التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 14, 2024

“المندب” باب التحريض علي الشعب اليمني 

يعتبر مضيق باب المندب ممراً مائيا استراتيجيا يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، ويبلغ عرضه نحو ٣٠ كيلومترا، بدءا من رأس منهالي في اليمن وصولا إلى رأس سيان في جيبوتي، ويشترك في حدوده البحرية مع اليمن التي تمتلك أفضلية استراتيجية في السيطرة على المضيق نظرا لامتلاكها جزيرة بريم، كل من اريتريا وجيبوتي .

وتكمن أهمية مضيق باب المندب في أنه يحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث الأهمية الإستراتيجية بعد مضيق هرمز ومضيق ملاقا، وقد ازدادت أهميته بوصفه واحدا من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج الفارسي، وتمر منه كل عام ٢٥ ألف سفينة (٥٧ سفينة يوميا) تمثل ٦ % من إنتاج النفط العالمي، وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز .

أهمية هذا المضيق جعلته موضع تنافس القوى والامبراطوريات في كل وقت عبر احتلال الدول المطلة عليه كما حدث خلال الاحتلال الإنجليزي والفرنسي لليمن وجيبوتي لفترات طويلة، كما تحرص حالياً الدول الكبرى على إبقاء الدول المطلة على المضيق تعاني من الفقر والأزمات سواء، ليسهل عليهم التحكم في هذا الممر البحري الدولي تحت اسم حمايته أو بزعم مكافحة عمليات القرصنة .

الدمع المرتعد” أو ما يسمي بعاصفة الحزم وفوبيا باب المندب

عمدت السعودية منذ بدء عدوانها العسكري على اليمن وفي خطوة واضحة الأهداف إلى تعويم قضية باب المندب على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تريد الرياض أن يصدّق الرأي العالمي بأن “أنصار الله” تشكّل تهديداً حقيقياً للمضيق .

الادعاءات السعودية التي تدحضها وقائع المشهد اليمني، تندرج في سياق التهويل الإعلامي للأسباب التالية :

أولاً: ليس في صالح الجماعة تهديد أمن المضيق والسفن نظراً لنتائجه السياسية أي تأجيج الرأي الداخلي والخارجي ضد الحركة، أو الاقتصادية أي العائدات التي يحصل عليها اليمن من السفن التي تمر عبر المضيق .

ثانياً: كيف تستطيع حركة “أنصار الله” بأسلحتها الخفيفة أن تهدّد أمن المضيق في ظل وجود العديد من القواعد العسكرية التابعة لأمريكا وفرنسا والكيان الإسرائيلي. لماذا لم تدمر الحركة سفن “الدمع المرتعد” أو ما يسمي بعاصفة الحزم وهي تضرب اليمن جنوباً؟

ثالثاً: أثبتت التجربة السابقة أن “أنصار الله” لم تقم بأي خطوة مماثلة نظراً لنتائجها الكارثية، كما أن حاجتها لتأييد الرأي العالمي في ظل التحالف العربي القائم حالياً يؤكد بعدها عن هذه الخطوة آلاف السنين الضوئية .

رابعاً: الحضور الإيراني في خليج عدن والذي أوعزته السعودية إلى أنه يندرج في إطار الدعم العسكري لأنصار الله لا يعدو عن كونه “بعبع إعلامي”، لأن تحركات البوارج والسفن الحربية الإيرانية تندرج ضمن نشاطها الاعتيادي في أعالي البحار وخليج عدن الذي تعاظم بقوة في السنوات الخمس الأخيرة، وهذا ما يؤكده الكاتب والمحلل السياسي محمد الغابري في حديثه لـ”الجزيرة” حيث يعتبر أن ” التحرك الإيراني يأتي من قبيل التواجد في المياه الدولية بهدف استعراض القوة كونه وجودا مسموحا به لجميع الدول، وإيران شأنها شأن الجميع “.

قلق مصري

كانت أهمية باب المندب محدودة حتى حفر قناة السويس عام ١٨٦٩ وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط. ومنذ ذلك الحين تحول باب المندب إلى أحد أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا، لا سيما مع ازدياد توريدات النفط الخليجي إلى الأسواق العالمية .

ظهرت أهمية المضيق الاستراتيجية بشكل أكبر أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣، عندما أرسلت البحرية المصرية سفنا حربية لإغلاقه لمنع مرور السفن الإسرائيلية أو أي سفن تقصد ميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة .

يشكل المضيق “عنق” قناة السويس التي تدر على مصر ما يزيد على ٥ مليارات دولار سنويا، لذلك يعتبر المصريون أن السيطرة على الملاحة في باب المندب تهديدا مباشراً للأمن القومي المصري، وليس فقط لقناة السويس، ما دفع بالسعودية التي تريد جمع أكبر عدد من الدول في دمعتها أو عاصفتها إلى إثارة العديد من الادعاءات حول تهديد أنصار الله لمضيق المندب. الادعاءات السعودية الهادفة لزج مصر إلى جانبها في حرب برية، أثارت ضجّة إعلامية في القاهرة ما دفع بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى التأكيد على أن “حماية باب المندب قضية أمن قومي مصري وعربي “.

لكن قيادة أنصار الله التي سارعت إلى نفى الادعاءات السعودية الهادفة لمساندة عدوانها على الشعب اليمني، طمأنت القاهرة على لسان المتحدث باسم الحركة محمد عبد السلام إلى انه “لا صحة لتلك المخاوف إطلاقا وأن الهدف منها توريط الشعب المصري في المشاركة في دماء اليمنيين وسفكها بدون حق”. من الواضح أنه ليس في صالح أنصار الله أو أي طرف يمني القيام بأي خطوة تؤثر على ملاحة المضيق لأن هكذا خطوة ستجعلها في مواجهة العالم بأسره .

اذاً، الحملة الإعلامية للرياض تحت عنوان “باب المندب” بات هدفها واضحاً ولعل الجانب المصري هو المستهدف الأكبر، ولا نستغرب أن تقدم القوات السعودية في المستقبل القريب بضرب سفن تجارية ونفطية-ترجح أن تكون مصرية- متهمةً أنصار الله بذلك، خاصةً اذا ما فشل محمد بن سلمان خلال زيارته الحالية إلى القاهرة بإقناع السيسي الدخول في الحرب البرية .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق