السعودية والمستنقع اليمني
فحين قام الملك سلمان بإعلان حربه على الشعب اليمني وقرر ان تتخذ السعودية قيادة تحالف “الدمع المرتعد” أو ما يسمي بعاصفة الحزم كان يأمل هو وفريقه من امراء آل سعود السديريين بل مستندا الى ما كان يتصوره او قد تم تصويره له بتجييش جميع من هم يجعلهم هو وآلته الاعلامية ممن يرتابون مما يوصف بالتوسع الايراني في دول المنطقة .
يبدو ان امراء آل سعود الذين استشعروا بوجود خطر داخلي(عائلي ومجتمعي) وايضا خارجي يهدد نظام الحكم (الديني-الوهابي) والعائلة المالكة بصورة فعلية، قرروا اللجوء الى حلفاء المملكة وقد لجأت فعلا الى حلفائها العرب والمسلمين الاقوياء بالتزامن مع انطلاق عدوانها ضد اليمن، كاختبار حقيقي لمدى الترابط الذي يجمع السعودية بباكستان وتركيا ومصر، الا انها فوجئت بردود الافعال “الباردة” والتصريحات الغامضة، ورفض التدخل في العدوان التي تقودها السعودية بصورة مباشرة من اقرب حلفائها الاقوياء ليثبت هذا التقلص المتسارع والمستمر لحلف العدوان لعائلة آل سعود حجمها الحقيقي بين دول وشعوب المنطقة ويدق مسماراً آخرا في نعش هذا النظام المترهل .
وبحسب المحللين السياسيين في المنطقة فإن تصويت البرلمان الباكستاني برفض الطلب السعودي مشاركة اسلام آباد في عمليات التحالف وإعلانه الحياد على الرغم من الضغوطات السياسية التي مورست من قبل الرياض وعدد من دول الخليج الفارسي عليه كانت الضربة القاضية غير المتوقعة لهذا الحلف وإعلان سريع لفشل المخططات الرامية الى ضرب تطلعات الشعوب العربية بيد من حديد .
ويعتقد الخبراء ان هذه الخطوة من قبل الحكومة الباكستانية كانت بمثابة الصدمة التي صعقت امراء آل سعود في ظل مراهنتها على الجيش الباكستاني في المرحلة الثانية من الحرب والاحتلال البري لليمن .
ولفت العديد من المحللين السياسيين إلي ان هذا القرار الباكستاني الذي اتخذ بالإجماع جاء ليؤكد ان جميع التيارات الفاعلة في الساحة السياسية الباكستانية يعارضون طلب آل سعود إرسال قوات برية وبحرية من بلادهم الى اليمن ومشاركة الرياض عدوانها ضد الشعب اليمني ليسجل هذا الإجماع حدثا نادرا في البرلمان الباكستاني خلال اكثر من ستة عقود من حياته .
بعبارة اخرى ان الإجماع الحاصل على هذا القرار يبين للجميع بان مراكز القرار في اسلام آباد لا تريد ان تحول الشعب الباكستاني الى حطب في محرقة مخططات آل سعود في المنطقة وانه وبالرغم من جميع المساعدات المالية والاقتصادية السعودية لباكستان وتمويلها البرنامج النووي لهذا البلد فإن باكستان الدولة النووية في المنطقة لا تريد ان تكون في الجانب الخاسر من اللعبة الدائرة فيها حتى لا تتحول هذه الخسارة الى نقطة ضعف لها في مواجهتها المستمرة مع جارتها وغريمتها اللدودة الهند على اقل تقدير .
هذه النقطة بالذات كانت محل اهتمام الكثير من السياسيين الباكستانيين منهم الرؤساء السابقين لهذا البلد وهذا ما أشار اليه الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف الذي طالب مسؤولي بلاده وأوصاهم بعدم الانخراط في أي حرب باليمن لانها ستجلب لهم فقط المزيد من الضرر والخسران .
وكما نقل محللون ومراقبون باكستانيون ان آصف زرداري الرئيس الباكستاني السابق ايضا دخل على خط التحذير من مغبة إرسال جنود باكستانيين الى السعودية وشارك في تصحيح خطاب باكستان الرسمي الذي تم إعلانه في اول ساعات بدء العدوان على اليمن لينتشلوا بذلك بلادهم من الوقوع في الفخ المعد لهم في اليمن .
باكستان اختارت ان لا تغرق مع السعودية في قعر المستنقع اليمني والتورط في قضية معقدة لا يمكن لدول اكبر من السعودية الخروج منها بدون خسائر كبيرة على جميع المجالات .
فحسب المحللين لا يمكن للنظام “التركي” او الباكستاني في طبيعة الحال، أن يتبعا نهجاً إقليمياً جديداً يؤسس لحالة اقليمية جديدة تهدف الى تفكيك المنطقة بأكملها فالنظام التركي مثلا هو بالنهاية نظام براغماتي، ويتعامل مع الكثير من أزمات المنطقة على مبدأ الشريك الذي لا يريد ان يخسر احداً، وهذه حقائق لا تخفى على أي شخص متابع لسياسة النظام التركي في الاقليم بشكل عام .
فألاتراك كما الباكستانيين لا يمكنهم بأي حال من الاحوال ان يكونوا شركاء للسعوديين، بمقابل تخليهم عن براغماتيتهم النفعية مع باقي دول المنطقة وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً من خلال زيارة أردوغان الأخيرة لطهران، وهذا يطبق أيضاً على الباكستانيين ليشكل ذلك ضربة موجعة لمسار العدوان السعودي باليمن، ويؤشر على انهيار تحالف الحرب على اليمن، مما سيضع النظام السعودي في الأيام القادمة بمأزق كبير .
وتشير التحليلات الدبلوماسية الغربية ان الضربات السعودية الجوية المستمرة منذ اكثر من ثلاثة اسابيع لم ولن تستطيع تحقيق حتى الهدف المعلن لهذا العدوان وهو إرجاع منصور هادي الى صنعاء بدون تدخل بري تفتقر الرياض اليه بدون مساعدة حلفاء لها كباكستان التي أعلنت عدم مشاركتها ومصر المترددة في خوض هذه المغامرة الكبيرة .
ربما تعلم السعودية ايضا كما باقي المحللين في العالم ان الاعتماد على تدخل بري مصري قد يكون اقرب الى الاعتماد على “السراب”، فالوضع الداخلي في مصر اكثر تعقيدا من ان يسمح لرئيس مصر “السيسي” بالمغامرة بحرب برية شاملة في اليمن، سيما وان المواقف السابقة لمصر في اليمن قد تعزز من هذه القناعة .
اليوم وبعد ثلاثة اسابيع من العدوان العسكري السعودي، لم تتاثر القوة العسكرية للجيش اليمني وانصار الله من القصف الجوي في حين قد تضاعفت اعداد الضحايا الابرياء من الشعب خلال هذه الهجمات .
فحسب تقرير لواشنطن بوست، ان الهجمات الجوية المستمرة على اليمن نست اهدافها المعلنة لمواجهة الفصائل التي أطاحت عبد ربه منصور هادي لتضرب بدلاً منها المناطق السكنية وإمدادات المياه والمواد الغذائية المتاحة في بلد يعاني بالفعل من مستويات خطيرة من سوء التغذية وضعف في البنى التحتية اصلا لتغرق اكثر في هذا المستنقع حسب توصيفها .
فعلى الصعيد الدولي، لا يمكن إضفاء شرعية لهذا العدوان لانه وحسب الاعراف والمواثيق الدولية توجد ثلاث حالات تتيح لبلد معين التدخل العسكري في بلد آخر وهو إقرار من مجلس الامن الدولي تحت الفصل السابع او تعرض بلد ما لهجوم ضد اراضيه يضطره للدفاع عن نفسه او طلب حكومة من دولة اخرى التدخل في بلدها وهذه الحالة ايضا لا تكون مبررا رغم طلب عبد ربه منصور هادي ذلك من السعودية بسبب استقالة الاخير من الرئاسة في وقت سابق قبل إعلانه هذا الطلب .
وعلى الصعيد الاقليمي ايضا لم تفلح الدبلوماسية البترودولارية السعودية جر الكثير من الدول الى هذا التحالف على الرغم من انها كانت تراهن على ضم وجر دول اقليمية كبرى كتركيا وباكستان في هذا الحلف ليبقى هذا الحلف مختصرا على الدول الدائرة في فلك المملكة وبعض من الطامحة في كسب مساعدات اكثر من الرياض .
إعلان سلطنة عمان عدم مشاركتها في هذا التحالف ايضا جاءت هي الاخرى لتضرب اسفين المساعي الرامية الى تشكيل قوة عسكرية من دول مجلس تعاون الخليج الفارسي بقيادة السعودية .
كما ان الاخبار التي تصل من مناطق مختلفة من السعودية عن الاشتباكات مع قوات الشرطة من العوامية وحتى الرياض جاءت لتؤكد بان السعودية المتبقية وحيدة في مستنقع اليمن قد لفت الحبل حول رقبتها ليزداد اختناقها كلما ازداد بقائها في اليمن .
اليوم في ظل “خذلان الحلفاء” وتباطؤ الاخرين عن دعمها في هذا العدوان هل توجد خيارات اخرى للسعودية كي تخرج من مستنقع اليمن بأقل قدر ممكن من الخسائر السياسية؟
يقول بعض المحللين ان محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي الشاب أدخل أباه الملك الهرم في نفق لا يرى في آخره ضوءاً يذكر وهو الان لا يعلم من اين وكيف ومن يستطيع تخليصه من هذه الورطة، فهل عرف محمد بن سلمان ان دخول اليمن ليس كالخروج منه؟ !!!