إرادة الشعب العراقي في مواجهة داعش
جاء الغزو الامريكي للعراق عام٢٠٠٣ ليفسح المجال امام كل الطامعين بالعراق والمتضررين من وحدة شعبه واستقرار أمنه ومن هنا كان سعي العصابات الإرهابية التكفيرية المدعومة من دول عربية واقليمية وما تمخض عنها من مجاميع إرهابية إلى الضرب على الوتر الطائفي، لأنها وجدت في انقسام الشعب العراقي فرصة لها في البقاء والتمدد إذ لا يخفى على أحد العمليات الطائفية الفردية التي ارتكبت ولا تزال ضد الفصائل السنية والشيعية في بلد شهد انقسامًا حادًا خلال فترات كثيرة .
ومن هنا أدى الوعي المتزايد من قبل الشعب العراقي خاصة بعدما كثرت المذابح بين أبناء الوطن الواحد، إلى تحصين الذات في كثير من مناطق شمال وغرب العراق. لكن ظهور تنظيمات إرهابية مثل داعش وإدراك خطورتها على الوحدة العراقية كانت السبب الرئيسي في توحيد الصف والرجوع خطوة إلى الخلف للتفكير في الحفاظ على البلد من انعكاسات انتشار التنظيم الإرهابي في البلاد، حيث تعتبر واحدة من أخطر الأزمات التي واجهتها بغداد منذ حضارتها العريقة .
اتحاد الاطياف العراقية والجيش في مواجهة داعش
استحثّ الهجوم الارهابي المبيّت على مدينة الموصل من قبل القطعان الارهابية التي يقودها “داعش”، الاتجاهات السياسية والفكرية والتدوينات الرقمية، والهوامش اليومية للأقلام على صفحات الحياة اليومية، في اتجاه واحد، وهو التصدي بجميع الامكانيات للأجندة التكفيرية التي دعمتها جهات اقليمية وروّجت لها دعاية منظمة، وفتحت لها الابواب حواضنُ محلية. واستنهض الهجوم الارهابي المنظّم على المدن العراقية، ضمير المواطن العراقي، وأخرجه من دائرة اهتماماته اليومية الخاصة، الى آفاق العمل الجمعي الذي وحّدته دعوة “الجهاد الكفائي”، لتتحول الجهود الفردية المنعزلة الى طاقة ايجابية وطنية رشح عنها فيما بعد تشكيلات شعبية كالحشد الشعبي والمتطوعين الاكراد وتشكيلات عشائرية داعمة للجيش العراقي. هذه القوات ادت دورا مهما في استعادة الكثير من المناطق التي وقعت تحت سيطرة تنظيم داعش، حيث كان للانتصارات المتكررة لقواته دفعة استراتيجية ومعنوية للجيش العراقي، وعليه فقد كان لعوامل عديدة الدافع الاساس في اتحاد القوى الشعبية والجيش العراقي في مواجهة داعش يمكن تلخيصها كالآتي :
١- ترك الغزو الامريكي للعراق آثاراً سلبية كان ابرزها تفكك الجيش العراقي من دون بنيان يضمن له مقومات الدفاع عن نفسه وبلده، مما ساهم في انتشار داعش خصوصا في المناطق التي لها حاضنة شعبية كالموصل وديالى والانبار، وكان لذلك الدافع في فتوى المرجعية الدينية بتشكيل لجان شعبية داعمة للجيش لمواجهة هذا الخطر المحدق .
٢- الحركة التكفيرية العامة والتي تصدرها داعش في العراق وبسبب ممارساته الهمجية الوحشية التكفيرية غير الحضارية وعدم احترام حرية وخيارات الشعوب والتي تمثلت بإعدام كل من خالف فكرهم وقطع الرؤوس وتدمير الآثار والحضارات واستباحة أعراض النساء قضت على امكانية إيجاد حاضنة شعبية لهم وبالتالي كانت التشكيلات الشعبية مشتملة على جميع فئات الشعب العراقي بكافة اطيافه المذهبية والسياسية مما جعله موضع احترام عند الدول التي لا يمكنها بشكل او بآخر من التغافل عن متطلباتهم وبالتالي اضطرت الى التخفيف من دعم التكفيريين .
٣- الاختلافات القائمة بين الحركات التكفيرية العامة من القاعدة وجبهة النصرة وجيش الاسلام جعلهم مشغوليين في الصراعات القائمة فيما بينهم في مقابل اتضاح الرؤية لدى كافة مكونات الشعب العراقي وجيشه وإجماعهم واتحادهم في مواجهة هذا الفكر الظلامي التكفيري يضاف الى ذلك الانجازات الكبرى التي حققها الجيش السوري أدى إلي انهزام داعش في اكثر من محطة سورية مما اثر عليهم بشكل او باخر في العراق وبالتالي أعطى زخما ودفعا معنويا وميدانيا للشعب العراقي وجيشه في تحقيق المزيد من الانتصارات والتقدمات .
تكاتف الجيش العراقي والتشكيلات الشعبية أربك داعش
الانبار كما الموصل وديالى والتي استولي عليها داعش وارتكب فيها الكثير من المجازر الجماعية وإجراء الحدود المخالفة للاسلام دفع بشيوخ العشائر وعلمائهم في الانبار الى توحيد الجهود والصفوف والمواقف بضرورة التصدي لداعش بكافة السبل المتاحة وقد أحدث هذا الاعلان من قبل عشائر الانبار بتوحيد الصفوف حالة من الإرباك والخوف لدى داعش والاستسلام وحالات فرار وترك للأعتدة خاصة ان داعش وعلى مدى اعوام كان يعتبر ان الانبار التي تشكل غالبية سنية من شأنها ان تشكل عامل دفع في احتضانهم. وبالتالي فحالة الإرباك والخوف بين العناصر الداعشية بالامكان إرجاعها لعوامل عديدة يمكن ذكرها كالتالي :
١- استجابة شعبية كبيرة من قبل العشائر في الانبار وتشكيلهم لقوة شعبية قوامها١٠ الاف مقاتل أعلنت جهوزيتها لمحاربة داعش ودعم الجيش العراقي في عمليته داخل الانبار .
٢- التكاتف والتلاحم بين القوات المسلحة من الجيش العراقي الى جانب اهلهم وعشائرهم الغيورة وكل اهل الانبار، وإعلان الحكومة عزمها على دعم العشائر التي انتفضت ضد الارهاب واستيعاب المقاتلين من ابنائها في الجيش والشرطة والتصدي بكل الوسائل لتحقيق الانتصار والقضاء على الارهابيين في كافة المناطق واستعادة الأمن والنظام وهيبة الدولة .
٣- إعلان حكومة الانبار المحلية وشيوخها عن مبادرة لإنهاء المظاهر المسلحة في المحافظة، والتي لاقت استجابة سريعة من قبل ابناء الانبار، اذ سلم الكثير من الاشخاص المغرر بهم انفسهم إلى القوات الأمنية على خلفية هذه المبادرة، فيما أعلن نائب رئيس مجلس المحافظة نزوح الاف العائلات لفسح المجال امام القوات الامنية لاقتحامها. وتتخذ القوات الامنية في الانبار العديد من الاجراءات التي تجنبها إلحاق الاذى بالمدنيين، لاسيما بعد فشل محاولات داعش في جرها الى حرب المناطق والمدن، بهدف إلحاق خسائر كبيرة بالمواطنين .
٤- التشكيلات الشعبية كالحشد الشعبي والمتطوعين من الاكراد والذين راكموا على مدى ما يقارب العامين تجارب كبيرة وكثيرة في مواجهة داعش أعلنوا استعدادهم ورغبتهم في المشاركة في عمليات الانبار الى جانب الجيش العراقي وجاء ذلك متزامنا مع دعوات وتصريحات من قبل شيوخ عشائر الانبار الى ضرورة توحيد الجهود بين كافة ابناء الوطن من حشد شعبي وقوات كردية وجيش للمساهمة في تحرير الانبار من الايادي الداعشية .
عوامل مشتركة كان لها المساهمة الجادة في إحداث حالة من الإرباك والخوف لدى العناصر الداعشية في الانبار بل وفي كل تجمع لهم على الاراضي التي استولوا عليها ما سهل ويسهل في تسريع عملية إعادة الهدوء والامن والاستقرار للعراق وتقوية اللحمة العراقية بين كافة ابنائه ليساهم بإعادة الحياة السياسية التي تعد ضرورة لتعافي العراق وتهيئة المناخ المناسب للبناء والتطوير وهو الخيار الاوحد امام العراقيين بالتقدم الى الامام وتعزيز الانتصار على الارهاب بالعمل على إرادة موحدة وإجماع على المصالح الوطنية العليا .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق