اليمن مستنقع يستحيل الخروج منه
ثلاثة أسابيع مضت منذ بدء العدوان السعودي على اليمن، غارات سعودية خليجية حولت اليمن إلى كتلة من الدم والنار، أكثر من ٢٥٧٠ شهيداً وآلاف الجرحى والمنازل المهدمة، تدمير متعمد للبنى التحتية اليمنية، خراب ودمار… حصيلة “الدمع المرتعد” أو ما يسمي بـعاصفة الحزم حتى هذه اللحظة .
إلى أين ستذهب السعودية في عدوانها؟ ما هو وضع الجيش اليمني وحركة أنصار الله على الأرض؟ وماذا عن الحرب البرية؟
منذ ثلاثة أسابيع وآلة الحرب السعودية تقصف اليمن مهد العروبة والعرب، طائرات السعودية وحلفائها لا تميز بين كبير وصغير ولا تميز بين مدني وعسكري والهدف واضح وصريح تأديب اليمنيين لرفضهم طاعة السيد الخليجي .
مؤخراً تمكنت قوات الجيش اليمني وحركة أنصار الله من بسط سيطرتهم على مدينة عدن الجنوبية وذلك على الرغم من الضغط العسكري الهائل الذي تواجهه هذه القوات، ضغط عسكري يعادله ضغط سياسي يمارس على السعودية وحلفائها من قِبل الرأي العالمي ومؤسسات حقوق الإنسان بعد ما ارتكبته من مجازر في حق الإنسانية في اليمن .
قلق وحرج
السعودية اليوم في وضع لا تحسد عليه فكلما طالت مدة الحرب وكلما ازدادت أعداد الشهداء والجرحى من اليمنيين وتأخرت السعودية في إعلان انتصارها كلما ازداد الموقف السعودي حرجاً .
اليوم ينتاب القلق والتردد حلفاء آل سعود بما يتعلق ببدء الهجوم البري على اليمن لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم لا طاقة لهم للانتصار على الشعب والقوى الثورية اليمنية، ويكفينا لبرهان هذه الحقيقة التمعن في الهزيمة الساحقة التي مُنيت بها الدول العربية لدى محاولتها الهجوم على اليمن في عام ١٩٦٢م حينما قامت مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالإعداد لحرب واسعة النطاق تستهدف اليمن ولكن مصر اضطرت في النهاية إلى الانسحاب من اليمن لتعلن أن “اليمن تحول إلى فيتنام مصر”، النظام السعودي بالتعاون مع الجيش اليمني والطائرات الأمريكية والأردنية شن في عام ٢٠٠٩م هجوماً عسكرياً استهدف حركة أنصار الله ولكنه في النهاية لم يتمكن من الانتصار عليهم واضطر لإيقاف الحرب والتفاوض معهم .
في ظل الظروف الحالية وبأخذ هذه التجارب بعين الاعتبار لا تمتلك أي من الدول العربية جرأة مواجهة الشعب اليمني برياً وكل من هذه الدول تذرعت بذريعة ما لتنأى بنفسها عن ويلاتها. كل أمل السعودية كان معلقاً بالجيش الباكستاني، هذا الأمل بدده البرلمان الباكستاني حين رفض التدخل العسكري في الشؤون اليمنية .
ومن ناحية أخرى دولٌ كالإمارات والكويت وغيرها من الدول التي انضمت إلى الحلف السعودي تمتلك جيوشاً ضعيفة لا تقدر على مواجهة اليمن، جيوش هذه الدول هي أضعف من أن توصف بالجيوش، ولربما وصفها بقوات الشرطة يكون أكثر دقة وواقعية .
من بين جميع هذه الدول التي دخلت الحلف السعودي تعلق السعودية اليوم أملها على مصر. مصر كانت تمتلك في العقود الماضية وخصوصاً الستينات والسبعينات جيشاً قوياً ومدرباً إلا أن هذا الجيش فقد الكثير من قوته ومحبته لدى العرب بعد توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الإسرائيلي وتحالفها معه. القيادة المصرية تدرك مخاطر التورط في حرب اليمن بشكل جيد كما أن جهاز المخابرات المصري يمارس رقابة صارمة على الجيش وقوى الأمن المصرية مخافة الانقلاب على الجنرال السيسي لذلك يعد الاعتماد على الجيش المصري القوي سابقاً اعتماداً في غير محله .
هزيمة حتمية متعددة الأوجه
لربما يكون موقف السيد علي الخامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران من العدوان السعودي واستخدامه لعبارة “حتماً سيمرغ أنف السعودية في التراب” الموقف الأكثر شدة ووضوحاَ تجاه هذا العدوان. السيد الخامنئي خاطب السعوديين بلهجة غير مألوفة وهو الذي كان يتجاهل الكثير من الأمور بغية الحفاظ على حسن الجوار مع السعودية، بشر السعوديين بهزيمة ساحقة وشبه عدوانهم على اليمن بعدوان الكيان الإسرائيلي على غزة .
كثير من المحللين السياسيين والعسكريين يوافقون آية الله خامنئي في توقعاته حول الهزيمة العسكرية الحتمية التي تنتظر السعودية وحلفائها، حيث نقلت صحيفة فارين بوليسي الأمريكية كلام “المسلمي” أحد المحققين في مركز كارنجي والذي كتب قائلاً:” لقد مضى ذلك اليوم الذي ننتظر فيه تسليم السلطة في اليمن لشخص يمكننا التعامل معه أو يمكننا فيه الانتظار لترقب الأوضاع. هذا الهجوم على اليمن بإمكانه أن يحول اليمن إلى فيتنام لهم”. وكتبت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أيضاً: “لم يكن للعدوان السعودي على اليمن إنجازات تذكر ومن المحتمل أن يتحول اليمن إلى مستنقع للسعوديين .”
مضى أكثر من عشرين يوماً على بدء الغارات الجوية على اليمن، وحتى هذه اللحظة ثبت بعين اليقين أن السعودية لم تفلح في تأسيس حلفها الذي كانت تتمنى، وكل مليارات الدولارات التي أنفقت من أجل تحقيق هذا الهدف ضاعت سدي، كانت تظن الرياض أنها من خلال تحويلها اليمن لـ ١١ سبتمبر جديد وتحويل حركة أنصار الله إلى حركة إرهابية خطرة، بإمكانها خلق جبهة عربية إسلامية (سنية) تضمن حضور الدول العربية والإسلامية الفاعلة فيها أمثال تركيا وباكستان ومصر والسودان بشكل يكفل تأمين مصالح أمريكا والصهيونية مما يضمن دعمهم لهذا الحلف أيضاً، وكانت تظن السعودية أنه بإمكانها خلق تحد حقيقي بالنسبة لجبهة المقاومة وسوق هذه الجبهة باتجاه العزلة الكاملة سواء على صعيد المنطقة أم على الصعيد الدولي .
ولكن على الرغم من إعلان هذه الدول العربية والإسلامية تضامنها مع السعودية في بداية الأمر إلا أنها سرعان ما حاولت إبعاد نفسها عن نيران هذه الحرب، باكستان أعلنت حياديتها وتركيا رفضت الحل العسكري وتحدثت خلال زيارة رئيسها أردوغان إلى طهران عن خارطة طريق سياسية تضمن حقوق القوى الثورية في اليمن، كما قللت السودان من حضورها العسكري بعد إسقاط طائرة عسكرية تابعة لها في أجواء اليمن، ومصر هي الأخرى بعد أن كانت أعلنت استعدادها للمشاركة في العملية البرية، إلا أنها نفت الثلاثاء الماضي على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، العميد محمد سمير، وجود قوات برية مصرية في اليمن وأكد سمير على مشاركة القوات المسلحة المصرية بعناصر من القوات البحرية والجوية فقط ضمن قوات تحالف “الدمع المرتعد” أو ما يسمي بعاصفة الحزم. الأمر الذي يعني عدم استعداد مصر لتوريط جيشها في مستنقع اليمن، هذه التطورات تأتي في ظل معارضة عدد كبير من الشخصيات البارزة في مصر أمثال محمد حسنين هيكل، عمرو موسى، محمد البرادعي وحمدين صباحي لمشاركة مصر في العدوان السعودي الخليجي أصلاً .
لم يتمتع الجيش السعودي بالذكاء الكافي خلال هذا العدوان حيث استهدف قسم من الغارات السعودية منازل الشخصيات السياسية اليمنية والمراكز الإدارية والعلاجية وهذا الشيء لم يترافق مع تأثير يذكر على قدرة مقاومة الشعب اليمني، كما أن الجيش السعودي لم يقم باستهداف نقاط ضعف اليمن كما هو معروف في كل الاستراتيجيات العسكرية بل عمد إلى ضرب نقاط قوة اليمن مثل صنعاء وصعدة والحديدة وإب وهذا ما يمكن اعتباره خطأ استراتيجياً فادحاً، حيث تخضع هذه المحافظات بشكل كامل لسيطرة الجيش اليمني وأنصار الله وتوجيه الضربات العسكرية لها لا يمكنه أن يغير شيئاً في ميزان القوى على الأرض، حيث يستدعي المنطق العسكري توجيه ضربات إلى المناطق التي يتصارع عليها أنصار الله ومعارضيهم لأن هذه الضربات من شأنها توفير فرصة ملائمة للمجموعات المناوئة لأنصار الله لتبسط سيطرتها على هذه المناطق الشيء الذي لم تقم السعودية بفعله .
كما أن قيام الجيش السعودي بالإغارة على المستشفيات ومصانع الأغذية ومخيم مزرق للاجئين ولّد ضغوطاً سياسية هائلة على النظام السعودي وهذا الأمر يعكس عدم حكمة قادة السعودية في قيادة هذا العدوان، وإذا ما أضفنا تقدم أنصار الله والجيش اليمني باتجاه محافظات الجنوب كعدن ولحج وأبين وضالع وسيطرتهم عليها في لحظة كانت السعودية مشغولة بقصف مناطق شمال وغرب اليمن ستكون السعودية فشلت في تشكيل جبهة سنية قوية لمواجهة الثورة الإسلامية ودول محور المقاومة وفشلت كذلك في محاولتها التغلب على حركة أنصار الله في اليمن ووضع حد لتقدمهم .
مستقبل العدوان على اليمن وتداعياته على المنطقة
بناء على هذه الحقائق في النهاية ستجد السعودية نفسها أمام خيار من اثنين: إما أن توقف الحرب من دون تحقيق أي نتيجة تذكر وتعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد، أو أن توظف وسطاء من أجل إيجاد حل سياسي علها تستطيع الوصول إلى شيء ما في سبيل مواجهة القوى الثورية في اليمن .
كما أن هزيمة السعودية في اليمن ستحمل البشرى لدول جبهة المقاومة، إذ أن ضعف السعودية وهزيمتها سينعكس سلباً على جميع القوى السياسية المرتبطة بها، الأمر الذي يصب في مصلحة قوى المقاومة في المنطقة، كما أن عدوان السعودية على اليمن يمهد الطريق أمام أنصار الله ليهاجموا مصالح السعودية في جميع المناطق المحاذية للحدود اليمنية هذا إذا أخذنا بالاعتبار وجود مراكز عسكرية ومدنية سعودية بالغة الحساسية على مسافة لا تتعدى الـ ٢٠٠ كيلومتر من الحدود اليمنية الأمر الذي يجعل السعودية في وضع أمني في غاية الخطورة لا تحسد عليه .
انتصار الشعب اليمني في هذه الحرب بإمكانه إحياء الأمل من جديد لدى شعوب المنطقة مثل شعوب مصر وليبيا وتونس لكي تقوم بتصحيح ثورتها مما يشكل تهديداً حقيقياً بالنسبة لأمريكا والسعودية وحلفائهما في المنطقة .
كل هذا يُمكِّننا من رسم معالم المستنقع اليمني الذي تحاول السعودية وحلفاؤها الخوض فيه، مستنقع سيودي بهذا الحلف المعتدي إلى الهلاك المحتوم وسيخلق فرصة جديدة لشعوب المنطقة لتقرر هي مصيرها بإرادتها الحرة المستقلة .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق