غير البشير الذي أدخل البلاد في الحرب الأهلية، ويحاول نقلها خارجياً اليوم، الى الوصاية السعودية. ولعل السودانيين يعرفون جيداً أن سياسات الدول الخليجية لن تنفعهم، بل ستضر بهم. لذلك يجب انتظار الأيام المقبلة لنرى، ما هو مستقبل السودان الداخلي والخارجي؟

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق